الاحتجاجات في طرابلس قد تصل إلى مدن لبنانية أخرى حال لم تتخذ الحكومة حلولاً سريعة وفق مراقبين (AFP)
تابعنا


لم تكد الاحتجاجات التي امتدت إلى أشهر معدودة في لبنان تضع أوزارها حتى عاد المشهد لينفجر من جديد، هذه المرة انطلاقاً من طرابلس التي يعاني سكانها نتيجة "سياسات التهميش" المستمرة، فيما ترزح آلاف العائلات تحت خط الفقر في بلد يعاني نتيجة أزمات سياسية واقتصادية مستمرة.

وتشهد مدينة طرابلس منذ أيام ثلاثة احتجاجات متواصلة، واجهتها قوى الأمن بالقمع بواسطة خراطيم المياه والرصاص المعدني المغلف بالمطاط والقنابل المسيلة للدموع، فيما يروي شهود عيان أن القوات الأمنية استخدمت الرصاص الحي ضد المتظاهرين.

ونتيجة الصدامات المتواصلة قُتل مواطن لبناني فيما أصيب 23 آخرين، وهو ما أثار المزيد من الغضب وزاد في حدة حالة الاحتقان في المدينة، ودفع إلى انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي في مدن لبنانية أخرى لدعم أهالي طرابلس والخروج لمساندتهم.

واندلعت شرارة الاحتجاجات في طرابلس عقب اتخاذ الحكومة قراراً بالإغلاق في ظل تفشي فيروس كورونا، وهو ما رأى التجار والعمال أنه يزيد حالة الفقر في المدينة ويؤثر على حياة عائلات لا تكاد تجد ما يسد جوعها، في ظل الانعدام شبه التام للمساعدات الحكومية.

وبينما تشتد الأزمات في لبنان وتزداد وتيرة الصدامات والقمع على يد رجال الأمن، وجهت أصابع اتهام إلى فرنسا ببيع سلاح للحكومة اللبنانية يستخدم في قمع الاحتجاجات، فيما أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن تقريراً جديداً "يكشف الدور المشين الذي تؤديه معدات إنفاذ القانون الفرنسية في قمع الاحتجاجات السلمية".

دعوات للتصعيد

يقول مراسل TRT عربي في لبنان إن "المواجهات التي اندلعت في ساحة النور في مدينة طرابلس مساء الأربعاء يمكن وصفها بأنها الأعنف حتى الآن"، ويشير إلى أن حالة من الهدوء النسبي تسيطر على المدينة في هذه الأثناء".

ويضيف أن "دعوات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي للعودة إلى اللتظاهر، كما رصدت دعوات في مدن لبنانية مختلفة للتوجه إلى طرابلس لدعم المحتجين، ما يشير إلى إمكانية اندلاع احتجاجات جديدة".

ويذكر المراسل أن المحتجين مصممون على مواصلة التظاهر، "بخاصة بعدما تأكد لديهم أن عدداً منهم أصيبوا بالرصاص الحي الذي أطلقته عناصر الأمن الداخلي خلال احتجاجات الأربعاء".

ويوضح أن "المظاهرات قد تأخذ منحى خطيراً بطرابلس، في الوقت الذي يرجح فيه مراقبون أن تمتد إلى مناطق لبنانية أخرى في ظل اتساع رقعة الفقر في لبنان، التي بلغت نحو 70%".

قرارات ارتجالية واحتجاجات مُحقة

بدوره يقول رئيس تحرير جريدة سفير الشمال اللبنانية غسان ريفي إن "الأمور تتجه نحو المزيد من التأزم في ظل اتخاذ الحكومة قرارات ارتجالية لا تراعي مصالح النّاس وأزماتهم، وقد كان قرار الإغلاق بسبب فيروس كورونا بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير".

ويضيف لـTRT عربي: "طرابلس وكل المناطق في لبنان بدأت تعاني أزمات معيشية في ظل صعود الدولار وارتفاع الأسعار، ما جعل الأمور غير قابلة للتعاطي من قبل المواطنين".

ويشير إلى أنه "لا يمكن لأي أحد أن يصف الاحتجاجات بأنها غير محقة، لأن الوجع كبير جداً".

ويقول ريفي: "وبطبيعة الحال ومثل كل الاحتجاجات يوجد من يستغل المحتجين لتوجيه رسائل سياسية، الجميع يعلم أن صراعاً كبيراً بين التيارات السياسية في لبنان أبرزها عدم نجاح تشكيل حكومة وانعدام آفاق الحلول، والتصلب بالمواقف وانسداد الأفق السياسي".

ويؤكد أن "طرابلس لديها مسلسل كبير من الحرمان والإهمال الممتد منذ عشرات السنين، ولا أعتقد أن الدولة لديها أي مخطط لإنصاف هذه المدينة وتقديم ما يمكنه مساعدة أبنائها". ويلفت إلى أن "الإغلاق الذي ينفذ في طرابلس ويضبط أهلها بمخالفات حال قرروا مخالفة القرارات يأتي في ظل انعدام أي مساعدات تقدم للأهالي كي يلتزموا، وما يحصل الآن هو أن الفقير يواجه الفقير، فكثير من عناصر الأمن والجيش الذين يواجهون المحتجين هم من نفس الطبقة وربما يعانون أكثر".

مشهد سياسي واقتصادي خانق

من جانبه يقول الباحث السياسي أمين قمورية إن "الاختناق الاقتصادي هو ما أعاد تحريك الشارع"، مشيراً إلى أن حال لبنان صار متردياً على صعد مختلفة أبرزها السياسي والاقتصادي في ظل انتشار فيروس كورونا، "هذه العوامل معاً كانت تدفع باتجاه الانفجار بخاصة في طرابلس التي يعد غالبية سكانها من الفقراء وتجاوزت نسبة البطالة فيها حاجة 50%".

ويضيف في سياق مقابلة مع TRT عربي إن "طرابلس مهمشة منذ سنوات طبية ويجري استخدمها كصندوق للصراعات الإقليمية والانتخابية، بالتالي فإن ترك المدينة وإهمالها تسبب في أوضاع صعبة للبنانيين، وفي ظل الإغلاق الكبير من الطبيعي أن يجد عمال المدينة وشبابها طريقة ما لتفجير غضبهم لا سيما في ظل تخبُّط الحكومة وقطع الوعود التي لا يُطبَّق منها أي شيء".

ويؤكد أن "العالم الاجتماعي الاقتصادي هو الدافع الأساسي لانفجار الاحتجاجات".

الانفجار الكبير

لكن قمورية يشير أيضاً إلى أن العوامل السياسية لها تأثير على مجرى الأحداث "اختلط الحابل بالنابل الآن، البعض يتهم بعض أعضاء تيار المستقبل بأنهم يسعون لكسب الشارع في طرابس ولذلك دفعوا باتجاه هذه الاحتجاجات، فيما يرى بعض آخر أن الأجهزة الأمنية دخلت على الخط لغايات سياسية".

ويضيف: "أعتقد أنه إذا لم يجرِ تسكين الشارع بشكل سريع عبر تقديم المساعدات الجدية لأهالي طرابلس وحل مشكلة الحكومة بشكل عام، فإن الانفجار قد يكون كبيراً، وقد تكون البداية في طرابلس لكنه قد تزحف إلى مناطق لبنانية أخرى باتت مهيأة لمثل هذا الانفجار، بخاصة أن الطبقة السياسية لا تفعل أي شيء للملمة الأمور بينما يغلي الشارع، ويوجد احتمال لأن نرى قريباً فوضة أمنية، يجب أخذ الموضوع بعين الاعتبار".

الباحث منير حامد: السلاح الفرنسي لا يستخدم بالداخل، إنما يُصدَّر للاستخدام ضد غير الفرنسيين فقط (AFP)

سلاح فرنسي

الكاتب والباحث السياسي منير حامد يقول إن "تدخُّل فرنسا بالشأن اللبناني كان سلبياً للغاية، فمنذ تفجير مرفأ بيروت لم تتدخل فرنسا بالأموال والاستثمار أو مساعدة في حلحلة المشهد السياسي اللبناني، وقد وصل لبنان إلى مرحلة الانسداد في المواقف السياسية والاقتصادية".

ويضيف لـTRT عربي: "فرنسا تزيد المشهد في لبنان تعقيداً، من خلال إرسال أدوات قمعية مثل الرصاص المطاطي والقنابل التي لا تستخدمها فرنسا في الداخل، ولكن فقط تُستخدم في الخارج بقمع المتظاهرين غير الفرنسيين فقط".

ويشير إلى أن لفرنسا يداً سلبية على المشهد اللبناني بشكل غير عقلاني، "وهو ما يؤزّم الموقف أكثر فأكثر في لبنان".

ويضيف: "لبنان بالنسبة إلى فرنسا جزء من الدولة الفرنسية بما يتعلق بالسيطرة فقط وليس في باقي الشؤون، لكنها لا تتدخل إلا في وضع رئيس وزراء وليس بمساعدة الشعب".

TRT عربي
الأكثر تداولاً