محطة كهرباء صينية الصنع تلبي 20٪ من احتياجات الكهرباء في العراق (Others)
تابعنا

برغم الاضطرابات الإقليمية والعالمية، لم توقف الصين استثماراتها في الشرق الأوسط. فقد كشف تقرير صادر عن جامعة فودان في شنغهاي حصول بكين على عقد تشييد وبناء في العراق مقابل 10.5 مليارات دولار في 2021، وهو مبلغ يشكل تقريباً سُدس استثمارات مبادرة الحزام والطريق الصينية لذلك العام.

برز العراق بوصفه الشريك التجاري الأول للصين في المنطقة، وثالث أكبر مُورِّد نفط لها، خلف السعودية وروسيا. إذ إن احتياطيات الطاقة لديه وموقعه الاستراتيجي، بالقرب من الخليج ومضيق هرمز، أثبتت أهميتها لمبادرة الحزام والطريق. وبينما تنسحب واشنطن من المنطقة، تستعد الصين لتوسعة نطاق نفوذها.

والأرجح أن تزايد العلاقات الاقتصادية مع بغداد سوف يُترجَم إلى نفوذ سياسي مع مرور الوقت. أما الولايات المتحدة وإيران وتركيا، وجميعها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعراق، فإنها تراقب تحركات الصين من كثب.

تهديد جيوسياسي

يبدو أن تزايد وجود الصين في الشرق الأوسط في ظل مبادرة الحزام والطريق يحبط الاستراتيجية الإقليمية الخاصة بالولايات المتحدة. وبينما كانت الولايات المتحدة تحاول فك الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط على مدى أكثر من عقدٍ من الزمان، تبدو واشنطن قلقة كذلك من التهديد الذي يواجه وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي في المنطقة، والذي لا يزال قوياً. إذ إن دور الصين المحتمل في إعادة إعمار العراق وتزايد العلاقات بين الصين وإيران، يسرّعان حضور بكين في العراق على حساب الولايات المتحدة.

شكَّل التعاون الصيني العراقي على صعيد الطاقة حجر الأساس لعلاقتهما الثنائية منذ عام 1981، عندما بدأت الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية (CPECC) عملياتها في البلاد. بيد أن الارتقاء بمستوى العلاقات إلى "شراكة استراتيجية" في 2015، كان نقطة تحول تنذر بالخطر بالنسبة للولايات المتحدة.

يحتاج العراق إلى 88 مليار دولار من أجل احتياجاته لإعادة الإعمار في أعقاب القضاء على تنظيم داعش، وهي فرصة كبيرة أمام بكين لتعظيم حضورها عبر الاستثمارات والبناء. وبينما وصل حجم التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار في 2018، تعززت العلاقات تحت حكم رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، الذي وصف العلاقات بأنها توشك أن تصير "نقلةً نوعيةً"، وذلك خلال زيارة إلى بكين في عام 2019. في النصف الأول من عام 2021، تجاوز حجم التجارة بين البلدين 16 مليار دولار.

على النقيض من مبادرات القوة الصلبة الأمريكية، تستخدم الصين استراتيجيات القوة الناعمة في العراق، ولا سيما على صعيد الاستثمارات الاقتصادية وسياسات عدم التدخل. كانت الصين تستفيد مؤخراً من فرص ما بعد الصراع من خلال جهود الوساطة والالتزام التجاري، بالمقارنة مع التورط والخطاب العسكريين في أماكن أخرى.

وكذلك استخدمت فعلياً حق الفيتو في الأمم المتحدة عدة مرات، وتحركت مع روسيا ضد الكتلة الغربية على مستوى الصراع السوري. وهي أكثر نشاطاً في الملفات الإقليمية الرئيسية، مثل أفغانستان، وسوف تقيد على الأرجح النفوذ العسكري والسياسي الأمريكي داخل العراق في المستقبل المنظور.

فوائد لإيران

تستهدف الاستراتيجية الإقليمية للصين إنشاء إطار عمل جيوسياسي سوف يخلق معه قوة توازن جديدة ضد الغرب تقودها الصين وإيران. وفي هذا الصدد، فتح الدور العسكري الأمريكي الآخذ في التقلص الباب أمام الصين على المستوى العالمي وأمام إيران على المستوى الإقليمي.

ومن خلال امتلاك نطاق واسع من النفوذ السياسي والعسكري والاجتماعي في العراق، تحتل إيران موقعاً استراتيجياً في الخلاف بين الولايات المتحدة والصين. والعلاقات الثنائية القوية بين الصين وإيران حاضرة في مجالات مختلفة، بجانب أن طهران تصبح أكثر اعتمادية على الصين بسبب تدهورها الاقتصادي.

في مارس/آذار الماضي، وقَّعت الصين وإيران اتفاقية تعاون لمدة 25 عاماً بمقتضاها تتعهد الصين باستثمار 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني مقابل إمدادات النفط. تفتح هذه الحقيقة الباب أمام تعزيز الوجود الصيني في مناطق نفوذ إيران، ولا سيما داخل العراق والشرق الأوسط في العموم.

ولا يخفى على أحد أن إيران لديها علاقات اقتصادية قوية في العراق، فضلاً عن قدرتها على التدخل في المشهد السياسي في البلاد ووجود عشرات الميليشيات التي تدعمها. تعبر طهران، التي تنزعج من الوجود الأمريكي في العراق، عن عدم الارتياح هذا من خلال شن الهجمات ضد الأصول الأمريكية عبر وكلائها، سواء على الأرض أو في الميدان السياسي. وتفضل أن تكون بكين شريكاً إقليمياً. كذلك هدد وكلاء إيران بصورة منتظمة تركيا والقواعد العسكرية التركية في شمال العراق.

ماذا عن تركيا؟

يحمل العراق أهمية جيوسياسية بالنسبة للطريق البري لمبادرة الحزام والطريق، الذي سوف يربط الشرق بأوروبا عبر إيران والعراق وتركيا. وفي هذه النقطة، تولي أنقرة المشروع اهتماماً خاصاً نظراً إلى أنها تتوقع أن تحصل من ورائه على أرباح اقتصادية كبيرة.

في عام 2014، فتحت الصين قنصليتها العامة في أربيل وأعلنت عن استثمارات ببضعة مليارات دولار مع حكومة إقليم كردستان، التي تجمعها بتركيا أيضاً علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية قوية.

بيد أن قرب الصين من إيران وتحالفهما في العراق سوف يحمل تداعيات سلبية على علاقات تركيا الاقتصادية والسياسية مع العراق. جدير بالذكر أنه فيما تسعى طهران إلى أن تمارس الصين عامل توازن ضد الولايات المتحدة في العراق، قد ترغب أيضاً في أن تستخدم استراتيجية الاستثمارات الصينية لتكون عامل توازن ضد نفوذ تركيا على حكومة إقليم كردستان.

وبالأخذ في الحسبان دعوة جينغ شوانغ، نائب المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، التي وجهها إلى أنقرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي من أجل "احترام السيادة" فيما يتعلق بالعمليات العسكرية داخل الأراضي العراقية، فربما يعني ذلك أن النفوذ الذي تمارسه الصين على العراق يتجاوز الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية.

ويتضح تماماً أن هذا الموقف يأتي في صالح إيران. ومع ذلك، ليس من المرجح على المدى القصير أن تقدر أي جهة فاعلة قوية مثل الصين حتى على التأثير على الدور الذي لا غنى عنه لتركيا، التي تعد البلد الرئيسي في تسويق موارد الطاقة الخاصة بإقليم كردستان إلى العالم، وهي بوابتها إلى الغرب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً