أوكرانيا تتلقى شحنة من المساعدات العسكرية الليتوانية في مطار خارج كييف (Reuters)
تابعنا

وعلى الرغم من التفوق الكبير في القدرات التسليحية القتالية الروسية، فإن التعثر والارتباك للجيش الروسي لا يزالان مستمرَّين في غالبية المحاور والجبهات، رغم التقدم البطيء الحاصل في إقليم دونباس.

في وقت سابق صرح الرئيس زيلنسكي بأن القوات الروسية منذ بدء غزوها لأوكرانيا قد باتت تحتلّ نحو 20% من مساحة بلاده، وخصوصاً تلك الواقعة في شرقي البلاد وجنوبيّها (إقليم دونباس، خيرسون، ماريوبول)، وهذا الاعتراف عمليّاً يعني توسُّع خطوط التماسّ والمواجهات بين الطرفين لتمتدّ لأكثر من 1000 كم من شمال البلاد إلى جنوبها.

من خلال المتابعة الميدانية للمعارك الدائرة، ومع تقادُم أيامها، أستطيع القول بلا شك إن الغرب وواشنطن أصبحوا منغمسين بشكل غير مباشر في المعارك ويخوضون مع موسكو حرباً استنزافية بالوكالة مسرحها الأراضي الأوكرانية، تقول دلالاتها ووقائعها إنها ستكون طويلة مكلّفة للجانبين، ويتجلى ذلك من خلال النشاط الواضح والمستمر الهادف إلى تزويد كييف بشحنات الأسلحة الغربية والأمريكية الحديثة والمتنوعة، التي، في حقيقة الأمر، كان لها الأثر الكبير إلى جانب المعلومات الاستخباراتية حتى الآن في زيادة وتعزيز قدرات الجيش الأوكراني على المواجهة والصمود.

بات من المعروف أن عدداً من دول الناتو في خطوة غير مسبوقة وتعزيزاً لصمود الجيش والجبهات الأوكرانية، قام بشراء كميات ضخمة وشحنات متعددة من الأسلحة والعتاد القتالي الحديث المتنوع وتسليمها لكييف، بما فيها منظومات الدفاع الجوي الروسية S-300 أملاً في تعزيز قدرات دفاعاتها الجوية وتصديها للطيران الروسي.

كما قامت واشنطن بتعزيز القدرات النارية للجيش الأوكراني من خلال تزويده بالطائرات المسيرة الانتحارية المضادة للدروع، وبصواريخ "إس إم إيه دبليو" الخارقة للتحصينات، وبعشرات الآلاف من صواريخ م/د "الجافلاين" و"إن لاو" الإنجليزية وآلاف من صواريخ م/ط ستنغر، وبـ100 مدفع "هاوتزر" عيار 155 "إم 777" الذي يمتاز بقوة النيران ودقة الإصابة نظراً إلى ميزاته الفنية والتعبوية التي يتمتع بها، وتزويده بنظام تحديد المواقع GPS، ناهيك بمدافع الميدان من نوع "قيصر" فرنسية الصنع.

كما اعربت واشنطن عن عزمها أيضاً خلال الأيام القليلة القادمة على تزويد كييف بالمنظومات الصاروخية المتقدمة متعددة السبطانات من طراز "هايمرز" ذات الرمي المساحي الدقيق، التي يصل مداها إلى نحو 80 كم، مما سيمنح الجيش الأوكراني مزيداً من فرص الصمود، والقدرات النارية الضاربة لأرتال الروس المتقدمة، وخطوطهم الخلفية وطرق إمداداتهم.

في المقابل فقد حذّر الرئيس فلاديمير بوتين من أن بلاده سترد على الإمدادات الغربية من الأسلحة بعيدة المدى المقدمة لأوكرانيا، وأنهم سيوسّعون المواجهة ودائرة الأهداف لتشمل مراكز صنع القرار للجيش والحكومة الأوكرانية.

على أي حال، ستعطي هذه الأسلحة الغربية الحديثة بجميع أشكالها وصنوفها، مزيداً من الصمود والقدرة النارية للقوات الأوكرانية، ولكن برأيي لن يُحدِث ذلك أي تغييرات جذرية أو ملموسة على المعادلة العسكرية القائمة حاليّاً، فالسؤال والجواب الذي يفرض نفسه هنا: إلى متى تستطيع هذه القوات، وأقصد القوات الأوكرانية، الصمود المرهق على الجبهات والمحاور الواسعة المتعددة التي يفتتحها الجيش الروسي، الذي أصبح بعد الشهر الأول للمعارك والانتكاسات التي صاحبته فيها ينفّذ تكتيكاته وخطط عملياته وفق سياسة النفس الطويل، والتدمير الممنهج، وبات يلجأ إلى تقطيع أوصال المناطق وضرب طرق الإمداد الخلفية، والقضم المتتابع للجغرافيا الأوكرانية، والغاية حسب قراءة الخارطة الميدانية هي الوصول إلى الضفة الشرقية لنهر دينيبر بالكامل، وبذلك تُقسَّم أوكرانيا إلى شطرين: شرقي وغربي.

أما من حيث ردود فعل موسكو على شحنات الأسلحة المقدَّمة من واشنطن، فقد اتهم الكرملين الولايات المتحدة بتأجيجها الصراع في أوكرانيا، وسعيها لإطالة أمد الحرب "حتى آخر أوكراني"، في وقت حذرت فيه الخارجية الروسية من أن قرار واشنطن تزويد كييف بصواريخ متطورة، يفاقم من مخاطر وقوع صدام مباشر بين روسيا والولايات المتحدة.

إن قرار واشنطن إمداد كييف أيضاً بالصواريخ بعيدة المدى يزيد مخاطر الاصطدام المباشر بين روسيا والولايات المتحدة.

لم يحقّق بوتين أيّاً من أهدافه حتى الآن، فالأزمة بدأت من عنوان مخاوف انضمام أوكرانيا إلى الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وحاليّاً اقترب حلف الأطلسي أكثر وأكثر من روسيا بعد طلب السويد وفنلندا الانضمام إلى الحلف، لذلك قد يكون في قرارات موسكو في الفترة المقبلة تخبُّط في ظل جبهات مفتوحة في كل الاتجاهات. وعليه فلا تزال كل الاحتمالات واردة، ولكن واشنطن ووفق الدلائل والمعطيات لا تسعى للتدخل المباشر في القتال، ولا أتصوَّر أن تغيّر موقفها من ذلك في هذه القضية، ولو تغيرت المعادلات على الأرض وتراجع الجانب الأوكراني أو اقترب من الهزيمة. لكن قد تغيِّر واشنطن موقفها حال استخدام أي سلاح كيميائي من الجانب الروسي أو وقوع مذابح جماعية في المدن الأوكرانية على نطاق واسع.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً