برجا التجارة في مدينة نيويورك حال تعرضهما للهجوم في 11 سبتمبر 2001. (AP)
تابعنا

منذ ذلك التاريخ أضحى للولايات المتحدة، القوة العالمية الأولى، أنموذجاً جديد في سياستها الخارجية، يحل محل أنموذج الحرب الباردة، وهو الحرب على الإرهاب، بوسائل عسكرية، متطورة، وأدوات وأمنية وأيديولوجية وتحالفات. والسؤال في الذكرى العشرين، هل لا يزال الأنموذج قائماً، وهل انتصرت الولايات المتحدة؟ وبأي ثمن؟

كانت محطة 11 سبتمبر/أيلول، أو 9/11 كما تُوسم، لحظة فارقة في مسار العلاقات الدولية. أفضت إلى ما يسميه البعض الحرب العالمية الرابعة، (على اعتبار الحرب الباردة كانت حرباً عالمية).

11 سبتمبر/أيلول هو التاريخ الذي أجهز على السردية الوردية التي أعقبت سقوط حائط برلين، وما تخلل ذلك من الزعم بنهاية التاريخ، مع سيادة قيم الليبرالية، سياسياً مع مبادئ الديمقراطية، واقتصادياً مع نظام السوق، وكانت الولايات المتحدة قد جعلت غايتها، مع مستشار الأمن القومي أنتوني ليك وضع أنموذج جديد في العلاقات الدولية، يقوم على نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

كان الرئيس الأمريكي بوش الابن يتفقد مدرسة بفلوريدا حين همس له أحد مساعديه بشيء. لم يتملل الرئيس، وأكمل زيارته، ثم عاد المساعد لكي يهمس إليه مرة أخرى وليقطع الجولة ويعود تواً إلى واشنطن. لن يعود محاور الرئيس الأمريكي الجمعيات المدنية، ولكن القادة العسكريين، ولن تبقى الدمقرطة ولا حقوق الإنسان من أولويات السياسة الأمريكية، وإنما الحرب على الإرهاب، ولم يعد محاورو السفارات الأمريكية في العالم الإسلامي والعالم العربي، فاعليات المجتمع المدني وناشطي حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية، وإنما الأمنيون بسجلاتهم، والعسكريون بنيشانيهم. أولئك الذين يستطيعون أن يستجيبوا لمطالب الولايات المتحدة.

كانت تداعيات 11 سبتمبر/أيلول كارثية على العالم الإسلامي والعربي، وعلى قضاياه المصيرية، من تنمية ودمقرطة فضلاً عن القضية الفلسطينية. توارت كل تلك القيم لفائدة أولية الأمن، والحرب على الإرهاب. وتعرضت أرجاء منه للاحتلال ومنها أفغانستان ثم بعدها العراق، وتوارى من أجندة الدبلوماسية الأمريكية الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والقواعد الناظمة لها، التي تبلورت مع مسلسل أوسلو: القضية الفلسطينية هي جوهر النزاع العربي-الفلسطيني، والولايات المتحدة تضطلع بدور الوسيط النزيه. أضحى كل ذلك من دائرة التاريخ أو الماضي.

كان العالم العربي في مجمله الضحية الجانبية للحرب على الإرهاب لأن السياق الجديد الذي اعتمل بعد 11 سبتمبر/أيلول أفرز أولويات غير التي تبدّت بعد سقوط حائط برلين. توارت الدمقرطة وحقوق الإنسان، وعرف العالم العربي رِدة حقوقية وسياسية، وانتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان، وتغاضت الدول الغربية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واستقواء الأجهزة الأمنية، التي وجدت في سياق ما بعد 11 سبتمبر/أيلول فرصة سانحة لتلميع صورتها أمام الغرب، بتعاونها الأمني، وللإجهاز على أصوات المعارضة. ولم يسلم التعاون الأمني من تجاوزات فيما يخص من تحوم حولهم الشبهات، وامتلأت السجون بالإسلاميين، من غير ضوابط قانونية، بل إلى عمل بالمناولة، من خلال ممارسة التعذيب على الملاحقين والمتهمين، وسادت المقاربة التكنقراطية، أو الدولة التكنقراطية ذات النزوع السلطوي كما ورد في ملف فورين بوليسي.

كانت الاستراتيجية الأمريكية تعتمد أولاً العمل الأمني، مع تبني قوانين رادعة وزجرية، في الدول العربية، مطابقة لقانون باتريورت المضيق للحريات. لكن أهم عمل هو ذلك الذي انصرف إلى صياغة مخيال، من خلال السعي لصياغة منظومة تربوية جديدة، وضبط الخطاب الديني، بل في أحيان إلى فرض تصور لتدبير شؤون مجتمع ما، من خلال التركيز على الأقليات في العالم العربي، ونظام الطائفية والمحاصصة. وبدا ذلك جلياً بعد الحرب على العراق، التي اعتبرتها الولايات المتحدة المدخل إلى دمقرطة العالم العربي.

لكن شتان بين الخطاب والفعل، فقد آلت الأمور في العالم العربي إلى أنظمة بوليسية، فوق أي مساءلة، وإلى تحجير على الحرية وتضييق على النشطاء، يواكبها غطاء تكنقراطي، أو الدولة التكنقراطية.

فشلت الولايات المتحدة فيما كانت ترومه، على الرغم من جحافل الخبراء، وكان المثال الجلي لهذا الفشل هو العراق، وما تمخض عنه من بروز تنظيم إرهابي مريع.

أفرز ما بعد 11 سبتمبر/أيلول مستفيدين من الوضع الجديد تأرجحوا ما بين مستفيدين مطلقين، كإسرائيل، التي نفضت يدها من كل التزاماتها فيما يخص القضية الفلسطينية، والصين، التي محت ثُلمة ساحة تاينامين، ومستفيدين مرحليين، منهم إيران، التي بدت حينها أقل سوءاً من "الإرهاب السني" حسب تعبير الرئيس الأمريكي أوباما. وتحررت روسيا من وصاية الغرب، وأخذت ترسم مساراً مغايراً للولايات المتحدة.

هل انتصرت الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب كما طرحت مجلة فورين بوليسي في عددها لخريف هذه السنة؟ لئن كانت الغاية هي ردع أي ضربة قوية على الولايات المتحدة، فلقد نجحت، لكن إذا كانت الغاية دحر الإرهاب عالمياً، فلا يزال الخطر قائماً. ثم ما الثمن؟ ألم يكن بشعاً كما يقول إليوت أكيرمان Elliot Ackerman في ذات العدد؟

لم يعد أنموذج الحرب على الإرهاب قائماً، أو يشكل نظرية قائمة الذات. ذلك أن الحرب على الإرهاب التي شكلت القاعدة الناظمة لسياسة الولايات المتحدة لعشرين سنة، وأصبحت محدداً لهويتها، فشلت، كما يقول الخبير الأمريكي والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، بين رودس، وعلى أمريكا أن تقف على التحول الذي اعتمل بها، وتعي الوجهة تريد أن تسلكها لأن التحدي الأكبر هو الحزب الشيوعي الصيني (كذا).

الذكرى العشرون لـ11 سبتمبر/أيلول تحمل إرهاصات تحول كبير، كما ورد في الملف الخاص في مجلة فورين بوليسي. هي محطة ليست لإجراء جرد على مرحلة مفصلية في العلاقات الدولية فحسب، وإنما لاستشراف معالم عالم جديد، لأن الولايات المتحدة نفسها كانت ضحية جانبية للحرب على الإرهاب إلى جانب العالم العربي. فالتحدي الأكبر الذي يواجه أمريكا، هو الصين وليس الإرهاب أو المعركة ضد الخوف.

وليس من قبيل المصادفة أن توارى مصطلح "الإرهاب الإسلامي" أو الجهادي من قاموس المسؤولين الأمريكيين لفائدة مصطلح عام، هو العنف، ولا انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان أياماً معدودة من الذكرى العشرين لـ9/11. هو تحول ينبغي حسن قراءته. فهل يفيد هذا التحول الكبير العالم العربي الذي كان في بؤرة مشاغل الولايات المتحدة وتدخلها لعشرين سنة؟

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي