#IQG93 : Celebrations to mark the 10th anniversary of the start of the 2011 revolution (Fethi Belaid/AFP)
تابعنا

انطلقت مقاومة الانقلاب منذ الساعات الأولى وتصاعدت عبر وقفات احتجاجية متتالية ومتصاعدة كانت أهمها محطات 10 أكتوبر/تشرين الأول و18 ديسمبر/كانون الأول ثم محاولة تثبيت اعتصام ميداني في ذكرى انطلاق الثورة 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، لكن المحاصرة والقمع الشديد اللذيْن تعرض لهما المعتصمون، واعتقال النشطاء والمحامين المساندين دفعت تنسيقية "مواطنون ضد الانقلاب" إلى وضع أجسادهم وأرواحهم وقوداً لمعركة مقاومة نراها تزداد حدة ووضوحاً وتحول ليل الانقلاب إلى كابوس مستمر.

يشارك في إضراب الجوع وينطق باسمه مناضل يساري قضى ستين سنة في الدفاع عن الحريات إلى جانب أصغر نائب في البرلمان. وهذا مؤشر بالغ الدلالة.

إضراب الجوع سلاح أخير

نشاط احتجاجي جذري مارسه النشطاء الذين قاوموا دكتاتورية بورقيبة وبن علي لمدة خمسين سنة. في السجون وخارجها. وظن النشطاء بعد الثورة وما كرسته من الحريات السياسية أن إضرابات الجوع تقليد نضالي انقضت الحاجة إليه فإذا هم في مواجهة انقلاب قمعي مُعادٍ للحرية وإذا هم من جديد في مربع وضع أجسادهم وأرواحهم في أتون معركة الحريات، فهل ينجحون في استعادة ما سلب منهم؟

وفود الإسناد السياسي والشعبي تتوافد بكثافة إلى مقر الإضراب منذ الساعات الأولى، وانطلق إضراب موازٍ في فرنسا بمقر سكن الرئيس الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي وانضم إليه نواب من البرلمان أفلحوا في السفر قبل إجراءات المنع التي أصدرها الانقلاب بحقهم. ويتشكل الآن رأي عام واسع، أسهم في توليفه نشطاء إعلاميون محترفون، بأن الإضراب وإن كان قاسياً ومكلفاً فإنه يوجه رسائل واضحة وحازمة، الأولى إلى الانقلاب وحزامه السياسي أن معركة الحسم اقتربت وأنه لا مجال للتراجع عن مربع الحريات وعن مطلب استعادة الدستور والمؤسسات المنتخبة، والثانية إلى المحيط الدولي القريب والبعيد مفادها، لتونس صوت شجاع وصريح يقول جملته الفاصلة "للشرعية صوت في الشارع حي ويقاوم ويفاوض باسم الثورة والدستور"، وهذا هو الصوت الوحيد الذي يجب سماعه لإنهاء مهزلة الانقلاب وبناء ما بعده على قواعد الدستور.

إضراب الجوع هو تثبيت عنوان التفاوض باسم الشرعية في انتظار انضمام أصوات لا تزال مترددة وبها دخل من زعامة ووهم نجاة فردية من براثن الانقلاب.

هل تتجمع ساحة المعارضة؟

عمل كبير في انتظار مكونات الساحة السياسية المعارضة، فالساحة مقسمة منذ زمن وقد فوتت على نفسها فرص العمل المشترك واستغرقتها صراعات مفوتة ولكن الانقلاب كشف لها أن في تشتتها هوان كبير وهي مدعوة إلى تنسيق جهدها النضالي على قاعدة التمسك بالدستور. غير أن العقدة القديمة للنخب لا تزال تحكم مواقفها، عقدة العمل مع الإسلاميين.

هناك الآن وعي حاد بأنه لا يمكن إسقاط الانقلاب دون العمل مع حزب النهضة لكن هناك موقف قديم لا يزال مؤثراً، موقف تحكمه الرغبة لا العقل السياسي (لا يمكن الحكم مع حزب النهضة بعد الانقلاب).

هل ستتجمع النخب السياسية حول هذه النقاشات لتبلورها في بدائل لما بعد الانقلاب؟ نتابع ما يدعو إلى التفاؤل.

البدائل تُصنع في المعركة

يمكننا القول، وقد انطلق الإضراب التصعيدي، أن ما بعد الانقلاب صار حديثاً فعلياً وليس رغبة كسولة. النقاشات الجارية داخل مقر الإضراب تبني على حقيقة أن الانقلاب زائل وأن التفكير فيما بعده بدأ فعلاً وهذا في حد ذاته مؤشر على تقدم كبير.

التفكير في البدائل موجود في صلب النقاشات التي تبث على المباشر وتستقطب آراءً كثيرة وتخلق حالة من الحماس، لكن كيف تتوحد الجهود وعلى أي قاعدة سياسية؟

ينتظر كثيرون أن تُفضي النقاشات إلى الخروج أولا من حالة الانقسام، مع النهضة أو ضدها، إلى بناء جبهة ديمقراطية تتجاوز الاختلافات الأيديولوجية. والمتأمل في نوعية الحضور يجد بوادر هذا التجاوز كما تسمع في الحوارات الجارية مواقف شجاعة ضد الاستقطاب التقليدي لأول مرة. وهي تصدر عن مناضلين من اليسار والقوميين وممن لم يُعرف عنهم سابقاً الاقتراب من حزب النهضة ويذهب المتفائلون إلى أن معركة الإقصاء السياسي تعيش أيامها الأخيرة. وأن ما بعد الانقلاب لن يحكمه الاستئصاليون، فالانقلاب فضحهم وأفقدهم كل مصداقية سياسية وربما يكون هذا المكسب الوحيد للانقلاب. في النقاش طُرح سؤال مفتاح على أي قاعدة سيكون اللقاء وكيف ستدار مرحلة ما بعد الانقلاب.؟

اللقاء حاجة لا رفاه نخب

جمل سياسية تنطق الآن بصراحة الانقلاب لم يكن على حزب النهضة، بل كان على الديمقراطية برمتها وهو يعدم حظوظ الجميع في الحرية والديمقراطية. هذه القناعة دعت الجمل الموالية، وأهمها الجميع خاسرون إذا هادنوا الانقلاب وسمحوا له بالاستمرار، وعليه فإن إيقاف النزيف، أي رتق السفينة المثقوبة، يبدأ بالبحث عن المشترك السياسي الذي يؤسس لما بعده.

هنا يتركز الآن نقاش واسع في مواقع مختلفة، ليس فقط في مقر إضراب الجوع الذي يقوده ائتلاف "مواطنون ضد الانقلاب"، بل في مواقع أخرى. ومن الأفكار المطروحة إقامة مؤتمر وطني للإنقاذ يؤلف نصاً سياسياً لكل من يعارض الانقلاب ويتمسك بالشرعية الدستورية. ويبدأ بعملية نقد ذاتي لكل الأخطاء التي حدثت واستغلها الانقلاب، وبالتوازي توجد دعوات إلى عمل على جبهات متفرقة حتى يسقط الانقلاب ثم يكون حديث بعده.

الرابط الموحد لهذه التحركات أنها قائمة على يقين بسقوط الانقلاب ونجزم أن تعميق النقاشات ستمكن من إيجاد قاعدة مشتركة للعمل لما بعده وهذا أمر يدعو إلى التفاؤل ونعتبره عملاً مؤسِّساً ونسمع فيه من حديث الجديين ما يسمح بتوقع النجاح. لا نزال نسمع جملاً استئصالية داخل الحوارات والبعض يضع شروطاً غير سياسية في السياق، من قبيل تحميل حزب النهضة كل وزر ما قبل الانقلاب، لكن الاتجاه الغالب أن إنهاء الوضع الانقلابي واستعادة الوضع الشرعي الدستوري يمر بتوحيد جهود الجميع، وفي هذا السياق سيكون مستقبل تونس بعد الانقلاب.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً