تابعنا
عُرض مشروع القانون على الأمم المتحدة بمبادرة من تركيا وباكستان، وهكذا نال مصطلح "الإسلاموفوبيا" شرعية على الساحة الدولية بفضل جهود تركيا.

أعلنت الأمم المتحدة في العام الماضي يوم 15 مارس/آذار "يوماً عالمياً لمناهضة الإسلاموفوبيا" إذ يوافق الذكرى السنوية للهجوم الإرهابي الذي استهدف 51 مسلماً في مسجدين بنيوزيلندا عام 2019.

وجاء ذلك نتيجة للدعوة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/إيلول من نفس العام. عُرض مشروع القانون على الأمم المتحدة بمبادرة من تركيا وباكستان، وهكذا نال مصطلح "الإسلاموفوبيا" شرعية على الساحة الدولية بفضل جهود تركيا.

ونتيجة لذلك، أصبحت مكافحة الكراهية ضد المسلمين، والمعروفة باسم الإسلاموفوبيا، على جدول أعمال السياسة الدولية. فقد صرحت السفيرة غولنور آيبيت، الممثل الدائم لتركيا لدى اليونسكو، لوكالة الأناضول في 17 مايو/أيار الجاري أنه جرى إدراج مصطلح الإسلاموفوبيا في "وثيقة خارطة طريق التمييز".

إذن ماذا تعني كل هذه التطورات بالنسبة لمستقبل مواجهة الكراهية ضد المسلمين؟

من تركيا إلى المنطقة ومنها إلى الأمم المتحدة

يُظهر السياق الذي أدى إلى إضافة مصطلح الإسلاموفوبيا إلى جدول أعمال الأمم المتحدة، كيف ينبغي معالجة الأمور المماثلة في المستقبل.

فقد عولج هذا الأمر بشكل تدريجي، فكانت الخطوة التي بدأت المسار هو التعاون الذي أُسس بين دول إسلامية مثل باكستان وماليزيا تحت إشراف تركيا. ثم بعدها، إعلان 15 مارس/آذار، "اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا" داخل منظمة التعاون الإسلامي بمبادرة تركية. وفي وقت لاحق، طُرح هذا المقترح على جدول أعمال الأمم المتحدة وجرى قبوله في الساحة الدولية.

بشكل عام ولبعض الحسابات، قد تحمل المؤسسات الدولية بعض الأجندات الخاصة والصورية للجمهور العالمي أو الدول الأعضاء. ولكن قبول مفهوم الإسلاموفوبيا وإعلان يوم لمكافحته يظهران أن الإسلاموفوبيا هي أجندة حقيقية جرى نقلها من المستوى المحلي إلى الإقليمي، ومن ثم إلى المنصات الدولية.

انعكاس إدخال مصطلح الإسلاموفوبيا على الخطاب السياسي

تقول حنة أرندت إن كل تعريف وخطاب هو عمل سياسي، وهذا يوضح لنا أن التسمية والتعريفات هي في الحقيقة "بداية". ففي واقع الأمر، يكتسب الاسم وكل ما يجري تسميته "وجود" أولاً، ثم يرسخ في الذاكرة الاجتماعية ويصبح جزءاً من التاريخ.

إن مصطلح الإسلاموفوبيا ليس مفهوماً وجده الأكاديميون المسلمون، فمن المعروف أنه استخدم لأول مرة في تقرير مؤسسة بريطانية تدعى Runnymede في التسعينيات. ومع ذلك، تقع مسؤولية تعريف وتشكيل المصطلح على عاتق الأكاديميين المسلمين في المقام الأول.

في وسائل الإعلام الغربية، تُصوّر الهجمات على المسلمين وحتى الأعمال الإرهابية ضدهم، على أنها حالات نفسية أو أعمال فردية تمييزية بشكل عام مع تجنب واضح في تسمية المشكلة. إنها ليست مجرد حالات فردية بدوافع نفسية بل هي اعتداءات بدافع الكراهية.

وبينما يستنكر العديد من الأكاديميين والسياسيين إضفاء الطابع المؤسسي على مكافحة الإسلاموفوبيا ناهيك عن إنكارهم وجود مثل هذه الظاهرة، فإن دخول هذا المفهوم في الخطاب السياسي على الساحة الدولية وإضفاء الطابع المؤسسي عليه بإعلان يوم سنوي مخصص له، هو خطوة مهمة للغاية تجعله يرسخ في الذاكرة العالمية.

درع للمسلم في ظهوره العام

لا تقتصر الإسلاموفوبيا على خطاب الجماعات المتطرفة المحدودة أو الأعمال الإرهابية، ولكنها بدأت تنتقل أيضاً إلى البرلمانات الأوروبية من خلال الأحزاب اليمينية. ففي العديد من الدول الأوروبية، يجري سن قوانين تهمش المسلمين وتحد من ممارساتهم المعيشية.

بات وجود المسلمين وظهورهم بحاجة إلى "تهيئة مناسبة" في العالم الغربي. لذلك فإن تطوير مفهوم الإسلاموفوبيا وإضفاء الطابع المؤسسي عليه سيساهم بشكل كبير في مكافحة الهجمات على المسلمين في المجال العام ويسهل حضورهم بشكل آمن. وعليه، يجب تصنيف أي هجوم أو عمل إرهابي ذي دوافع ضد الهوية الإسلامية على أنه هجوم مُعادٍ للإسلام وللمسلمين. لأن تعريف المشكلة بشكل صحيح يؤدي أيضًا إلى حلها ووضع خطة العمل لمعالجتها.

تكشف التسمية وتوصيف السمات أيضاً أن هذه الهجمات ليست أعمال عنف غير شائعة، أو تقع بمحض الصدفة أو لدوافع متعلقة بأمراض عقلية، بل ظاهرة منهجية. وفي الوقت نفسه ومن خلال تسمية الأمر سيتمكن المسلمون من إدراك تجارب التمييز التي عاشوها في المجتمعات الغربية، وسوف يمنع ذلك من أن يجري اعتبار الهجمات ضد المسلمين أمراً مقبولاً أو عادياً.

بعد قبول مفهوم الإسلاموفوبيا في الخطاب الدولي، فإن الخطوة التالية هي تحديد كيف سيُستخدم هذا المفهوم، ومن سيُدير خطاب الإسلاموفوبيا.

يجب اعتبار الإسلاموفوبيا "جريمة"

إنها خطوة مهمة أن تسمي الأمم المتحدة الهجمات ضد المسلمين، والإرهاب الذي عانوا منه بسبب هويتهم واعتماد التسمية رسمياً، ولكنها خطوة غير كافية.

يجب تحويل الإسلاموفوبيا، مثل معاداة السامية، إلى جريمة كبيرة ووصمة يتجنب الجميع الارتباط بها. فوصف الإسلاموفوبيا بأنه جريمة مخزية، سيعزز قوة العقوبة النفسية لهذا المصطلح.

من الشائع جداً أن تحاول بعض الدوائر تبرير الهجمات المُعادية للإسلام لأسباب اقتصادية أو نفسية أو ترجعها إلى أخطاء المسلمين، دون تسميتها بالإسلاموفوبيا. لكن ما يربط الأحداث والخطابات السياسية المعادية للمسلمين في أجزاء مختلفة من العالم ببعضها البعض ويرسخها في الذاكرة، هو تسميتها باسمها الحقيقي، وهذا ما سيجعل تقييمها منطقياً.

حين يجري تجريم الإسلاموفوبيا، فإن الجهود المبذولة لتبرير الهجمات ضد المسلمين لن تجد لها صدى في الواقع وستبوء بالفشل. ويجب أن تعمل وسائل الإعلام في العالم الإسلامي والمنظمات غير الحكومية على دعم خطوات تجريم الإسلاموفوبيا.

توجد جهود سياسية لعبت دورها، ووضعت الإسلاموفوبيا على جدول أعمال الأمم المتحدة وأدرجته في التقارير، وحان الوقت الآن لاتخاذ خطوات وإجراءات ملموسة في مكافحة الإسلاموفوبيا.

ولا يجب أن يتحمل المسلمون وحدهم مسؤولية الأمر، بل يجب على المدافعين الصادقين عن حقوق الإنسان والحرية، والناشطين، والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية تحمل مسؤولياتهم في هذا الصدد.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي