اللجنة الدستورية السورية (Others)
تابعنا

وانسجمت الفكرة مع الملفات الأربعة المتّفق عليها في مفاوضات جنيف حول الأزمة السورية، والتي بمجموعها شكّلت رؤية للحلّ السياسي في سوريا، وهذه الملفات هي الدستور والانتخابات والحُكم والإرهاب.

ففي الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، انطلقت الدورة السادسة من مباحثات اللجنة الدستورية السورية، بعد أنْ عمد النظام السوري لتعطيلها أكثر من 9 أشهر. وتجاوب النظام كعادته في الشكل، مع تفخيخ المضمون، وكما أنّ المعارضة حاولت أن تناور في هوامشها المحدودة. وتناولت الدورة موضوعات "الجيش والقوات المسلّحة والأمن والاستخبارات، وسيادة القانون، وسيادة الدولة، والإرهاب والتطرف".

واستمرت لمدة أسبوع، لكنها لم تخرج بشيء عمليّ سوى الاتفاق على عقد الجولة القادمة خلال شهر من تاريخه، إلا أنه يُستبعد أن تُعقد في نفس التوقيت المتفق عليه.

وقبيل انعقاد أعمال اللجنة بيوم، عقد المبعوث الأممي الخاص لسوريا غير بيدرسون في مقر الأمم المتحدة بجنيف، مؤتمراً صحفياً تحدّث فيه عن لقائه الرئيسَين المشاركَين، أحمد كزبري من جانب الحكومة السورية، وهادي البحرة من المعارضة السورية.

وكان المبعوث الخاص قد التقى أيضاً بما يُسمى "الثلث الأوسط" أو أعضاء المجتمع المدني الخمسة عشر. ووصف الاجتماعات بأنها جيّدة جداً. وأوضح للصحفيين قائلاً: "كانت المرة الأولى التي يجلس فيها الرئيسان المشاركان معي، أحدهما رشحته الحكومة والآخر رشحته المعارضة، لإجراء مناقشة جوهرية وصريحة حول كيفية المضي قدماً في الإصلاح الدستوري، وبالتفصيل كيف نخطط للأسبوع الذي ينتظرنا". ولدى سؤاله عن تقييمه للاجتماع المباشر الأول بين الرؤساء المشاركين، قال بيدرسون: "أعتقد أنني سأصفه بأنه جاد وصريح، وكانا ملتزمَين بالمبادئ التي اتفقنا عليها مسبقاً".

بيد أنّ المبعوث الخاص أقرّ بأنّ اللجنة الدستورية السورية تعدّ مساهِمة مهمة في العملية السياسية، لكن اللجنة بحدّ ذاتها لن تكون قادرة على حلّ الأزمة السورية. "لذلك، نحن بحاجة إلى العمل معاً، والقيام بعمل جاد بشأن اللجنة الدستورية، ولكن أيضاً معالجة الجوانب الأخرى للأزمة السورية".

مما لا شك فيه، فإنّ روسيا مارست ضغوطاً على النظام السوري للانخراط في جولة جديدة من مباحثات اللجنة الدستورية، بغرض إعطاء المزيد من التطمينات حول استمرار قدرتها على التأثير في العملية السياسية، بالتزامن مع الجهود التي تبذلها لاستكمال مسار التطبيع العربي والدولي.

وتكمن أهمية اللجنة الدستورية بالنسبة لروسيا في إبقاء مسار سياسي معطّل متحكّم به من طرفها بغطاء من الأمم المتحدة، لكنها في الوقت نفسه تحاول جاهدة إيجاد مسارات سياسية متحكم فيها بالكامل من طرفها لتكون اللجنة الدستورية مساراً من تلك المسارات في عملية سياسية وفقاً للرؤية الروسية.

بدأت اجتماعات اللجنة الدستورية، الجولة السادسة، بعد أن زار المبعوث الأممي لسوريا "عواصم القرار المتحكمة في سوريا" من أجل أخذ الموافقة على عقد هذه الجولة لكنه مع ذلك كان حذراً في توقعاته لنتائج هذه الجولة.

بدأ المشاركون في الجولة من أطراف النظام والمعارضة والمجتمع المدني نقاش المضامين الدستورية، التي بدت وكأنها خطوة إلى الأمام، لكن كما كان متوقعاً عدم إمكانية حدوث اختراقات كبيرة في عملية كتابة الدستور، فلا توجد أيّة مؤشرات لتخلّي النظام السوري عن سياسته في هدر الوقت، ما لم يضمن اقتصار عملية إصلاح الدستور على مجرّد تعديلات دستورية شكلية لا قيمة لها.

النظام السوري من خلال مشاركته في أيّة عملية سياسية يُثبت أنه ليست لديه الرغبة في تقديم أي تنازل يُذكر، وذلك لن يتغيّر حتى في الجولات القادمة.

كما أنّ النظام السوري مارس في هذه الدورة ما كان يفعله في كلّ الدورات السابقة مِن سياسة إضاعة الوقت من خلال تفخيخ اللقاء بطرح القضايا التي يُدرك تماماً أنّ الطرف الآخر لا يمكنه الموافقة عليها. وقد استغلّ النظام حادث تفجير حافلة في دمشق يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول لممارسة هذه السياسة بشكل مكثَّف.

حيث إنّ روسيا بدأت منذ عام 2017 فرْض رؤيتها على مَسار العملية السياسية، مستفيدة من تراجُع نفوذ المعارضة السورية في خريطة السيطرة والنفوذ لصالح النظام السوري، والذي تُرجم بتقديم مناقشة سلّة الدستور على الحُكم والانتقال السياسي الذي كانت تتمسّك به المعارضة السورية سابقاً لكنها عجزت عن تحقيقها.

كما تعمل روسيا أيضاً على اختزال مَسار الإصلاح الدستوري بمجرَّد تعديل على دستور عام 2012، يخلص إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما كانت التصوّرات الأولية للمسار تتحدث عن صياغة جديدة للدستور تُمهِّد للانتقال إلى مناقشة بقية القضايا وَفْق القرار 2254 (2015).

كان واضحاً من أداء وفد النظام في هذه الدورة والدورات السابقة أنه وحلفاءه يعملون على تفريغ المسار من محتواه، مع عدم الممانعة في تقديم تنازلات في الشكل، بهدف منع توقُّف المسار بشكل نهائي، حيث إنّ بقاءه حياً، ولو بالحدّ الأدنى، يُساعد روسيا على ترويج ادعاءاتها عن وجود رغبة منها ومن النظام في التوصّل إلى تسوية سياسية، في الوقت الذي تعمل على تمرير رؤيتها للحلّ من خلال مسارات أخرى موازية، بعضها ذو طابع دولي وإقليمي وآخر ذو طابع محلي.

ختاماً، إنّ المشهد الذي جرى في جنيف في اجتماعات الجولة السادسة للجنة الدستورية يؤكد أنّ العملية السياسية في سوريا باتت معطلة أو مجمّدة وإنّ أطراف الصراع في سوريا لا تجد أيّة مصلحة في المضيّ قدماً في أيّ حلٍّ سياسي يُنهي "أزمة العصر" سياسياً وإنسانياً، وما زال أمام السوريين الانتظار طويلاً في مسيرة الحلّ السياسي وخصوصاً أنهم باتوا خارج معادلة الفعل السياسي.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي