تابعنا
تَشكَّل في اليمن مجلس قيادة رئاسي جديد فجر السابع من أبريل/نيسان 2022، بموجب قرار تنازل فيه الرئيس هادي عن منصبه لصالح المجلس.

وجاء في صيغة إعلان دستوري، ودشّن بذلك مرحلة جديدة من تاريخ الحرب والصراع، وربما من تاريخ اليمن الحديث، لكن دون يقين بشأن مدى اتساق هذا التطور الهامّ مع الجهود الدبلوماسية متعددة المسارات التي نشطت في الآونة الأخيرة بهدف إحلال السلام في اليمن.

وبادئ ذي بدء ينبغي تأكيد أهمية السابع من أبريل/نيسان، الذي سيتكرس كمحطة مفصلية في تاريخ اليمن، بالنظر إلى ما يمثله نهاية عهد الرئيس المنصرف عبد ربه منصور هادي من أهمية كبيرة، يبررها الفشل الذريع الذي مُنيَ به الرجل منذ تسلم مهامّ إدارة الدولة اليمنية عملياً من سلفه علي عبد الله صالح في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد توقيع الأخير اتفاق التنازل عن السلطة الذي عُرف باسم اتفاق المبادرة الخليجية.

لقد انتعشت الآمال لدى قطاع واسع من اليمنيين بالتغير الذي حصل في هرم السلطة الشرعية، لكنها آمالٌ يكتنفها القلقُ، لكون هذا الحدث يجري خارج البلاد ويعكس في جوهره أولويات الدول المهيمنة على الملف اليمني والمتحكمة بقرار السلم والحرب، ولأنه دفع بشخصيات كانت حتى لحظة تسلمها مهامها ضمن مجلس القيادة الرئاسي الجديد تعمل ضد السلطة الشرعية وتنشط ضمن مشاريع سياسية تتعارض مع الوحدة الترابية للدولة اليمنية ونظامها الجمهوري الديمقراطي التعددي.

هذا التحول الدراماتيكي يمكنه أن يعطينا فكرة عن المآلات المستقبلية للحرب في اليمن وعما إذا كانت الحرب بالفعل تحولت إلى قضية دبلوماسية بامتياز، وأن ما حصل من انتقال للسلطة في إطار الشرعية يصب في صالح التهيئة لإنجاز دبلوماسي ينهي الحرب.

من الممكن جداً أن تسمح خطوة انتقال السلطة من الرئيس هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد بخوض جولات من المفاوضات مع الحوثيين، بهدف إنهاء الحرب، لكن ما يتعيّن فهمه هو أن الرغبة في إنهاء الحرب لم تكن تعوقها الشرعية بقيادتها المنصرفة، بل الرفض المستمرّ من جانب جماعة الحوثي للذهاب إلى مفاوضات مع شركائهم الوطنيين تعيدهم طرفاً سياسياً وتجبرهم على التنازل عن مكاسب كبيرة سياسية وعسكرية حققوها بواسطة الحرب والعنف.

لهذا ينبغي أن ننظر إلى ما حدث في السابع من أبريل/نيسان بالعاصمة السعودية الرياض على أنه خطوة تتصل بشكل جوهري بهدف إعادة هيكلة السلطة قبل أي شيء آخر، وهو هدف بقدر ما يمثل من أهمية لليمنيين الذين يئسوا من أداء الرئيس هادي، فإن ما جرى يخدم بشكل أساسي أجندة دولتي التحالف اللتين ربطتا العملية العسكرية ونتائجها السياسية، بضمان حصول تغير جوهري في بنية السلطة تقطع تماماً مع استحقاقات ثورة الحادي عشر من فبراير، وتقلص إلى حد كبير من نفوذ المنظومة الحزبية وتكرس القرار الفردي.

وهذا المعطى بالتحديد ربما كان السبب الرئيس في الإضعاف المقصود للشرعية من جانب داعميها الإقليميين لكي يبدو هذا التغيير مبرَّراً وله قابلية شعبية كما نرى على أرض الواقع، مع اليقين بأن السلطة الجديدة من المؤكد أنها ستتعرض لاختبار النجاح، وقد يتسبب إخفاقها في انتقال المبادرة إلى الشعب اليمني ونخبه السياسية التي كانت لا تزال تعقد الأمل ويحكمها الخوف من إمكانية أن يتركنا التحالف في منتصف الحرب.

إن مشاورات الرياض التي انعقدت خلال الفترة من 29 مارس/آذار حتى السابع من أبريل/ نيسان 2022، في مقر مجلس التعاون الخليجي لم تكُن سوى غطاء لعملية نقل السلطة، وهي عملية واجهت تمنُّعاً من الرئيس هادي قبل أن يخضع للأمر الواقع بعد أن أيقن أن مساحة المناورة ضاقت لديه إلى أبعد الحدود.

القوى السياسية التي دُعيت إلى هذه المشاورات كانت تدرك أنها معنية بالاستجابة لإرادة التحالف في ما يتعلق بنقل السلطة، وكانت أولويتها أن تحافظ على الحد الأدنى من التوازن الذي يُبقيها جزءاً من هذا التغيير، لكنها في المقابل لا تمتلك اليقين بشأن تأثير هذه الخطوة في فرص تقوية مركز الدولة اليمنية ونفوذها وتعزيز قدرتها على مواجهة عسكرية حاسمة مع الحوثيين.

تَضمَّن قرار الرئيس هادي المتعلق بنقل السلطة موادَّ تشير إلى الطبيعة السياسية والسلمية لخطوة التغيير هذه، حتى إن القرار كاد يحصر مهمة مجلس القيادة الرئاسي الجديد في مهمة واحدة هي التفاوض مع الحوثيين، ما حمل البعض إلى وصف المجلس بأنه بهذه الكيفية لن يكون سوى وفد تفاوضي عالي المستوى أمام الحوثيين، ويعبّر عن تماسك ظاهري في معسكر الشرعية الذي يتحكم به التحالف بشكل كبير.

هذا يدفعنا إلى الاعتقاد أن المجلس الرئاسي الجديد، يعكس حاجة التحالف الملحَّة إلى الإمساك بزمام المبادرة، بما يمكِّنه من الاستعداد لاستحقاقات المرحلة المقبلة التي قد يكون من بينها الذهاب إلى مفاوضات جدية لإنهاء الحرب، وهذا يعني أن السعودية قد تكون مطمئنَّة إلى مسار تفاوضي يحقِّق مصالحها عبر هذا المجلس، بعد أن اضطُرَّت إلى أن تفتح قنوات خلفية في العاصمة العمانية مسقط، لمفاوضات أشرفت عليها الولايات المتحدة وتوسطت فيها سلطنة عمان وأنجزت هدنة الشهرين التي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، لتكون أطول هدنة تقبل بها الأطراف.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحوثيين صعَّدوا عسكرياً ضد خصومهم في مختلف جبهات القتال منذ بدء سريان الهدنة، فإنها، أي الهدنة، لم تكُن تعني سوى وقف الهجمات العابرة للحدود، بواسطة إما الصواريخ وإما الطائرات، وهذا يؤشر في الحقيقة إلى عدم جدية الحوثيين في إحلال السلام عبر المفاوضات والجلوس مع بقية الأطراف لتقرير مصير اليمن بعيداً عن فرض المشاريع السياسية الجاهزة والمرفوضة إجمالاً من الشعب اليمني كمحاولة الحوثيين إعادة تأسيس سلطة دينية طائفية، أو محاولة الجماعات الانفصالية في الجنوب إعادة تقسيم اليمن.

سيتوقف نجاح المجلس الرئاسي الجديد خصوصاً لجهة قدرته في إدارة عملية تفاوضية تنتهي إلى السلام، على الدعم الذي سيتلقاه من دولتَي التحالف ومن القبول والغطاء الذي يتعيّن أن توفّره الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر قد لا يكون جاهزاً في ظلّ تباطؤ الأطراف الدولية في التفاعل مع حدث نقل السلطة وإبداء حسن النية تجاه هذه الخطوة.

على مدى السنوات الماضية من زمن الأزمة والحرب فقدت النخب اليمنية قدرتها على إعادة توجيه دفة الأحداث أو العمل من خارج الصندوق، ووجدت صعوبة في الوصول إلى الشعب، فقد كان الاستثمار سخياً في تعطيل أي جهد يرمي إلى بناء اصطفاف وطني ينتصر لخيار التغيير الذي جاءت به ثورة الحادي عشر من فبراير/شباط 2011 باعتبارها أحد تجليات الربيع العربي، ولأن ثورة فبراير أعادت تكريس القيم الجمهورية والمبادئ الديمقراطية وأعادت الاعتبار للفعل السياسي المدني الذي تمثّله الأحزاب والتنظيمات السياسية وقوى المجتمع الحية.

ولهذا بدت القوى الخارجية متحكمة بشكل كامل بقرار الحرب والسلم، ساعدها على ذلك الارتهان الكامل من قبل رأس الشرعية. لذا لم يكن غريباً أن يجري هذا التحول بناءً على إرادة خارجية متحكمة، لا بناءً على توافق القوى السياسية التي تعاني بالفعل من حالة تَشَظٍّ بتأثير التجاذبات الممولة بسخاء من جانب اللاعبين الخارجيين.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً