أحد ملاعب كأس العالم قطر 2022 / صورة: AP (Darko Bandic/AP)
تابعنا

خلال الأسابيع القليلة الماضية، اشتدت الانتقادات الغربية لقطر بشأن حقوق الإنسان والحرية الفردية إلى حملة تشهير مستمرة ومنسقة قبل كأس العالم 2022.

في الآونة الأخيرة، انتقدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيسر تنظيم قطر لكأس العالم، مشيرة إلى أنه "من الصعب للغاية" ربط ألمانيا بالدولة المضيفة بشأن ما زعمت أنه انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل قطر.

ورداً على ذلك استدعت قطر السفير الألماني للتنديد بتصريحات فيسر. وفي خطوة للرد على هذه الاتهامات، تحرك محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية قطر بسرعة وبشكل لا لبس فيه واتهم ألمانيا ب "المعايير المزدوجة" ونصح برلين بتنفيذ عملية بنّاءه من النقد الذاتي.

ومع ذلك، فقد تحدثت فيسر بشكل طوعي بعد فترة وجيزة وأشادت بقطر بسبب "القوانين الجيدة للغاية" التي سنتها الدوحة لحماية حقوق الإنسان.

من جانبه أشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف بالدور الريادي لدولة قطر في "بناء الجسور بين الحضارات وتعزيز التفاهم بين الشعوب في حدود الاحترام المتبادل" وانتقد تصريحات ألمانيا.

وقبل أسابيع قليلة، اشتكى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من الحملة "غير المسبوقة" التي تستهدف البلاد. ووصف هذا التشهير غير اللائق بأنه مليء بالمعلومات الخاطئة والمضللة، وهي حملة مطولة مستمرة منذ أن فازت قطر بشرف استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2010.

صحيح أن منظمات حقوق الإنسان في الماضي كانت تنتقد المشاكل المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين الناشئة عن نظام الكفالة الذي جرى إلغاؤه منذ ذلك الحين. ومع ذلك، في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، أشادت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة بإصلاحات قطر، بما في ذلك إلغاء تأشيرة الخروج لعاملات المنازل، وإنشاء حد أدنى دائم غير تمييزي للأجور وتسهيل إجراءات تغيير الوظائف.

وبالمثل، تتفق النقابات العمالية الدولية والخبراء على أن هذه الجهود حقيقية وتشكل تقدماً كبيراً. تعد هذه الإجراءات أكثر تقدماً مما لدى دول الخليج الأخرى المخصصة لقوى العمل المهاجرة. بطبيعة الحال، هناك دائمًا مجال للتحسين أكثر.

من ناحية أخرى، ونظراً للتقدم المحرز في هذه المسألة، قد يتساءل المرء عما إذا كان هذا التشهير التمييزي ضد قطر له أي هدف أو غرض آخر. قد يؤدي الحديث عن العقوبات وما إلى ذلك إلى نتائج عكسية للغاية، وكان على ألمانيا أن تفهم هذا جيداً من تجربتها الأخيرة في مواجهة الآثار السلبية للعقوبات الغربية على روسيا.

في حين أن العديد من المراقبين قد اعتبروا أن الانتقادات التي وجهتها الدول الغربية لدولة قطر مخادعة في أحسن الأحوال، إلا أنه وجب التأكيد على نقطتين رئيسيتين في سياق تسليح حقوق الإنسان.

أولاً، هذا النهج فعال من حيث التكلفة مقارنة بالأشكال الأخرى مثل الحظر أو الحصار أو النزاع المسلح. بالإضافة إلى ذلك، يميل تأطير المواقف من خلال زاوية حقوق الإنسان إلى جذب الرأي العام الدولي. لسوء الحظ، فإن النهج الاختزالي المستخدم في هذا السياق غير عادل وغير أخلاقي لأنه يتجاهل عن قصد التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد المستهدف.

هذا الإجحاف يقود إلى تساؤلات حول دوافع وسائل الإعلام الغربية الرئيسية من هذه الحملة التشهيرية على قطر. تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام البريطانية هنا منذ أن ذكرت صحيفة The Guardian و The Times و Daily Express و The Sun و Daily Mail و The Telegraph و Metro UK قطر ما يقرب من 1735 مرة في عناوينها ، 40٪ منها تتعلق بكأس العالم.

تظهر مثل هذه الحملة المنظمة أنه جرى التركيز بشكل كبير على مجرد مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وظروف العمل السيئة للعمال المهاجرين، بينما ذكرت وسائل الإعلام الغربية القليل عن الجهود الهائلة التي بُذلت لاستضافة كأس العالم 2022 في الدوحة.

على سبيل المثال، لم تكن هناك مساحة من التغطية مخصصة للحديث عن كيفية جعل قطر البطولة في متناول المتفرجين ذوي الاحتياجات الخاصة. بسبب هذا التحيز، يجب على التغطية الإعلامية الغربية أن تشكك في "إحساسها الصادق بالتفوق الأخلاقي" عندما تؤكد ادعاءات جريئة حول وجهات النظر السياسية تجاه الرياضة والترفيه.

إن تشكيل التصور العام لبلد ما بناءً على انتهاكات حقوقية مزعومة، يؤدي إلى ضرب عصفورين بحجر واحد. ستصبح تكلفة الإساءة للسمعة أعلى بكثير بالنسبة لبلد يجري تصويره أمام الجمهور العالمي باعتباره "مجرماً" ، مما يؤدي إلى استقطاب عالمي.

كما قررت فرنسا عدم بث مباريات كأس العالم علناً على الشاشات الكبيرة في مدنها العديدة بحجة مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وسوء ظروف العمل للعمال المهاجرين. نظراً لتزايد حوادث الكراهية ضد المسلمين في فرنسا، حتى في بعض الأحيان برعاية الدولة، فإن الرد المعقول الذي يمكن أن يتوقعه المرء من قطر لفرنسا سيكون: "يجب أن تكوني آخر من يتحدث عن حقوق الإنسان".

الانتقادات الغربية لقطر لاستضافتها كأس العالم 2022 هي بطبيعتها نفاق وتؤدي إلى طريق مسدود. بدلاً من الانخراط في الحوار والمفاوضات الدولية لتحسين حقوق العمال المهاجرين، تختار الدول الغربية أن تلعب لعبة اللوم.

لقد وضع قانون العمل الجديد الذي ألغى نظام الكفالة الأسس لظروف عمل أفضل، مما جعل قطر أول دولة خليجية تُجري مثل هذا الإصلاح.

لا ينبغي أبدًا استبدال النقد البناء القائم على الحقائق الواقعية بأحكام مسبقة واستغلال حقوق الإنسان كذريعة لتشويه سمعة أي بلد.

TRT عربي