زعيمة الحزب الشيوعي الهندي بريندا كارات ، وسط الصورة ، تقف أمام جرافة أثناء هدم متاجر يملكها مسلمون في حي جاهانجيربوري شمال غرب نيودلهي، في نيودلهي يوم الأربعاء 20 أبريل 2022. الصورة عن موقع سي إن إن. (Others)
تابعنا

احتفلت الصين بمهرجان راما نافامي الهندوسي، الذي يحيي ذكرى ميلاد الإله الهندوسي راما، بحماسةٍ كبيرةٍ في 10 أبريل/نيسان.

لكن ما هو أكثر من الاحتفالات الاعتيادية التي تعرّفُ عادةً مثل هذه المناسبات الدينية، أن اليوم سوف يُذكر بالعديد من التصرفات الإجرامية التي اجتاحت ربوع البلاد الشاسعة.

ففي أنحاء الولايات الهندية يوم الأحد الموافق 10 أبريل/نيسان، خرجت الحشود الناهبة من المتعصبين الهندوس إلى الشوارع حاملةً شعارات استفزازية ضد الأقليات، والمسلمين بصفة خاصة، وخربوا المساجد. وفي بعض الأماكن، نفذوا اعتداءات جسدية.

يجسد راما الحب ويظل مرادفاً للحكم الصالح. ولكن كان قليل من الصلاح حول طريقة الاحتفال بميلاده هذه المرة.

في خضم التقارير التي تشير إلى اندلاع العنف من ولايات متعددة، من كجرات في الغرب إلى بنغال في الشرق، فحتى العاصمة دلهي لم تسلم من موجة العنف.

في جامعة جواهر لال نهرو الواسعة، التي تُعرف بأنها قلعة الليبرالية اليسارية، أشارت تقارير إلى شن النشطاء اليمينيين هجوماً ضد الطلاب لمنعهم من تناول اللحم في مثل هذا اليوم "المبارك". أُصيب عشرات من الأشخاص وأُلقي القبض على عشرات آخرين في أعقاب الشجار.

التفاصيل الصغيرة، التي على شاكلة أن الأغلبية الساحقة من الهنود غير نباتيين بجانب الاستبيانات التي تشير إلى أن 70% منهم يتناولون اللحوم باستمرار، لم تهم المعتدين كثيراً.

كان قطاع جريء من الطبقة الهندوسية العليا يروجون الفضائل الدينية الضائعة للنباتية، وتحاول كتيبة هندوتفا (سيادة الهندوس)، التي تصمم على ترسيخ سيادة الهندوس، أن تجبر بقية الهند على التزامها.

ومع قدومه في أعقاب سلسلة من الاعتداءات الموجهة ضد الأقليات، بدءاً من الإعدام الغوغائي لتجار ماشية مسلمين، ووصولاً إلى المعارضة الممنهجة ضد الطالبات اللواتي يرتدين الحجاب، يقدم مهرجان راما نافامي المنعقد مؤخرا أحدث الأدلة على أن الهند تندفع بصورة خطيرة نحو طريق هندوتفا التي لا تعرف الخجل.

لكن الهند بلد متنوع، إذ يشكل الهندوس ما يصل إلى 80% من السكان. ويشكل المسلمون والمسيحيون والسيخ والجاينيين النسبة المتبقية من سكان البلاد، وتُستخدم 22 لغة رسمية في التواصل في أنحاء مناطق متأصلة في عادات وتقاليد وتضاريس مختلفة.

ولا حاجة إلى ذكر أن رؤية الهيمنة الخاصة بهندوتفا لا تتناسب مع الهند التي احتفت دائماً بوحدتها في تنوعها. ومن ثم فإن كثيرين يعربون عن قلقهم البالغ من العواقب التي ستتمخض في نهاية المطاف.

من أجل ذلك، لدى المسلمين أسباب تدفعهم للشعور بالقلق.

ففي ولاية بعد الأخرى، استُهدفوا وتعرضوا للذم والتشويه والإكراه. تجسدت أحدث صورة منها في التجار المسلمين في ولاية كارناتاكا، الذين مُنعوا إقامة متجر خلال فعاليات داخل المعابد.

وقبل ذلك، قُلصت حقوق أداء الصلاة في أماكن مخصصة لها في مناطق مثل جورجاون، القريبة من نيودلهي. وثمة حملة الآن لمنع مكبرات الصوت في المساجد.

وفجأة، يمكن أن يُعذر هؤلاء المسلمون البالغ عددهم 200 مليون مسلم لشعورهم بأنهم أقل انتماءً للهند. فقد أشار تقرير بعد الآخر إلى أنهم، بوصفهم مجتمعاً، ليسوا على ما يرام.

على سبيل المثال، يشغل المسلمون أقل من 3% من الوظائف التنفيذية في أكبر 500 شركة هندية، ويحصل أقل من 21% من العمال المسلمين على وظائف بأجور، مقارنة بـ 33% من الهندوس.

والموقف الحالي، الذي يشهد ارتفاع وتيرة الكراهية الدينية ويغرق في تنامي انعدام التسامح، سوف يفاقم سوء الأوضاع بالنسبة إليهم.

وإن صحّ بعضٌ من هذه الأوضاع داخل المجتمع، فإن كثيراً من المسلمين الذين لديهم الوسائل يغادرون الهند بالفعل ويتجهون نحو أماكن أكثر أمناً. أما هؤلاء الذين لا يستطيعون، فإنهم يطأطئون رؤوسهم وينزوون على أنفسهم، وهو ما يسرع عملية التحول إلى غيتو مسلمين.

لكن هندوتفا لن تؤثر على المسلمين وحدهم.

إنها تستهدف المسلمين الآن، لكنها قد تضر الهندوس أيضاً في نهاية المطاف، وذلك حسبما يجادل المؤرخ رامشاندرا جوها في مقال حديث له. وذكر أنه من بين العواقب العديدة، أن هندوتفا قد تجعل الهندوس يتصرفون كأنهم أغلبية تعاني من عقدة أقلية.

يشكل المسلمون 14% فقط من السكان في الهند، ولا يشكلون أي تهديد على الأغلبية الهندوسية. لكن أنصار هندوتفا، الذين يضمون منظمة التطوع الوطنية (RSS)، وهي منظمة قومية هندوسية تطوعية والمنبع الروحي للحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، يرسمون صورة متناقضة على نحو صارخ.

تظل اللازمة والمذهب المفضل لأنصار المنظمة هي "Hindu khatre main hain"، أي "الهندوس في خطر".

ولكن بينما يسعى الهندوس المتهورون لمواجهة ما يعتقدون أنه يشكل تحدياً وجودياً، ثمة مخاوف متجددة بشأن مستقبل الهند. على سبيل المثال، يُتوقع أن يتلقى اقتصادها صفعة إذا استُبعد المسلمون ووجدت جاليتهم أنهم صاروا على الهوامش بدرجة أكبر.

بجانب أن الهند لا تبلي بلاءً حسناً على الصعيد الاقتصادي. فقد تباطأ النمو، وارتفعت مستويات التضخم والبطالة. كانت النسبة الإجمالية للبطالة 7.6% حتى نهاية مارس/آذار.

ويمكن أن يتفاقم الوضع إذا سُمح بتزايد الكراهية والفتنة. وفقاً لبعض الخبراء الاقتصاديين، ليست الكراهية وجنون الشك على الإطلاق الوسائل التي تحتاجها المجتمعات للازدهار.

ويقول هؤلاء إن الهند ليس من المرجح لها أن تصير قوة اقتصادية إذا استبعدت الأقليات، التي تمثل تقريباً خمس السكان، من النشاط الاقتصادي.

ويوضحون أن البلاد ربما تحتاج بدلاً من ذلك إلى الحرية والثقة والاستقرار من أجل التقدم. ويمكن أن يُطلب من رواد الأعمال، بصرف النظر عن طبقتهم وعقيدتهم ودينهم، أن يبدعوا ويلهموا.

وبرغم ذلك، يواصل متعصبو هندوتفا السير في طريق القومية القوية الخاص بهم، ولا يردعهم شيء بسبب المخاوف التي يجري التعبير عنها على نحو شائع. ويبدو أنهم يسعون لإعادة اكتشاف المجد الضائع، الذي فقدته الهند خلال حكم سلاطين مغول الهند والراج البريطاني لاحقاً.

وفقاً لهؤلاء، كانت الهند في المقدمة على كل الأصعدة خلال الأزمنة القديمة، بدءاً من الطائرات ووصولاً إلى عمليات التجميل. ويقولون إن هندوتفا سوف تساعد في استعادة رفعة البلاد وكبريائها.

لكنهم ربما يعيشون في نعيمٍ ما، أو على وجه الدقة في نعيم الحمقى.

إذ إن استخدام القومية الدينية الانقسامية لإنتاج نمو اقتصادي يشبه استخدام صناعة الأخشاب لزيادة عدد الأشجار، وذلك وفقاً لما أشار إليه أحد الكتاب مؤخراً.

ويتفق كثيرون على أن هندوتفا سوف تترك الهند منقسمة وأضعف وأفقر كثيراً.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي