تابعنا
لا شك أن انتخابات الإعادة هي انتخابات تُجرى من الصفر، وبالتالي فإن كل النتائج ممكنة من ناحية نظرية، ولا يمكن الجزم تماماً بتوجهات الناخبين.

أجرت تركيا في الرابع عشر من مايو/أيار الجاري انتخاباتها الرئاسية والتشريعية والتي حظيت باهتمام ومتابعة غير مسبوقين داخلياً وخارجياً ووصفت بالمفصلية والمصيرية و"انتخابات القرن".

في النتائج الأولية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات تقدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائمة المرشحين الرئاسيين بما يزيد على 27 مليون صوت ويعادل نسبة %49.52، يتلوه مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليجدار أوغلو بـ24.5 مليون صوت ونسبة %44.8، ثم مرشح تحالف الأجداد سنان أوغان بـ2.8 مليون صوت ونسبة %5.17.

ما يعني أن الحسم في الانتخابات الرئاسية قد ترك لجولة إعادة ستُجرى يوم الثامن والعشرين من الشهر الجاري بين المتنافسَيْن الأول والثاني، أردوغان وكليجدار أوغلو.

أما في الانتخابات البرلمانية، فقد حافظ تحالف الشعب المكوّن من أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والرفاه من جديد والوحدة الكبرى على أغلبية مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) بنسبة %49.47 من الأصوات وواقع 323 مقعداً.

تلاه تحالف الشعب المشكّل من أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة و"الديمقراطية والتقدم" والمستقبل بنسبة %35 و213 مقعداً، ثم تحالف العمل والحرية المكوّن من حزبَي اليسار الأخضر (HDP) والعمل التركي بنسبة %10.55 و65 مقعداً برلمانياً.

مدة قصيرة جداً إذن تفصلنا عن انتخابات الإعادة، فما العوامل المؤثرة في فرص المتنافسين؟

لا شك أن انتخابات الإعادة هي انتخابات تُجرى من الصفر، وبالتالي فإن كل النتائج ممكنة من ناحية نظرية، ولا يمكن الجزم تماماً بتوجهات الناخبين، بيد أن التقدير العملي يحيل إلى العوامل المؤثرة في اتجاهات التصويت بما يمكن أن يساعد على استشراف المسار والنتائج.

بالنظر إلى أن ما تبقى من مدة زمنية حتى الانتخابات لا يتيح تنظيم حملة انتخابية متكاملة وفاعلة، يمكن القول إن العوامل المؤثرة في سياق الجولة الأولى من الانتخابات تبقى قادرة على التأثير إلى حدٍّ كبير، لكن توجد عوامل مستجدة لها تأثير ملموس في النتائج المتوقعة.

ففي المقام الأول تقدّم أردوغان على كليجدار أوغلو بأكثر من مليونين ونصف المليون صوت بواقع %5 تقريباً من الأصوات، وهي نسبة كبيرة جداً من الصعب الحصول عليها في مدة زمنية قصيرة.

من جهة ثانية فهي المرة الأولى التي ستنتخب فيها تركيا رئيسها بعد أن يكون البرلمان قد تشكّل، ما يدفع إلى البحث في أثر الانتخابات التشريعية وشكل البرلمان المقبل على انتخابات الإعادة.

هنا، يدفع حصول تحالف الشعب على أغلبية أعضاء البرلمان كثيرين إلى البحث عن "تصويت التناغم"، أي التصويت للمرشح الذي ينتمي للأغلبية البرلمانية، سعياً لأفضل تعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أو الرئاسة والبرلمان، وتجنباً لأي أزمات أو انسداد سياسي في حال كانا من تيارَين أو تحالفَين مختلفَين. ولعل تقدّم الرئيس التركي في انتخابات الرئاسة بفارق مريح يشير إلى أنه غلب على المصوّتين فكرة الاستقرار، ما يدعم تقديراً من هذا القبيل.

من ناحية أخرى، فقد ألهبت النتائج وتحديداً الفوز بأغلبية البرلمان مشاعر تحالف الشعب بمختلف مكوّناته، وشاهدنا الرئيس التركي وهو يغني في حضرة المحتشدين أمام مقر حزبه خلال "خطاب الشرفة" التقليدي بعد صدور النتائج، فضلاً عن تصريحات لعدة قيادات في حزب العدالة والتنمية والحكومة تؤكد عدم القلق من نتائج جولة الإعادة.

في المقابل، فقد أحبطت النتيجة معنويات تحالف الأمة، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، ولا سيما أنهم كانوا يروّجون لأغلبية مريحة في البرلمان وفوز من الجولة الأولى بالرئاسة. وبالتالي، من المتوقع أن ينعكس ذلك سلباً على حماسة كوادر أحزاب المعارضة في الحملة الانتخابية المرتقبة.

على صعيد آخر، من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في جولة الإعادة أقل من الجولة الأولى الاعتيادية، وأن يكون جزء من أسباب ذلك نتيجة البرلمان وتقدم تحالف الشعب فيه.

كما أن نتيجة البرلمان مع عدم الفوز بالرئاسة ستذكي بعض الخلافات الهادئة حالياً بين أطراف المعارضة وداخل بعض أحزابها. فقد كانت الطاولة السداسية (تحالف الأمة) شهدت عدة خلافات بين مكوّناتها، أبرزها انسحاب رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنار من الطاولة ومهاجمتها كليجدار أوغلو وباقي رؤساء الأحزاب أعضاء الطاولة، قبل أن تعود لها بعد أيام.

وقد بدأت بعض إشارات هذه الارتدادات، كاعتراض كثيرين من حزب الشعب الجمهوري على وسائل التواصل على نشر رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو صورة له مع نواب حزبه الذين دخلوا البرلمان، على قوائم الشعب الجمهوري، ما اضطره إلى حذف الصورة والتغريدة. كما استقال مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن المعلومات وتقنيات التواصل أونورصال أديغوزال من منصبه، بعد التخبّط الذي حصل بخصوص متابعة النتائج ليلة فرز الصناديق.

أكثر من ذلك، ولعله الأهم، فإن حصول تحالف الشعب على أغلبية البرلمان يضرب المشروع الأهم لكليجدار أوغلو وتحالف الأمة وهو إعادة البلاد للنظام البرلماني الذي كان يتطلب حصول الأخير على أغلبية مريحة في البرلمان، وهو ما لم يحصل.

كما أن كليجدار أوغلو لن يستطيع الاستمرار في خطاب تغيير النظام وذهاب العدالة والتنمية والحلول مكانه بالكامل، بل سيضطر، بداهةً لاستخدام لغة أكثر تصالحية، إذ بافتراض فوزه بالرئاسة سيكون عليه التعامل والتعاون مع البرلمان المكوّن من أغلبية لتحالف الشعب.

هذا التبديل في الرؤية والخطاب ليس أمراً سهلاً ومقدوراً عليه خلال فترة وجيزة، وقد يأتي بنتائج عكسية إن حصل.

في الخلاصة، تواجه البلاد لأول مرة سيناريو اكتمال الانتخابات التشريعية وتركيبة البرلمان قبل اختيار الرئيس والحاجة إلى جولة إعادة لذلك. وعليه، حتى وقت انتخابات الإعادة سيكون البرلمان الجديد قد عقد جلساته الأولى وقطع عدة محطات، قد يكون من بينها اختيار رئيسه ورؤساء لجانه، والتي سيكون معظمها بطبيعة الحال من تحالف الشعب.

وبالنظر إلى تبعات نتائج البرلمان، وتحديداً تناقض النتائج مع طموح تحالف الأمة المعارض وادعاءاته، يمكن القول إن الأغلبية التي أحرزها تحالف الشعب في البرلمان ستعزّز من فرص مرشحه أردوغان في انتخابات الإعادة، من زوايا سياسية ومعنوية ولوجستية عدة.

ويبدو أن التحالف قد التقط هذه الأفكار، فتبدّت في تصريحات الرئيس أردوغان والناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن والناطق باسم الحزب عمر جيليك إشارات إلى الثقة بنتائج جولة الإعادة والإحالة في ذلك إلى نتيجة البرلمان بشكل واضح.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً