أيمن الظواهري (AFP)
تابعنا

بغياب الظواهري يكون الستار أُسدلَ على الجيل الأول من قادة القاعدة بأفغانستان من تنظيم خراسان. وتأتي العملية الأمريكية في استهداف الظواهري لتطرح سؤالاً مركزياً هو: إلى أين يتجه تنظيم القاعدة الإرهابي بعد مقتل الظواهري؟ إلى الضعف والاضمحلال أم إنه يملك الفرص لإعادة ترتيب صفوفه؟

لم يكن مقتل الظواهري هو بداية عصر الضعف لتنظيم القاعدة، فمنذ عملية 11 سبتمبر/أيلول 2001 وقبلها عملية المدمّرة الأمريكية كول 1998 وما تلاها من الحرب الدولية على أفغانستان وسقوط حكم طالبان، اضطُرّت قيادة التنظيم إلى الاختفاء خوفاً من الاستهداف الأمريكي، وبذلك فقد التنظيم قوته المركزية في التخطيط والتنفيذ للعمليات الكبيرة بعد أن فقد المأوى الذي كانت تقدمه له حركة طالبان.

وأصبحت قيادته بالتالي تتنقل بين باكستان وإيران، وتحولت القيادة إلى لعب دور المنسّق بين الفروع وإعطاء التوجيهات العامة كما ظهر في وثائق "أبوت أباد" التي عثرت عليها المخابرات الأمريكية في المنزل الذي قُتل فيه مؤسس القاعدة الأول أسامة بن لادن في عام 2011 وهو ما أدى إلى تعاظم دور فروع تنظيم القاعدة على حساب المركز وظهر ذلك بشكل واضح.

وساهمت الملاحقات الدولية أيضاً لشبكة جمع التبرعات ومقتل أسامة بن لادن الممول الأساسي للقاعدة في ضعف الموارد المادية.

كما ساهم بروز تنظيم داعش الإرهابي وخلق بروباغندا أقوى من القاعدة باستعمال أعنف المقاتلين ومبايعة عدد من فروع القاعدة لداعش، في ضعف كبير في حضورها العسكري، إضافة إلى فقدان القاعدة لرموز شرعية آيديولوجية قادرة على التجنيد والحشد، وبذلك فقدت القاعدة قوتها المالية ومواردها البشرية وقوتها الآيديولوجية لصالح تنامي آيديولوجيَا داعش الأكثر تشدُّداً.

ورغم أن التنظيم آيديولوجي بالأساس فإنه يلعب دور القيادة القوية والرمزية، ولذلك أهمية كبيرة في قوة تماسك التنظيم.

وبالتالي فإن مقتل الظواهري اليوم يُدخِل التنظيم الإرهابي في أزمة قيادة حقيقية، بالبحث عن شخص يملك قوة جذب كأسامة بن لادن أو قوة في التنظير الجهادي كأيمن الظواهري، لقيادة التنظيم.

وفي هذا السياق يُطرَح اسم سيف العدل صاحب الخلفية العسكرية، وهو ضابط مصري سابق له خبرة أمنية واسعة، لكن كونه في إيران قد يحد من حركته وقدرته على شدّ عصب التنظيم وبعثه من جديد.

ولم نعُد نشاهد بعد أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من استهداف أنفاق المترو في بريطانيا وإسبانيا عام 2004 وعام 2005، أي عمليات استهداف من القاعدة للمصالح الغربية.

وهكذا تَحوَّل استهداف قيادات القاعدة من الولايات المتحدة إلى مناسبة لتسجيل الانتصارات السياسية وتقديم أوراق القوة لدى الناخب الأمريكي.

وبعد اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان لترتيب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تعهدت طالبان بمنع أي تنظيم استهداف الولايات المتحدة انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، وبالتحديد تنظيم القاعدة الذي يرتبط ببيعة لتنظيم طالبان، وهو ما يعني أن نشاط التنظيم أصبح محكوماً بسياسات حركة طالبان.

لكن هنا يُطرح سؤال آخَر عن مدى نجاعة العمليات الأمريكية التي تستهدف قادة القاعدة في القضاء على "الإرهاب".

وهنا يمكن التأكيد أن الحرب على الإرهاب التي تشنّها الولايات المتحدة، تأتي انطلاقاً من المقاربة العسكرية والأمنية بلا أي طرح لمقاربة سياسية ومعالجة لجذور أزمة الإرهاب السياسية والاجتماعية التي أدت إلى انبثاق النسخة الجديدة من المتطرفين الأشد عنفاً من تنظيم القاعدة، وهو تنظيم داعش الذي ينشط اليوم بقوة في أفغانستان وباكستان والساحل الإفريقي وسيناء.

وهو ما يعني أن أسلوب محاربة الإرهاب وفق الاستراتيجية الأمريكية يمكن أن يسهم في انزياح هذه التنظيمات عن بقعة جغرافية ما لينتقل إلى النشاط في منطقة أخرى، كما هو الحال في سوريا اليوم حيث لا يزال تنظيم داعش الإرهابي ينشط بقوة في البادية السورية ويحاول أن يعيد ترميم نفسه من جديد.

وأن استهداف القيادات الرمزية في التنظيمات الإرهابية قد يسهم في إضعافها وخلق أزمة قيادة في بنيتها، لكنه لا ينهيها أبداً بسبب قدرة هذه التنظيمات على التجنيد وترميم نفسها ضمن بيئة الفوضى وفشل الحلول الأمنية التي تتسبب بها الاستراتيجية الأمريكية في الحرب على الإرهاب.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي
الأكثر تداولاً