#ICA45 : Conflict in Afghanistan (Wakil Kohsar/AFP)
تابعنا

ويمكن التماس العذر للمراقبين لتأكيدهم على كلمة "مؤقتة" حين أعلنوا عنها، فحكومة طالبان كانت تركيبة مألوفة على نحوٍ مريب من الحكومة التي حكمت في التسعينيات وحكومة الظل التي قادت المقاومة منذ ذلك الحين.

لا يعني هذا أنَّ حكومة كهذه تخلو بالضرورة من المزايا، فحكومة إمارة طالبان بين عاميّ 1996 و2001 كانت، على الرغم من فوضويتها وضيق نطاقها، بالتأكيد أكثر فعالية في مهامها الأساسية على الأقل من تحالف الميليشيات والمجاهدين الذي سبقها وكان يتسم بالتدمير الذاتي المزمن، وحكومة احتكار الأقلية الفاسدة التي وضعها الأمريكيون بعدها. وكانت إحدى نقاط الترويج الرئيسية لمقاومة طالبان هي "حكومة الظل" الفعالة نسبياً التي رسَّخت نفسها في جزء كبير من الريف.

إنَّ حكومة طالبان ليست حكومة عديمة الخبرة ولا هي عديمة الكفاءة، بصرف النظر عن أي تهكُّمات طبقية قد تصدر عن أعضاء النظام السابق ذوي الحظوة. لكنَّها تأتي من سلة ضيقة من المرشحين على نحوٍ لن ينتهي معه الشكوك حيال شمولها إلا إذا كانت حكومة مؤقتة فعلاً، وليست دائمة.

معوقات الحكومة

هناك نقطتان مهمتان ربما تفسران الحاجة لوجود حكومة تضم المجموعات الأخرى.

الأولى هي أنَّ الهروب السريع لأشرف غني من كابول في نهاية الصيف كان يعني أنَّ قادة طالبان مضطرون لتولي السلطة في وقتٍ أبكر كثيراً مما كانوا يتوقعون، ومن ثَمَّ الحاجة لوجود حكومة مؤقتة تتألف من مخضرمين موثوقين على نحوٍ كاف لإبقاء عمل الحكومة مستمراً دون تعريض نصر طالبان الأخير للخطر.

والثانية هي تحدي نائب غني، أمر الله صالح، ووزير دفاعه، بسم الله محمدي، في مسقط رأسهم في وداي بانشير، حيث حاول زعيمهم الصوري أحمد مسعود، نجل قائدهم المُغتَال شاه مسعود، كسب تأييد دول مثل الهند وفرنسا والولايات المتحدة على أسس مشكوك فيها في كثير من الأحيان، وهو ما كان يعني أنَّ مسار محيط أفغانستان ظلَّ غير محسوم إلى حدٍ كبير.

وكان متمردو بانشير يأملون حشد المناطق الأخرى في الأطراف الأفغانية –والتي انهارت بسرعة، جزئياً بسبب السخط من غني، خلال هجوم طالبان- من أجل تمرد واشتعال واسعيّ النطاق على شاكلة تحالف الميليشيات المناطقية الذي قاده شاه مسعود من قبل.

هذا بدوره كان يعني أنَّ طالبان لا يسعها الثقة بالفصائل التي استسلمت حديثاً إلا بعد القضاء على مسلحي بانشير. وإن كان الأمر كذلك، فإنَّ نهاية تمرد بانشير ربما يؤدي، من وجهة نظر طالبان، إلى حسابات أسلم في تقاسم الحقائب الحكومية مع المجموعات الموثوقة بدرجة كافية. وفي تلك الحالة، من المرجح أن تكون هذه حكومة مؤقتة تسبق الإعلان عن حكومة أكثر شمولاً.

الرفاق والإمكانيات

لكنَّ الحكومة المؤقتة، بهيئتها الحالية، هي حكومة محدودة سيكون أعضاؤها مألوفين لمعظم مراقبي إمارة طالبان في التسعينات وما تبع ذلك من مقاومةد. فهي بقيادة حسن آخوند زاده، وهو قيادي صغير لكنَّه مهم في كلا الحقبتين. فقد تولى حسن منصبيّ وزير الداخلية والخارجية في الإمارة، ورسَّخ لاحقاً مجلس حرب طالبان في مقره بمدينة كويتا مع نظيره العسكري الأكثر شهرة، عبد الغني برادر، وكلاهما صديقان قديمان لمؤسس طالبان، الملا عمر مجاهد.

يكون برادر دائماً أسعد ما يكون حين يصبح مساعداً أكثر من كونه رئيساً صورياً، ويتولى الآن منصب نائب حسن إلى جانب عبد السلام حنفي المنتمي إلى الأوزبك، والذي تولى منصب حاكم ولاية في الإمارة وما يشبه وزير خارجية في الآونة الأخيرة.

وتُقسَّم معظم المناصب الأخرى بين شبكات طالبان من منخفضات الجنوب ومرتفعات منطقة لويا باكتيا، وهي منطقة شكَّلت أطول حصن داعم لطالبان أمداً. ويتجسَّد دعم طالبان في هاتين المنطقتين بشبكات الملا عمر والقائد المجاهد الطالباني الشهير جلال الدين حقاني، على التوالي. ويتولى نجل الملا عمر، يعقوب، ونجل جلال الدين، سراج الدين، منصبيّ وزيريّ الدفاع والداخلية على التوالي، ويتولى أخو عمر، عبد المنان العمري، وأخو جلال الدين، خليل الرحمن أحمد، أيضاً وزارتين أقل أهمية.

بالمثل، فإن الصداقة الطويلة الأمد بين بين الملا عمر وجلال الدين حقاني تعد عاملاً مشتركاً في أجزاء أخرى من حكومة طالبان. مثل الصداقة بين محمد حسن أخوند وعبد الغني بارادار، كان وزير المالية جول أغا ​​هداية الله صديقاً مقرباً للملا عمر ونظيره في ساحة المعركة. كما عُهد إليه بإدارة الشؤون المالية لمسلحي طالبان.

على الجانب الآخر يعتبر نجيب الله حقاني -يجب عدم الخلط بينه وبين شخص يحمل الاسم نفسه انفصل عن طالبان منذ سنوات– وعبد الباقي أعضاءً دائمون في شبكة جلال الدين حقاني، وعملوا أيضاً كوزراء في حكومة طالبان في التسعينيات من القرن العشرين. وكذلك فعل نور جلال الدين، الذي جرت ترقيته الآن ليكون الرجل الثاني بجوار سراج الدين حقاني وزير الداخلية في حكومة طالبان.

بالإضافة إلى الروابط الشخصية بين الملا عمر وجلال الدين حقاني، هناك أيضاً الكثير من وزراء طالبان من خلفيات مماثلة في مناطقهم المعنية. على سبيل المثال، ينتمي خير الله خيرخوا وعيسى أخوندزاده إلى نفس العشيرة، ونفس جبهة المجاهدين الجنوبية في الثمانينيات من القرن العشرين، ونفس حكومة طالبان في التسعينيات من القرن العشرين.

كما يشغل عبد اللطيف منصور، زعيم شبكة مجاهدين مؤثرة من منطقة لويا باكتيا، أيضاً نفس المنصب الذي شغله في التسعينيات كوزير، بينما يعمل ابن أخيه عبد الرحمن حاكماً لكابول. هناك أيضاً أعضاء من طالبان أصغر سناً صعدوا في الرتب لكنهم ينتمون أساساً إلى نفس الخلفية: ذبيح الله مجاهد كمتحدث باسم المسلحين وجرت مكافأته بمنصب في وزارة الإعلام والثقافة، بينما عمل يونس أخوندزاده ورحمة الله نجيب كقائدين ميدانيين قبل ترقيتهم لمناصب وزارية في الحكومة.

ومن أغرب أنواع الرفقاء في حركة طالبان هم قادة طالبان الخمسة الذين جرى إطلاق سراحهم من الحجز الأمريكي في عام 2014. وهم خيرخوا؛ وقائد الجيش السابق القاسي فاضل مظلوميار الذي يشغل الآن منصب نائب وزير الدفاع؛ والحاكم العام السابق نور الله نوري الذي يشغل منصب وزير الحدود الآن؛ وقائد الحدود السابق محمد العمري الذي يشغل الآن حاكم في منطقة لويا باكتيا مسقط رأسه؛ ورئيس الاستخبارات السابق عبد الحق واثق الذي يتولى نفس المنصب، مع تاج مير جواد -الذي يشاركه خلفيته الشرقية ولازمه أثناء الإمارة باعتباره الرجل الثاني في القيادة.

الغريب أن عبد القيوم ذاكر، وهو سجين سابق آخر في معتقل غوانتانامو خدم كقائد عسكري، لم يُمنح منصباً رسمياً، على الرغم من أن التناوب بين قادة طالبان من نفس الرتبة أمر شائع بما فيه الكفاية. بدلاً من ذلك، كوفئ قاري فصيح الدين، القائد الطاجيكي من بدخشان، على جهوده بالترقية.

أما وزير الخارجية أمير متقي -الذي لعب دوراً رئيسياً في إقناع المعارضين السابقين بالتنحي خلال حملة صيف 2021- فكان عضواً مخضرماً في حكومة طالبان في التسعينيات، وكذلك نائبه شير عباس، والياور أحمدجان أحمدي، والوزير الطاجيكي الوحيد قاري الدين محمد حنيف. أما وزير العدل عبد الحكيم ترجان، وهو عالم غزير الإنتاج لعب أيضاً دوراً دبلوماسياً كبيراً في السنوات الأخيرة، انضم إلى الحكومة بواسطة سلفه نور محمد ساقيب.

قد تكون هذه الشبكات ضيقة ولكن محكمة، وهو ما قد يفسر سبب اعتبارها خياراً آمناً لتشكيل حكومة مؤقتة، قبل أن تتمكن طالبان من الحصول الوسائل اللازمة لتوسيع حكومتها.

ورغم أن هذه الشبكات لا تزال في دائرة ضيقة، إلا أنه وللإنصاف نادراً ما كانت الحكومات تمارس تأثيراً كبيراً طوال تاريخ طالبان كما هو الحال مع مجلس طالبان المنفصل بقيادة الأمير هبة الله أخوندزاده. بشكل جوهري، هذه الحكومة يسيطر عليها حزب قوي.

هذه القيود العرقية في الحكومة -مع وجود ثلاثين من أصل ثلاثة وثلاثين معيناً من طائفة البشتون– تلطفت إلى حد ما بتعيين حكام للمقاطعات وقادة للفيالق من طوائف أكثر تنوعاً عرقياً وإقليمياً، والذين من المتوقع أن يلعبوا دوراً رئيسياً في الشؤون اليومية كما حدث في الماضي.

ومع ذلك، تظل حكومة طالبان مقصورة على طوائف وشخصيات معينة. ولهذا السبب، يجب أن يكون هناك أمل بأن يكون هذا التقييد مؤقتاً قبل أن توسع إمارة طالبان مشاركتها السياسية.

هذا المقال مترجم عن موقع TRTWorld.

TRT عربي