تابعنا
إن حرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية في السجن، من الرعاية الصحية إلى الطعام الصالح للأكل، إلى العزل الإنفرادي على مدار سنوات لا يمكن اعتبارها إلا سياسة ممنهجة للسلطات المصرية لوضع حد لحياة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.

أعلن التليفزيون الرسمي المصري، أمس الإثنين 17 حزيران/يونيو 2019، خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي (67 عامًا)، في أثناء جلسة محاكمته في قضية التخابر مع حركة حماس، المنعقدة أمام محكمة جنايات القاهرة.

ومنذ التحفُّظ على محمد مرسي عقب الإطاحة به بانقلاب 3 تموز/يوليو 2013، ثم محاكمته على خلفية عدة قضايا، احتُجز خلال كامل هذه الفترة في السجن الانفرادي، ولم يتمكن من لقاء أحد من أسرته سوى ابنته وزوجته بواقع ثلاث مرات فقط، ومحامية مرة واحدة خلال ست سنوات.

لم تكفّ أسرته طوال السنوات الست عن توجيه الطلبات الرسمية والحقوقية لتقديم الرعاية الصحية له، فطبقاً لأسرته عانى الرئيس الأسبق من مرض السكري المزمن، الذي أدَّى نتيجة ظروف السجن السيئة والحرمان من العلاج إلى مضاعفات خطيرة، بينها الضعف الشديد في الإبصار بالعين اليسرى، وبثور في الفم والأسنان، وتعرُّضه لغيبوبة نقص السكر في الدم، وإصابته بالتهابات روماتيزمية حادة بالعمود الفقري وفقرات الرقبة، نتيجة إجباره على النوم على الأرض.

وعبَّرَت أسرته في وقت سابق عن قلقها من إصابته بأمراض مزمنة بالكبد والكلى نتيجة سوء التغذية وحرمانه من دخول الطعام المناسب لظروفه الصحية ومتطلبات سنه.

وكان د.مرسي قد تقدم للمحكمة بطلبات لعلاجه منذ ثلاث سنوات في 8 آب/أغسطس 2015، ورغم تصريح المحكمة المتكرر بانتداب طبيب متخصص في مرض السكر، فإنه لم يحضر حتى تاريخ وفاته. وفي 29 تشرين ثاني/نوفمبر 2017 أبلغت الأسرة هيئة المحكمة عن الإهمال الطبي بحق د.مرسي، لكن دون جدوى.

لذلك لا يمكن إدراج وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي ضمن حالات الموت الطبيعية، بل ضمن عمليات القتل الممنهج بدم بارد الذي باتت السلطات المصرية تمارسه بأشكال عديدة ضدّ المعارضين السياسيين داخل السجون.

الرواية الرسمية للنيابة العامة

تشير الرواية الرسمية لسلطات المصرية إلى أن وفاة مرسي كانت وفاة طبيعية، إذ أصدر النائب العام المستشار نبيل صادق -أعلى سلطة تحقيق- بياناً بشأن وفاة مرسي، جاء فيه أن النيابة العامة تلقت إخطارًا بوفاة محمد مرسى في أثناء حضوره جلسة المحاكمة، وفي أثناء إجراءات المحاكمة طلب مرسي الحديث، فسمحت له المحكمة بذلك، فتَحدَّث لمدة خمس دقائق، وعقب انتهائه من كلمته رفعت المحكمة الجلسة للمداولة.

أكّد البيان أنه في أثناء وجود المتهم محمد مرسي وباقي المتهمين بداخل القفص سقط أرضًا مغشيًّا عليه، فنُقل فورًا إلى المستشفى وتَبيَّن وفاته، وقد تَبيَّن عدم وجود إصابات ظاهرية حديثة لجثمان المتوفى.

تشير الوقائع الموثَّقة من خلال بيانات بعض المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى أن محمد مرسي تَعرَّض للإهمال الطبي بشكل ممنهج من السلطات المصرية.

محمد عادل سليمان

وأمر النائب العامّ بانتقال فريق من أعضاء النيابة العامة بنيابة أمن الدولة العليا ونيابة جنوب القاهرة الكلية لإجراء المناظرة لجثة المتوفى، والتحفظ على كاميرات المراقبة، وسماع أقوال الموجودين معه في ذلك الوقت، كما أمرت النيابة العامة بالتحفظ على الملفّ الطبي الخاصّ بعلاج المتوفى، وندب لجنة عليا من الطب الشرعي لإعداد تقرير طبي بأسباب الوفاة.

الوقائع الموثَّقة .. قتل بدم بارد

وعلى عكس الرواية الرسمية تشير الوقائع الموثَّقة من خلال بيانات بعض المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وكذلك بعض البرلمانات الأوربية إلى أن محمد مرسي تَعرَّض للإهمال الطبي بشكل ممنهج من السلطات المصرية.

في تموز/يوليو 2018 أصدر عدد من المنظمات الحقوقية المصرية ما أسماه نداء إلى المجتمع الدولي لإنقاذ حياة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وألوف آخرين، إذ أعربت المنظمات الموقِّعة عن بالغ استنكارها وقلقها إزاء التنكيل المنهجي الذي يتعرض له رئيس الجمهورية المنتخب الأسبق محمد مرسي.

وذكرت المنظمات أن حالة د.مرسي ليست استثناءً، لكنها ترمز إلى مدى بشاعة التنكيل في السجون المصرية بالسجناء من شتى الاتجاهات السياسية، إسلامية وعلمانية.

وتلاحظ المنظمات الموقِّعة أن عملية التنكيل المنهجي المنظَّم بالسجناء تجري تحت سمع وبصر النيابة العامة، وعدة هيئات قضائية والمجلس القومي لحقوق الانسان (التابع للحكومة) والبرلمان ووزارة الداخلية ورئيس الجمهورية الحالي.

وتحمّل المنظمات الموقِّعة هذه الأطراف المسؤولية الأخلاقية والسياسية والجنائية عن حياة د.مرسي، ونحو 650 سجينًا آخرين لقوا حتفهم منذ منتصف عام 2013 نتيجة الممارسات الإجرامية ذاتها، السائدة في السجون المصرية من تعذيب وإهمال طبي وسوء معاملة.

وفي آذار/مارس 2018 شُكّلت لجنة برلمانية بريطانية برئاسة عضو البرلمان البريطاني كريسبين بلانت، للتحقيق في ظروف اعتقال الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وما يلقاه من معاملة منذ اعتقاله في عام 2013 ما عرض حياته للخطر.

ما أقدمت عليه السلطات المصرية بحق الرئيس محمد مرسي وما تستمر عليه في حق المساجين السياسيين كافة هو عبار عن منهجية للقتل البطيء للمعارضين السياسيين كافة.

محمد عادل سليمان

ووجه رئيس اللجنة رسالة إلى السفير المصري في بريطانيا عبّر خلالها عن قلقه من تأثير ظروف الاعتقال على تدهور صحة الرئيس المنتخب محمد مرسي، بخاصة في ظلّ ما بلغهم من معلومات بشأن منع سلطات السجن حصوله على الأدوية والعلاج الطبي والطعام من خارج السجن.

وأشار إلى أن اللجنة ترغب في التحقُّق من أوضاع إقامة مرسي ومن قدرته على التقاء السجناء الآخرين، لافتاً إلى أن اللجنة سوف تُعِدّ تقريراً حول ما إذا كانت المعايير الدولية والمصرية تُلتزَم في هذا الشأن أم لا.

من جهتها، أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن لجنة برلمانية من كبار نواب الأحزاب المختلفة طالبت الحكومة المصرية بالسماح لها بزيارة الرئيس مرسي في السجن، مشيرة إلى أن مرسي قد تم عزله في سجن طرة، وأن هناك تقارير عن تدهور صحته بشكل خطير.

وفي ظل هذه الحقائق لا يسعنا إلا أن نقول إن ما أقدمت عليه السلطات المصرية بحق الرئيس الأسبق محمد مرسي، وما تستمر عليه في حق المساجين السياسيين كافة من منع الرعاية الصحية، وسوء ظروف الاحتجاز، وكذلك الحبس الاحتياطي لمدة تجاوزت خمس سنوات، هو عبار عن منهجية للقتل البطيء للمعارضين السياسيين كافة، ويساوي مع ما تقوم به قوات الأمن من التصفية خارج إطار القانون ليصبح المعارض السياسي معرَّضاً للتصفية المباشرة من قوات الأمن خلال عمليات القبض، أو القتل البطيء داخل سجون عبد الفتاح السيسي.

رحم الله محمد مرسي، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

صلاة الغائب على الرئيس الراحل محمد مرسي في مدينة أورفا في تركيا.  (AA)
TRT عربي
الأكثر تداولاً