الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يمين) والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ (يسار). المصدر Daily Sabah (Others)
تابعنا

من المعلوم أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل شهدت قطيعة وتخفيضاً للتمثيل الدبلوماسي منذ أحداث "مافي مرمرة" 2010، وطيلة عهد حكومات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الذي كان شخصاً غير مرغوب به بالنسبة إلى أنقرة ، ناهيك عن التطورات التي حدثت في عهد ترامب مثل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والتشجيع على سياسة الاستيطان وضمّ الضفة الغربية وما شابه.

في نظرة سريعة إلى التاريخ القريب للعلاقات بين أنقرة وتل أبيب، نجد أن تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل، في ظل حكومة الشعب الجمهوري آنذاك ورئيس وزرائه عصمت إينونو، واستمرت العلاقة بين البلدين مع تعاقب الحكومات التركية المختلفة.

حافظ "العدالة والتنمية" على ما ورثه من الحكومات السابقة وسعى في تطويره ضمن سياسة "صفر مشكلات"، وفي ضوء انشغال حكومات الحزب بالسياسات الداخلية والأزمات المتراكمة من السابق.

ثم جرى ما جرى من تطورات سلبية في سير العلاقات بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على سفينة "مافي مرمرة" التي كانت تحمل مساعدات لقطاع غزة المحاصر، وارتفاع حدة السياسات العداونية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، لتدخل العلاقات في طريق مسدود.

لكننا نرى أن الأزمة السياسية وتخفيض التمثيل الدبلوماسي لم يؤثرا في الشق الاقتصادي من العلاقات بين البلدين، على العكس كان التبادل التجاري ينمو بوتيرة متصاعدة طيلة الأعوام السابقة، حتى كسر حاجز 6 مليارات دولار في العام 2020، وكذلك القطاع السياحي لم يتأثر إلى حد كبير من هذه الأزمة.

إذن بقيت الأزمة في حدود دائرتها السياسية فحسب، التي يبدو أنها بدأت تشهد انفراجتها الأولى منذ رحيل نتيناهو منتصف العام المنصرم 2021.

بالطبع لا يمكن ربط هذا التطور الإيجابي في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بمسألة رحيل نتنياهو وبدء حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة نفتالي بينيت، فثمة أسباب شجّعت على هذه الخطوة في ظل حدوث تغير في المشهد السياسي بإسرائيل.

وكذلك السياسة الخارجية الجديدة التي حددت أنقرة بوصلتها منذ 2020 والتي تقوم على تحسين العلاقات مع دول المنطقة وتطويرها، ربما لم تكن الدافع الوحيد وإنما جاءت ضمن سياق متصل من الأسباب التي دفعت بالعلاقات بين البلدين.

هذا السرد يدفعنا إلى القول بأن العلاقات التركية-الإسرائيلية ليست ثنائية فحسب أو بمعزل عن المجريات الإقليمية والدولية، والتطورات التي انتظمت المنطقة على وجه الخصوص. وكما أن هذه المجريات دفعت نحو تطبيع العلاقات بين تركيا والإمارات، وبوادر شبيهة بين تركيا من جهة والسعودية ومصر من جهة أخرى، فهي كذلك تدفع الآن أنقرة وتل أبيب لإعادة النظر في خارطة طريق جديدة.

إن اهتمام تركيا بشرق البحر المتوسط و"تصميمها" على الحفاظ على حقوقها المائية وثرواتها الموجودة هناك -حسب المسؤولين الأتراك- هو كلمة السر في اتجاه أنقرة نحو وضع خطوة جديدة في علاقاتها مع تل أبيب، والذي شجع على ذلك بصورة أكبر كان إعلان الولايات المتحدة سحب دعمها لمشروع إيست-ميد الذي يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص الرومية متجاهلاً تركيا.

عارضت تركيا هذا المشروع منذ التوقيع عليه عام 2019 في عهد ترمب، وأوضحت أن أي مشروع يتجاهل تركيا وحقوقها في شرق المتوسط مصيره الفشل، واليوم نرى الولايات المتحدة تسحب دعمها عن المشروع بشكل مفاجئ.

ستسعى تركيا للتداول بشكل مباشر مع إسرائيل والنقاش حول إمكانية نقل غازها الطبيعي إلى أوروبا لكن عبر تركيا لا اليونان، وبتكلفة أقل بالطبع من تكلفة إيست-ميد، ودون الحاجة إلى إثارة النزاعات في هذه المنطقة، التي يبدو أنها ستحدد معالم المرحلة المقبلة في المنطقة.

ترى أنقرة أن اليونان لم تكن صادقة أو جادة في المحادثات والمفاوضات السابقة من أجل التغلب على الصراع الدائر في شرق المتوسط، بهدف التوصل إلى اتفاق عادل يضمن حقوق تركيا المائية التي ترفض اليونان الاعتراف بها.

وتدرك أنقرة أن اليونان استغلّت بالفعل تراجع العلاقات بين تركيا من جهة ومصر وإسرائيل من جهة أخرى، وهما لاعبان مهمان في لعبة الشطرنج التي بسطت رقعتها فوق شرق المتوسط، وهذا ما دفع أنقرة إلى المضيّ قدماً في تحسين العلاقات مع مصر أولاً والآن إسرائيل.

ما تسعى إليه أنقرة ليس تهميش اليونان، بل وضع حد لسياسة التهميش التي تقوم بها اليونان ذاتها، سواء إزاء تركيا أو قبرص التركية، ولهذا السبب اهتمّت تركيا باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا 2019، وللسبب ذاته ترغب الآن بتكرار الخطوة نفسها مع مصر وإسرائيل.

وفي المقابل تنظر إسرائيل بإيجابية إلى النقاش مع تركيا حول هذه المسألة، بالطبع لا تريد تل أبيب التضحية بحليفيها اليونان وقبرص الرومية، لكنها تسعى لتصدير غازها إلى أوروبا عبر بوابة آمنة وبتكلفة معقولة، لا سيما مع ازدياد حاجة دول الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بديل غير روسيا لتصدير الغاز الطبيعي إليها.

التقارب التركي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية

بقي أن نتساءل عما لو كان هذا التقارب التركي-الإسرائيلي، سيلقي بظلاله على الموقف التركي تجاه فلسطين وقضيتها ومسألة شرق القدس بالتحديد؟

لا يرتبط هذا التقارب في الواقع بموقف تركيا من القضية الفلسطينية ودعمها لحلّ الدولتين والحفاظ على وضع شرق القدس بلا تغيير، فالهدف التركي من هذا التقارب في رأينا يتعلق بأسباب إقليمية بعيداً عن موقفها المعلوم ضد الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وسياساتها العدوانية في شرق القدس وأهلها، لذا فليس من المتوقع أن تتخلى أنقرة عن دعمها لسياسة حلّ الدولتين ورفض سياسة الاستيطان والضمّ.

لكن من ناحية أخرى فإن أي تطبيع للعلاقات بما في ذلك إعادة تعيين سفراء بين البلدين وفتح قنوات التواصل الدبلوماسية والأمنية، قد يخفف حدة أنقرة المعروفة تجاه إسرائيل، ويدفعها نحو الحديث بشكل مباشر مع هذه القنوات وإيصال ردّة الفعل التركية.

وقد يسمح هذا التطور إن حصل، لأنقرة بلعب دور في أي عملية تفاوض أو محادثات بين إسرائيل وحركة حماس، كما تفعل مصر الآن مثلاً، إذ تتمتع حركة حماس بوجود ونشاطات على الأراضي التركية.

سيزور الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ أنقرة فبراير الجاري، ولا شك أن مخرجات اللقاء ستكشف عن خارطة المرحلة المقبلة على المدى القريب، وسنرى إن كانت تل أبيب تحمل بجعبتها خطة توازن فيها ما بين النقاشات مع أنقرة من جهة، والحفاظ على حليفتها اليونان من جهة أخرى.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي