مراسم توقيع اتفاقية الماء مقابل الكهرباء في الإمارات بحضور المبعوث الأمريكي الخاص لتغير المناخ جون كيري (Others)
تابعنا

ولا يسعى فقط إلى تكريس مبدأ الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة وإنما إلى ضمّ الأردن إلى اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية. وفي السياق دمج إسرائيل في اقتصادات المنطقة ومشاريعها الإقليمية الكبرى، الأمر سيظل رسمياً بالطبع ولن يؤدي إلى تطبيع مجتمعي بأي حال من الأحوال في ظل رفض الشارع العربي العنيد والمصمم والمتصاعد، واستحالة أن يعم السلام والأمن والاستقرار في الإقليم بعيداً عن حل عادل وشامل ومستدام للقضية الفلسطينية يرتضيه أصحاب القضية أنفسهم.

إذن جرى التوقيع في مدينة دبي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على إعلان نوايا أو للدقة اتفاق "الكهرباء مقابل الماء" بين الإمارات والأردن وإسرائيل برعاية من الإدارة الأمريكية عبر مبعوثها الرئاسي للمناخ وزير الخارجية السابق جون كيري.

الاتفاق المموّل إماراتياً والذي سينفذ أيضاً بواسطة شركة إماراتية مدعومة حكومياً مختصة بمشاريع الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، يشمل إقامة مزارع شمسية ضخمة في الصحراء لتوليد الكهرباء وتصديرها إلى إسرائيل الذي ستستخدمه في احتياجاتها الخاصة، وتشغيل محطة تحلية مياه ضخمة على البحر المتوسط تتكفل بتزويد الأردن بـ200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.

الاتفاق الإقليمي بامتياز تم التفاوض عليه بين الأطراف الثلاثة بحضور وانخراط أمريكي مباشر عبر المبعوث الرئاسي للمناخ جون كيري، والأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة وإنما يهدف أساساً إلى توسيع اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، وضم الأردن إليها بعدما تحفّظ عليها سابقاً وتحديداً على القاعدة السياسية لها.

بدا لافتاً جداً أيضاً أن الإعلان عن اتفاق الكهرباء مقابل الماء جاء بالتزامن مع الذكرى السنوية الثلاثين لمؤتمر مدريد للسلام الذي تضمّن بُعداً إقليمياً لحظة تأسيس تعاون مشترك بين إسرائيل والدول العربية في قضايا وملفات متعددة مثل الاقتصاد والبيئة واللاجئين، ولكن على قاعدة التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين إسرائيل والدول العربية وفق قاعدة الأرض مقابل السلام وانسحاب الدولة العبرية من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان تنفيذاً لقراري مجلس الأمن 242 و338.

في التفاصيل يفترض أننا بصدد اتفاق ومشروع ثنائي بين الأردن وإسرائيل، وكان بالإمكان طلب تمويل أمريكي أو حتى عربي ودولي له، كما كان الحال مع مشروع قناة البحر الميت الذي لم يبصر النور في النهاية لصعوبات عدة تقنية ومالية ولعدم اقتناع المانحين والممولين بالجدوى الاقتصادية له على عكس المشروع الجديد.

بينما لم يعد خفياً أن الإمارات هي عرّابة وراعية الاتفاق الجديد واستعدت لتمويله وتنفيذه من خلال شركة إماراتية متخصصة مدعومة حكومياً، وبالتالي لم يكن غريباً أن يتم التوقيع عليه في مدينة دبي تحديداً على هامش معرض إكسبو 2020 والأهداف جلية واضحة أيضاً وتتمثل بتوسيع نفوذ أبوظبي، وتوسيع اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية من الباب الاقتصادي بما يسهم أيضاً في تقوية وتحصين مكانة الإمارات وزيادة نفوذها الإقليمي.

الأردن كان قد تحفظ على اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية التي استندت، على عكس مؤتمر عملية مدريد، إلى قاعدة سياسية تسعى لحل بل للدقة لتصفية القضية الفلسطينية وفق صفقة القرن الأمريكية التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بكل ما لذلك من تداعيات سلبية على الأردن نفسه في ركائز القضية الثلاث القدس واللاجئين والحدود.

بعد رحيل دونالد ترمب تجاهل خَلَفه جو بايدن صفقة القرن وعملياً جرت إزاحتها عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي لصالح العودة نظرياً إلى الخيار التقليدي، ما يعرف بحل الدولتين، كما تعاطت الإدارة الجديدة ببرود مع الاتفاقيات الإبراهيمية، ورفضت وزارة الخارجية حتى تداول هذا المصطلح في وثائقها الرسمية.

لكن وقبل شهور حدث تحول في الموقف الأمريكي، مع انطلاق المفاوضات الفعلية الهادفة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ثم المضي قدماً في تنفيذ خطة الانسحاب من أفغانستان التي كانت وضعتها إدارة ترمب الجمهورية السابقة ضمن انكفاء عام عن المنطقة بدأ أصلاً مع إدارة باراك أوباما الديمقراطية التي تبوأ بايدن وفريقه الحالي مناصب بارزة ورئيسية فيها.

لذلك عادت إدارة جو بايدن إلى دعم اتفاقيات التطبيع لتعويض وطمأنة الحلفاء العرب وإسرائيل عبر الحضور والرعاية والتشجيع ولو من الباب الاقتصادي، ولكن دون أن يصل الأمر إلى الاشتراك الفعلي في تخطيط وتمويل المشاريع خاصة بعد إيقاف صندوق الاستثمارات الإبراهيمية الثلاثي "الأمريكي والإماراتي والإسرائيلي" الذي أطلقته الإدارة السابقة لدعم مشاريع التطبيع الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل.

الاتفاق الجديد ورغم تهوين وزير المياه الأردني محمد النجار منه والإصرار على أنه مجرد إعلان نوايا ما ردّ عليه الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد مباشرة، نافياً ومتحدثاً عن اتفاق كامل الأوصاف منذ شهور وقابل للتطبيق وليس عن دراسة جدوى، ويلحظ توليد طاقة كهربائية نظيفة لصالح إسرائيل، مقابل إقامتها محطة تحلية لحل مشكلة مياه الأردن المزمنة.

توجد منافع سياسية واقتصادية وسياسية للأطراف الثلاثة، حيث ستدفع إسرائيل ثمن الطاقة النظيفة المقدر بـ180 مليون دولار سنوياً إلى الشركة الإماراتية والأردن، الذي سيدفع بالمقابل لإسرائيل ثمن المياه بسعر تشجيعي، فيما ستعزز الإمارات حضورها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وبالنسبة إلى إسرائيل وعوضاً عن الطاقة النظيفة فلا يقل أهميةً عن ذلك، التطبيع الجماعي مع الأردن والإمارات بعيداً عن الحل العادل للقضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية، كما جاء في مؤتمر عملية مدريد وتبنّته مبادرة بيروت 2002، بصفتها تُوافِق الحد الأدنى بين الدول العربية.

يطرح هذا تساؤلات عدة حول عدم إقامة المشروع كاملاً في الأردن نفسه وتحلية المياه في ساحل العقبة خاصة أن ثمة خطط أو أفكار موضوعة أصلاً لذلك، كما قال النائب صالح العرموطي، إضافة إلى وجود خطط مائية بديلة أيضاً للأردن لاستغلال أمثل لموارده المائية والطبيعية دون تقديم جوائز تطبيعية أو مكاسب اقتصادية لإسرائيل.

كما طرحت تساؤلات حول أسباب عدم تنفيذ المشروع في سياق ثنائي أو جماعي عربي، بالاتفاق مع الجيران في مصر والسعودية مثلاً.

وفي السياق السعودي كانت الرياض اعترضت على المشروع وطلبت إلغاءه ما أدى إلى تأجيل التوقيع عليه لعدة أيام بعد تأجيل لشهور قبل ذلك لتمرير الميزانية الرسمية في الكنيست، وتثبيت دعائم الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت، علماً أنه كان جاهزاً للتوقيع منذ سبتمبر/أيلول.

الاعتراض السعودي على الاتفاق جاء لتأثيراته السلبية على مشاريع الرياض العملاقة الخاصة بالاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة بما في ذلك مدينة نيوم، كما لكونه يعطي الأفضلية للإمارات في قيادة مشاريع اقتصادية إقليمية كبرى بتهميش للرياض وبعيداً عنها.

أما في الاستنتاجات والخلاصات فواضح أننا أمام تطبيع موصوف يشمل دمج إسرائيل في المنطقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً في ظل علاقات مميزة مع أبو ظبي وعمان ومتطورة مع القاهرة والرباط وعواصم عربية أخرى، ما يؤسس لتعاون عربي إسرائيلي إقليمي دون انسحاب الدولة العبرية من الأراضي العربية المحتلة ودون سلام مع الفلسطينيين يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. ويؤكد أننا أمام تنفيذ للبعد الإقليمي لمؤتمر مدريد دون قيام أمريكا بدورها كوسيط نزيه وفق قاعدة الأرض مقابل السلام التي استند إليها المؤتمر.

ورغم ما سبق كله يبدو التطبيع المجتمعي خاصةً بين إسرائيل والأردن صعباً، بل يكاد يكون مستحيلاً في ظل تصاعد الرفض الشعبي الأردني وتطور معارضة التطبيع إلى المطالبة بإصلاحات دستورية وسياسية وعقد اجتماعي جديد كما رأينا في تظاهرات الأسبوع الماضي وقبل ذلك وبعده نتيجة للحقيقة الراسخة باستحالة تحقيق سلام وأمن واستقرار في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً ومستداماً يرتضيه أصحاب القضية أنفسهم.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي