لقاء افتراضي عبر الإنترنت يجمع الرئيس جو بايدن مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في واشنطن، 11 أبريل 2022. وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ (في الوسط) ووزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار (على اليمين) (AP)
تابعنا

تنفق منظمات تابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند مئات آلاف الدولارات لتعميم إيديولوجيا سياسية مثيرة للجدل تستمدّ قوتها من إهانة المسلمين وتشويه سمعتهم تُدعى "هندوتفا".

لقد وصلت الفاشية إلى الولايات المتحدة، ولكن هذه المرة من مصدر غير متوقَّع يتمحور حول شريحة متنامية من مجتمع المهاجرين الهنود، تحديداً أولئك الذين أصبحوا متطرفين من قبل الإيديولوجيا اليمينية والقومية المتطرفة هندوتفا.

إنها كارثة لم تُكتشف جذرياً إلى أن نظّمَت جمعية الأعمال الهندية (IBA) مظاهرة احتفالية بمناسبة يوم استقلال الهند في إديسون، نيو جيرسي، تضمنت وجود جرَّافة مزيَّنة بملصقات الشخصيات القومية الهندوسية البارزة، منهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس وزراء ولاية أوتار براديش يوغي أديتياناث.

لا ترمز الجرافة إلى الهدم غير القانوني للمنازل والشركات الإسلامية في الهند وحسب، بل ترمز أيضاً إلى أحدث سلاح في سعي الحكومة الهندية للسيطرة على الأقليات. وقد وُصفت هذه السياسة بـ"عدالة الجرافة"، وتؤشر إلى أداة للإبادة الجماعية، ويُتغاضي عنها الآن في الشوارع الأمريكية.

وشهد الحاضرون في التجمع في إديسون أيضاً مغتربين هنوداً يهتفون: "جاي سري رام"، وهو نوع من التبجيل الورع لـ"اللورد راما" استخدمه القوميون الهندوس كسلاح لترهيب وتهديد الأقليات الدينية في الهند. عادة ما يكون هتاف "جاي سري رام" آخر الكلمات التي يسمعها المسلم قبل تَعرُّضه للاعتداء أو حتى الإعدام.

نشهد نوعاً من تسلُّل إيديولوجيا الهندوتفا بين الشتات الهندي في الولايات المتحدة، وهي إيديولوجيا تستعير معتقداتها المتعلقة بالإبادة الجماعية والكره من الحركات الفاشية الأوروبية في القرن العشرين، بما في ذلك الحزب النازي. لكن هذا التسلل إلى الفضاءات السياسية والمدنية في البلاد يحدث دون أن يُرصَد على الإطلاق.

لا يسَع المرءَ إلا أن يتخيل الغضب العامّ، من جميع مستويات المجتمع الأمريكي، الذي سيشاهد تجمُّعاً حاشداً نظمه النازيون، ويهتفون "هيل هتلر" (يحيا هتلر). في المقابل وأمام هذه الصورة الحالية فلم يُدِن أي زعيم سياسي في الولايات المتحدة على المستوى الوطني عملية تَسرُّب التطرف إلى المهاجرين الهنود في إديسون الذين يمجّدون اضطهاد المسلمين وسلب ممتلكاتهم.

في الواقع، حضر المسيرةَ قادة سياسيون على مستوى الولاية والمستوى الوطني، بمن فيهم رئيس جمعية نيوجيرسي كريج كوغلين وعضو الكونغرس الديمقراطي فرانك بالوني، على الرغم من أن التجمع يمثل احتفالاً صريحاً بالاضطهاد القائم على الدين في الهند، وعلى الرغم من أن واشنطن عبرت مؤخراً عن قلقهما إزاء ارتفاع انتهاكات موظفي الحكومة في الهند حقوق الإنسان ضدّ الأقليات الدينية.

علاوة على ذلك، لا يمكن اعتبار المشاهد القبيحة التي شوهدت في نيوجيرسي تصرفات أقلية هامشية، بل هي انعكاس لنفس السياسات البغيضة والتمييزية التي تبنّتها الحكومة القومية الهندوسية اليمينية المتطرفة في دلهي.

من الواضح أن منظمي الحدث ومؤيديه قصدوا إرسال رسالة لا لبس فيها، وتقشعرّ لها الأبدان في ذات الوقت، مُوجِعة للمسلمين الأمريكيين من أصول هندية والمسيحيين والداليت والأقليات الأخرى: "لستم في مأمن من الاضطهاد حتى هنا في الولايات المتحدة".

يسعى مشروع الهندوتفا إلى الإقصاء، لأن أتباعه في الحكومة يهدفون إلى تحويل هوية الهند العلمانية والمتعددة الثقافات إلى دولة ذات توجُّه واحد. ولتحقيق ذلك فإنهم لم يتركوا أي أداة على الطاولة إلا استخدموها، بما في ذلك الجرافة.

يشرع القوميون الهندوس قوانين تمييزية، فيما يشجعون العنف في الشوارع لتحقيق هذا الهدف في كل من الهند وخارجها، كما يتضح من هجوم ارتكبه القوميون الهندوس ضدّ المتظاهرين الأمريكيين الهنود الذين كانوا يحاولون نشر الوعي بشأن اضطهاد المسلمين والداليت في الهند في 15 أغسطس/آب الماضي. أحد المتظاهرين قال: "لقد دفعونا ونادونا بالمسلمين الأغبياء والإرهابيين، وسألونا: هل أنتم باكستانيون؟".

وقد وصف المجلس الإسلامي الهندي الأمريكي الهجوم بأنه "غير مسبوق"، في حين حذّر من أن صعود الهندوتفا في الولايات المتحدة مشكلة لا ينبغي للقانون تجاهلها.

في العام الماضي عارضت الجماعات اليمينية الهندوسية في الولايات المتحدة بشدة مؤتمراً أكاديميّاً حول الهندوتفا. استُهدفَ الصحفيون ونشطاء حقوق الإنسان والأكاديميون الأمريكيون الذين شاركوا في أول مؤتمر واسع عبر الإنترنت حول الهندوتفا في الولايات المتحدة، بالاغتصاب والتهديد بالقتل، فيما تعرضت الجامعات، بما فيها هارفارد وستانفورد، لما يقرب من مليون بريد إلكتروني وآلاف من الرسائل العشوائية.

كانت حملة البريد الإلكتروني هذه مدفوعة بالمؤسسة الهندوسية الأمريكية (HAF)، وهو اسم لمنظمة تروّج وتشجع نشر الهندوتفا، وهي إيديولوجيا سياسية لا تعبّر بالضرورة عن الهندوسية ديناً.

أُثيرَ الجدل حول منظمة "HAF" في كاليفورنيا قبل عدة سنوات، عندما دخلت شراكة مع مؤسسة التعليم الهندوسي (HEF)، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة تابعة لمنظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" اليمينية المتطرفة (RSS)، للضغط على وزارة التعليم بالولاية لتضمين مواضيع تتعلق بالقومية الهندوسية في الكتب المدرسية، بما في ذلك توصيف المسلمين على أنهم غزاة خارجيون.

يُدعَم هذا التوجه والضغط العدواني بعشرات الملايين من الدولارات، كما هو واضح في تقرير حديث وجد أن سبع مجموعات هندوتفا مقرها الولايات المتحدة قد أنفقت أكثر من 158 مليون دولار على مشاريع مختلفة في أمريكا خلال العقدين الماضيين، بما في ذلك التأثير في أعضاء الكونغرس لدعم سياسات حزب بهاراتيا جاناتا اليميني المتطرف في الهند.

جنّدت هذه المجموعات أيضاً بالليرة عديداً من المشرعين على المستوى الوطني ومستوى الولايات في الآونة الأخيرة، بما في ذلك عضو الكونغرس السابقة تولسي غابارد، وعضو الكونغرس رجا كريشنامورثي (ديمقراطي عن إلينوي) وممثل ولاية ميشيغان بادما كوبا، وممثل ولاية تكساس السابق سري كولكاني.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة وقعت في نفس العام بمناسبة الذكرى العشرين لمذبحة غوجارات الهندية، حيث تَعرَّض أكثر من 2000 مسلم للقرصنة والحرق والقتل بالرصاص على يد القوميين الهندوس المتطرفين، الذين أخذوا إشاراتهم من حكومة قومية هندوسية، بقيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي.

لكن على مدار العقدين الماضيين لم يكتفِ مودي وأنصاره بالتحريض على الإبادة الجماعية، بل قلّلوا أيضاً أهمية العنف الذي حدث خلال ثلاثة أيام من الاغتصاب والقتل.

مع ذلك، يحتفل القوميون الهندوس اليوم علانية بالإبادة الجماعية في غوجارات، حتى إنهم يمجّدون علناً الأحد عشر شخصاً الذين أُدينوا باغتصاب جماعي لامرأة مسلمة حامل قبل عشرين عاماً وأُفرِجَ عنهم مبكراً على الرغم من حصولهم على عقوبة السجن المؤبد. وهذا فعل لا يهدف إلى محو وإنكار جرائم الإبادة الجماعية، بل يمجّدها. هذا الإفراج المبكر يهدف إلى جعل اغتصاب وقتل المسلمين مصدر فخر وطني.

بهذا المعنى تأخذ القوى القومية الهندوسية إلهامها من القوات القومية الصربية في البوسنة والهرسك اليوم، إذ يُستبدل بإنكار الإبادة الجماعية في سربرنيتسا الاحتفالُ بأولئك الذين قتلوا أكثر من 8000 من المسلمين البوسنيين في عام 1995.

في الهند اليوم، نشهد تنامي جهد منظَّم لجعل مودي بطلاً قوميّاً لدوره الذي لا يمكن إنكاره في الإبادة الجماعية في غوجارات، ولإقصاء المسلمين، وهي محاولة تجري الآن في الشوارع الأمريكية على مرأى من الجمهور الأمريكي.

لقد وصلت الفاشية إلى أمريكا، ولكن ليس بشكل يسهل التعرُّف عليه. على القادة السياسيين والمدنيين في البلاد الاستجابة لهذا التهديد الجديد والناشئ للديمقراطية والتعددية ورفاهية ملايين المهاجرين الأمريكيين الهنود. تستمدّ الهندوتفا حمضها النووي الإيديولوجي من النازية، ويجب مواجهتها وفقاً لذلك.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي