عربة عسكرية تابعة لإحدى الفصائل المسلحة في العراق. (Others)
تابعنا

إذ كان نظام صدام حسين عاملَ قلقٍ لدول المنطقة، بسبب عدم توقع قراراته والجرأة الواضحة في اتخاذ أي قرار يخرج من مكتب الرئيس، مهما كان ذلك القرار وأياً كانت تداعياته.

وفي سنوات ما بعد الغزو والاحتلال الأمريكي، أكد مسؤولون عراقيون وتقارير أمنية تورطَ عدد من دول المنطقة في زعزعة أمن العراق، ودعم جهات مسلحة متصارعة وأخرى سياسية أذكت الصراع الطائفي والقومي وحوّلت البلاد إلى ساحة حرب إقليمية ودولية وتصفية حسابات غير معلنة.

فما كاد العراق أن يهدأ، حتى اشتعلت نيرانه مجدداً، وما تنفست بعض مدنه بشيء من الاستقرار حتى أعيد تدميرها، ليصبح واحداً من أقل بلدان العالم استقراراً وأضعفها أمناً، بالإضافة إلى كونه مُستَقرَّاً للجماعات المسلحة والمتطرفة والفساد بجميع أنواعه.

وينشط في العراق عدد كبير من الجماعات المسلحة من أبرزها داعش، وفصائل ما يُعرف بـ "تنسيقية المقاومة" والتي تضع قدماً أخرى في هيئة الحشد الشعبي، فانضمت جميع الفصائل الشيعية تحت راية الحشد الشعبي الذي أصبح مؤسسة رسمية سنة 2016 بعد أن صوّت مجلس النواب على قانون ينظم وجوده بصفة رسمية داخل الدولة العراقية، وهذا منح للفصائل فرصة أن توجد وتتسلح وتفتح مقاراً وتموّل بشكل رسمي، إذ صنفت ألوية الحشد كل لواء من فصيل محدد، مثال ذلك: اللواء 14 يتبع كتائب سيد الشهداء، والألوية 45، 46 ،47 تتبع كتائب حزب الله.

وهكذا تشكل 50 لواءً عسكرياً داخل هيئة الحشد وزعت على مناطق مختلفة وتكدست معظمها في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش (المناطق السنية) والمناطق الحدودية، خصوصاً تلك التي تربط العراق بالدول العربية وعلى طول الشريط الحدودي، حيث تتنقل عدة فصائل بين العراق وسوريا، للقتال مع قوات النظام السوري ومن أبرز تلك الفصائل: كتائب حزب الله ولواء كفيل زينب والطفوف وأبو الفضل العباس والعصائب والنجباء والبدلاء وسيد الشهداء والإمام علي والخراساني وجيش المؤمل وبدر/ الجناح العسكري وسيد الشهداء وسرايا الجهاد وفصائل أخرى.

تدخّل الفصائل الشيعية المسلحة في الشأن الإقليمي لم يقتصر على سوريا، وشيئاً فشيئاً أصبح العراق أحد أبرز مصادر التهديد الأمني لدول المنطقة من خلال سلاح تلك الفصائل التي تظهر وكأنها غير مسيطر عليها، ولكنها بشكل فعلي مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وتدار بشكل مباشر منه وتحصل منه على التدريب والخبرات والتوجيهات وحتى السلاح المتطور مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

وفي 2019 تعرضت شركة أرامكو السعودية ومنشآتها النفطية لهجوم نوعي وخطير، قالت شبكة سي إن إن الأمريكية إن الهجوم "جرى بطائرات مسيرة انطلقت من الأراضي العراقية"، في وقت تبنت فيه جماعة الحوثي الهجوم الذي استهدف مصنعيْن كبيريْن للشركة السعودية.

واستمرت تهديدات الفصائل الشيعية المسلحة في العراق للمصالح الخليجية وخصوصا السعودية والإماراتية. ولكن الهجوم النوعي الآخر شُنّ في أغسطس/آب 2021 بـ 3 صواريخ ضربت قاعدة أمريكية في الكويت بالقرب من معبر جريشان الحدودي مع العراق، وانطلقت الصواريخ الثلاثة من البصرة واستهدفت حظيرة سيارات القوات الأمريكية في القاعدة العسكرية.

واستمر النسق الهجومي من الفصائل الشيعية المسلحة تجاه الدول الإقليمية والخليجية، إذ استهدفت قاعدة زيليكان العسكرية التركية في محافظة نينوى شمالي البلاد بالصواريخ عدة مرات، في حين تصاعد التهديد عبر المنصات الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الخطب والبيانات الرسمية لتلك الفصائل، حتى جاء الهجوم الأبرز الذي استهدف 4 منشآت حيوية في أبو ظبي الإماراتية بـ 4 طائرات مسيرة.

وللمرة الأولى يتبنى فصيل عراقي هجوماً خارج الحدود، إذ أعلن فصيل ألوية الوعد الحق مسؤوليته عن الهجوم، ولكن هذا الفصيل اسم وهمي أو يمكن اعتباره تمويها لعصائب أهل الحق أو كتائب حزب الله أو غيرها من الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران والناشطة في العراق. إذ ظهرت في السنتين الأخيريتين أسماءٌ حركيّة كثيرة تبنت قصف قواعد عسكرية توجد فيها قوات أمريكية والمنطقة الخضراء، بالإضافة إلى استهداف أرتال الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية، مثل فصيل أصحاب الكهف ووقاصمقاصم الجبارين وغيرهم.

تمكنت الفصائل الشيعية المسلحة من السيطرة على عدة مناطق بعد استعادتها من تنظيم داعش، وعلى الرغم من بسط نفوذها على جميع تلك المناطق، فإنها احتفظت بـ 13 منطقة لها وحولتها إلى مناطق منزوعة السكان، ومن أبرز تلك المناطق: ناحية جرف الصخر شمالي بابل، فحولت هذه المنطقة التي كان يقطنها أكثر من 150 ألف نسمة حتى عام 2014 إلى منطقة عسكرية يمنع الدخول إليها على مستوى أعلى السلطات الرسمية.

إذ أشارت تقارير وجهات سياسية إلى أن الناحية تحولت إلى ثكنة عسكرية تديرها كتائب حزب الله بإشراف من الحرس الثوري الإيراني، وتوجد في تلك المنطقة والمناطق المحيطة بها منشآت وشركات استخدمت قبل 2003 لتصنيع السلاح والذخيرة، مثل منشأة حطين في جرف الصخر، والتي كانت تتبع هيئة التصنيع العسكري حيث كان يصنع فيها السلاح وذخيرته. وحسبما كشفت عنه تقارير محلية فإن الفصائل المسلحة شرعت في السنوات الأخيرة بصناعة الصواريخ والطائرات المسيرة والذخيرة في جرف الصخر، بالإضافة إلى إنشاء سجون سرية ومراكز استخبارات وتحقيقات وتدريب. وتتميز المنطقة بكثافة بساتينها وجريان نهر دجلة يوفر المياه العذبة لها، ما جعل منها أرضاً مثالية للتدريب والتصنيع، دون تمكين أي جهة من المراقبة بشكل جيد على تلك الأعمال.

وتعدّ جرف الصخر أقرب منطقة إلى الأنبار وكربلاء وبغداد، ومنها تنطلق الفصائل إلى صحراء الأنبار حيث الحدود مع الأردن وسوريا، إذ تنتشر الفصائل الشيعية المسلحة مثل كتائب حزب الله وسيد الشهداء وأجنحتها من الألوية المنضوية في الحشد الشعبي على طول الشريط الحدودي وخصوصاً في قضاء القائم، في وقت استغلت فيه الفصائل الشيعية المسلحة بالتنسيق مع الحكومة العراقية والسلطات في محافظة كربلاء ظروف الحرب ضد داعش ونزوح السكان، واستقطع قضاء النخيب من محافظة الأنبار وربط بمحافظة كربلاء، لتصبح كربلاء حدودية مع السعودية ولتكون إدارة النخيب تحت سلطة حكومة كربلاء التي عزلته عن الأنبار بحفر خندق كبير على طول الحدود بين المحافظتين، وبذلك تكون جميع الدول المجاورة للعراق باستثناء تركيا، وإيران بطبيعة الحال، على مرمى نيران الفصائل المسلحة وبالفعل معظمها تعرضت لهجمات بنسق تصاعدي.

اللافت في ملف الفصائل المسلحة، أنها على الرغم من كل المخاطر التي تزج بها العراق على المستويين المحلي والدولي، فإنها تحظى بدعم رسمي من الدولة العراقية التي توفر لها المرتبات العالية، إذ يتقاضى المنتسب إلى الحشد الشعبي والمنتمي إلى فصيل شيعي مسلح في الوقت نفسه قرابة 1000 دولار أمريكي في الشهر وهذا المرتب بالنسبة للجندي، في حين يحظى الضابط براتب أعلى من ذلك.

هذا فضلاً عن دعم المراجع الدينية، إذ يتكئ قادة الفصائل على فتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، في تشكيل فصائلهم والتطوع لها، ويؤكدون أن الفتوى لا تزال قائمة، في وقت توجد فيه 4 فصائل مقربة من السيستاني تسمى اليوم حشد العتبات. بالإضافة إلى دعم سياسي، فللفصائل المسلحة تمثيل سياسي ولها عدد من الأعضاء في مجلس النواب تحت مسمى تحالف الفتح وكتل سياسية أخرى انضوت جميعها في الإطار التنسيقي الشيعي.

وتلوّح الفصائل الشيعية المسلحة بالتصعيد محلياً وتهديد السلم الأهلي في حال أُقصي الإطار التنسيقي الشيعي من تشكيل الحكومة، في وقت هددت فيه عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بضرب أبراج في الإمارات ومنشآت سعودية، بحجة دعم جهات سياسية في العراق تدعم التطبيع مع إسرائيل، فهل تعي دول المنطقة حجم الخطر المحدق بها؟ وهل يمكن للحكومة المقبلة السيطرة على ملف الأمن وضبط فصائل سبق أن استهدفت بيوت رؤساء الرئاسات الثلاث؟

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً