تابعنا
هدّد الرئيس ترمب بـ"مراقبة" مواقع وسائل التواصل الاجتماعي بسبب "الرقابة التي باتت تفرضها على المواطنين الأمريكيين". يأتي هذا التهديد ضمن الحملة التي يشنّها الرئيس منذ فترة على شركات وادي السيليكون التي يتهمها دوماً بالانحياز للديمقراطيين.

بعد طول انتظار لكثيرين، وفي خطوة كبيرة، أقدمت شركة فيسبوك أخيراً على حظر المتطرف اليميني أليكس جونز الداعم الكبير للرئيس دونالد ترمب، وأحد أبرز المتبنين لنظرية المؤامرة، ومؤسّس موقع Infowars المثير للجدل.

شمل الحظر أيضاً أسماء أخرى تُعتبر صاحبة تاريخ في إثارة خطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي من أمثال لويس فاراخان الذي وُجّهت إليه اتهامات كثيرة ومتكررة بمعاداة السامية، وأبرزها بسبب الفيديو الشهير الذي نشره فاراخان ويشبّه فيه اليهود بالنمل الأبيض، وهو الفيديو الذي حذفه فيسبوك السنة الماضية.

كما حُظرت حسابات مليو يانوبولوس، وبول جوزيف واتسون، ولورا لومر، في كل من فيسبوك وإنستغرام. وعلى الرغم من أن حظر حسابات هذه الشخصيات ليس بالأمر الجديد، إذ حظرت منصة تويتر يانوبولوس عام 2016، ولومر العام الماضي بسبب نشره معلومات مغلوطة عن النائبة الديمقراطية المسلمة إلهان عمر، إلا أن توقيت الحظر لا شكّ يحمل دلالات سياسية واضحة للعيان، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وقد كانت هذه الخطوة من عملاق منصات التواصل الاجتماعي صدمة لقادة وأتباع تيار اليمين، ففي فيديو على موقعه Inforwars دعا جونز الرئيس ترمب إلى سرعة التحرك لمعاقبة فيسبوك على هذه الخطوة، إذ عدّها خرقاً للدستور الأمريكي الذي يجرّم التعدي على حرية التعبير. ولم ينسَ أيضاً أن يضع هذه الخطوة في سياق المعركة الانتخابية معتبراً أن خطوة فيسبوك هذه تهدف إلى التأثير على الانتخابات الرئاسية التي ستُجرَى عام 2020 تجاه حرمان الرئيس من فرصة إعادة انتخابه.

لم يتأخر الرئيس ترمب في الرد، ففي نفس يوم الحظر، وهو يوم الجمعة الماضية الثالث من مايو/أيار 2019، نشر الرئيس عدة تغريدات على تويتر تشير إلى مقدار امتعاضه من هذه الخطوة.

وهدّد الرئيس ترمب بـ"مراقبة" مواقع وسائل التواصل الاجتماعي بسبب "الرقابة التي باتت تفرضها على المواطنين الأمريكيين". يأتي هذا التهديد ضمن الحملة التي يشنّها الرئيس منذ فترة على شركات وادي السيليكون التي يتهمها دوماً بالانحياز للديمقراطيين. وهي محاولة من الرئيس لشَنّ حملة مضادّة يستثمرها من أجل رصّ صفوف قاعدة الأمريكيين البيض للذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت له مجدداً.

لا يمكن اعتبار خطوة فيسبوك جزءاً من المهاترات الانتخابية التي يحاول الترويج لها الرئيس ترمب ومَن حوله من أبواق اليمين المتطرف بل هي جزء من سياسة الشركة في ملاحقة خطاب الكراهية والمحرضين عليه على منصاتها.

إقبال بن قايد حسين

لا يمكن اعتبار خطوة فيسبوك جزءاً من المهاترات الانتخابية التي يحاول الترويج لها الرئيس ترمب ومَن حوله من أبواق اليمين المتطرف، بل هي جزء من سياسة الشركة في ملاحقة خطاب الكراهية والمحرضين عليه على منصاتها، خصوصاً بعد الاتهامات التي طالتها مؤخراً على أثر حادثة مجزرة المسجدين في نيوزيلندا.

ففي تعليقها على الحادثة قالت شركة فيسبوك إن هذا الحظر يأتي ضمن سياسة الشركة المتبعة ضدّ "الأفراد والمنظمات الخطرة"، وأكدت أن هذه الخطوة تأتي بعيداً عن الاعتبارات الآيديولوجية، هدفها الأساسي مكافحة الترويج للعنف والكراهية، وصدّ أولئك المنخرطين بها، والعاملين على نشرها.

لا شك أنه يمكن عَدّ إجراء فيسبوك خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن علينا إبراز نقطتين مهمتين: الأولى تتعلق بنطاق الحظر، والثانية بطبيعته من الناحية التقنية.

في ما يتعلق بالنقطة الأولى فإن حظر هذه الشخصيات شيء إيجابي. صحيح أن هؤلاء لن يختفوا عن الظهور في مواقع أخرى، فشبكات التواصل الاجتماعي لا تمثل إلا جزءاً من عالم الإنترنت الواسع والمنتشر على نطاق واسع، فشخصية مثل جونز لها موقع وبرامج على التليفزيون والراديو، لذلك فإن خطاب الكراهية الذي ينشره سوف يجد له سبلاً كثيرة للوصول إلى الجمهور.

لهذا فان المشكلة هنا لا تتعلق بالوسيلة، بل بالرسالة التي تجد لها حاضنة سياسية واجتماعية مدعومة من قوى نافذة على رأسها الرئيس ترمب.

بالتالي إذا كان على كوكب الأرض أحد لا بدّ أن يُحظَر لأنه الأكثر والأقوى في نشر خطاب الكراهية، فهو الرئيس ترمب نفسه. وقد يكفي أن نتخيل مقدار التأثير الذي يحظى به الرجل الأقوى في العالم من خلال منصات التواصل الاجتماعي. تتجلى هذه القوة في عدد متابعيه على تويتر الذين يقرب عددهم من 60 مليوناً. ونشر ترمب أكثر من 42 ألف تغريدة، ويحتل المرتبة الثالثة عشرة ضمن قائمة المئة شخصية وعلامة تجارية الأكثر متابعة على تويتر.

إذا كان على كوكب الأرض أحد لا بدّ أن يُحظَر لأنه الأكثر والأقوى في نشر خطاب الكراهية فهو الرئيس ترمب نفسه.

إقبال بن قايد حسين

لقد امتلأ حساب الرئيس ترمب بمئات إن لم يكُن بآلاف التغريدات التي تعبّر عن الكراهية والعنصرية ضد السود، والنساء، والمسلمين، ومعاداة السامية. وبحكم موقعه رئيساً للولايات المتحدة فإن تغريداته تأخذ طابعاً سلطويّاً، إذ قد يأتي بعضها معبّراً عن سياسات تتخذها إدارته، مثل تلك التي حظرت على المسلمين دخول الولايات المتحدة.

أما النقطة الثانية فتتعلق بالطبيعة التقنية لعملية الحظر. تتبين هذه إشكاليتها من خلال التذكير باستحالة مراقبة مليارَي حساب على منصة فيسبوك ينتج أصحابها مليارات البوستات يوميّاً. يراقب فيسبوك المحتوى بتبنِّي وسيلتين رئيسيتين اثنتين: الذكاء الاصطناعي المعتمد على الخوارزميات، والمراقبين البشرين سواء داخل فريق فيسبوك أو المراقبين المستقلين الذين يتعاقد معهم فيسبوك والمنتشرين في مناطق كثيرة في العالم.

بالنظر إلى هذه الحقائق لا يمكن أن نتجاوز قضية الانحياز التي قد يقع فيها فيسبوك عند التعامل مع محتوى معيَّن يسعى لحظره، فآليات الحظر تخضع لسياسات نشر معيَّنة اتُّفق عليها داخليّاً ضمن فريق فيسبوك، وهذا يعني أن هذه السياسات هي نتاج للثقافة النيوليبرالية الغربية التي قد لا تتناسب مع الثقافات التي يزخر بها عالمنا المعاصر اليوم.

امتلأ حساب الرئيس ترمب بمئات إن لم يكُن بآلاف التغريدات التي تعبّر عن الكراهية والعنصرية ضد السود والنساء والمسلمين، ومعاداة السامية.

إقبال بن قايد حسين

على سبيل المثال، يكفي النظر إلى طريقة تعامل فيسبوك مع الصراع الفلسطيني-الصهيوني، فقد حظر فيسبوك وأزال عشرات المواقع المؤيدة للرواية الفلسطينية في الصراع مع الكيان الصهيوني من باب أن محتوى هذه الصفحات يبعث على الكراهية والعنف. إن عدم تفريق فيسبوك بين خطاب الكراهية والحقّ في مقاومة قوى الاستعمار التي تحتلّ الأرض وتجبر سكانها على الرحيل وتفرض عليهم صنوف الحصار والتجويع والتعذيب، يُعتبر مخالفة أخلاقية، ومثالاً صارخاً لازدواجية المعايير.

بالأخير إن خطوة فيسبوك الأخيرة -على أهميتها- غير كافية لمحاربة خطاب الكراهية، بل يحتاج فيسبوك وغيره من شركات تكنولوجيا المعلومات إلى سياسة جامعة تضمّ ممثلين عن الثقافات والحضارات كافة للجلوس والتباحث في ميثاق شرف متفَق عليه بين الجميع من أجل محاربة خطاب الكراهية وتجنُّب الوقوع في الخلط المخلّ بين خطاب الكراهية والحق في مقاومة الاحتلال والدفاع عن النفس.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً