India Russia (Uncredited/AP)
تابعنا

فهي الحليف القوي للولايات المتحدة في آسيا، وفي الوقت ذاته ترتبط بعلاقات تاريخية وثيقة مع روسيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، منذ نحو 70 عاماً وتوجت بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون بينهما عام 1971.

لكن إدانة الحرب من قبل معظم حلفاء واشنطن، جعل صمت الهند تجاه الأزمة مريباً وملحوظاً، وسط مطالبات صريحة لها بالخروج من المنطقة الرمادية.

فالهند تشكل الضلع الرابع في تحالف "الحوار الأمني الرباعي" (كواد) الذي تقوده الولايات المتحدة بمشاركة كل من أستراليا واليابان، لكنها واجهت وضعاً أشبه بالعزل خلال اجتماع التحالف الأخير في فبراير الماضي، والتزم وزير الخارجية الهندي الصمت وسط دعوات شركائه إلى إدانة التوجهات الروسية "للعدوان على أوكرانيا".

لدى نيودلهي مخاوف حقيقية من أن تبرز بكين كأحد المستفيدين القلائل من الصراع الناشئ في أوروبا، لأن التوتر يدفع روسيا إلى الاقتراب من الصين، وبالتالي الاعتماد عليها بشكل أكبر لمواجهة العقوبات.

محمود العدم

وخلافاً لموقف دول هذا التحالف، تواصل الهند علاقاتها مع روسيا، وقد امتنعت عن التصويت على ثلاثة قرارات أممية تدين الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، كما أنها لا تزال تحافظ على علاقاتها الاقتصادية دون استجابة إلى برنامج العقوبات الغربي على موسكو بما فيها شراء النفط والغاز الروسي.

اختصرت الولايات المتحدة نظرتها إلى الموقف الهندي بكلمتين لميرا راب هوبر مديرة منطقتي المحيط الهندي والهادي في مجلس الأمن القومي الأمريكي، إذ وصفته بأنه "ليس مفاجئاً"، وتحمل هاتان الكلمتان مقداراً كبيراً من الحنق والغضب تجاه نيودلهي وموقفها من الحرب.

لكن تصريحات زميلها رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ريتشارد هاس، كانت أكثر تعبيراً عن خيبة الأمل في واشنطن من موقف نيودلهي، حين قال إن "حرص الهند على عدم إثارة غضب بوتين بأي ثمن يوضح أنها غير مستعدة لتحمل مسؤوليات القوى العظمى، أو لأن تكون شريكاً يُعتمد عليه".

علاقات تاريخية

المتابع لتاريخ العلاقات بين الهند وروسيا يدرك الحرج الكبير الذي تعانيه نيودلهي من موقفها هذا، ويدرك السر الذي يدفع واحدة من دول العالم النووية للنأي بنفسها عن الانحياز لأي طرف.

سياسياً، تحفظ الهند لروسيا موقفها الداعم لها في قضية كشمير، فقد استخدمت موسكو حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن الدولي لتدويل قضية الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان، لتبقى القضية أزمة ثنائية فقط بين إسلام آباد ونيودلهي.

وعلى مدى العقدين الماضيين، ارتفعت صادرات السلاح الروسية إلى الهند من 195 مليون دولار أمريكي في العام 2000، إلى 19 مليار دولار في عام 2020، مع توقعات بنمو متصاعد خصوصاً بعد أن وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 28 اتفاقية خلال زيارة نيودلهي في ديسمبر 2020.

كما شهد ديسمبر من العام الماضي زيارة تاريخية للرئيس الروسي إلى نيودلهي تزامنت مع وصول الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الروسية "S-400" إلى الهند.

ويدفعنا هذا إلى إلقاء نظرة قريبة على ما يميز العلاقات الهندية الروسية في مجال صفقات السلاح، وهو أن أكثر من 60% من ترسانة السلاح الهندية من الصناعات الروسية، كما أن موسكو منحت نيودلهي امتيازات خاصة فيما يتعلق ببرامج الدفاع المشتركة، مثل دمج الأسلحة المصنوعة محلياً في الطائرات المقاتلة والسفن البحرية، وهو ما لم تسمح به الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا.

وتمتلك الهند نحو 3500 دبابة قتالية من أصل روسي مُصنّعة في الهند بموجب ترخيص، وأسطولاً من مقاتلات سوخوي وميغ، إضافة إلى حاملة الطائرات الوحيدة التي تمتلكها الهند.

وحسب المعهد الدولي للدراسات الأمنية، لا تزال هناك صفقات سلاح بين نيودلهي وموسكو في طريقها إلى التنفيذ من بينها استكمال أنظمة الدفاع الجويS-400 بعيدة المدى، إضافة إلى 4 فرقاطات وغواصة تعمل بالطاقة النووية.

كما أن الهند مضطرة إلى المضي قدماً في استكمال صفقة S-400 الذي يمنحها ردعاً استراتيجياً حاسماً في مواجهة الصين وباكستان، رغم تلويح واشنطن بالعقوبات التي يفرضها قانون "مكافحة أعداء أمريكا" (كاتسا)، الذي خضعت له دول أخرى بسبب صفقات مماثلة.

ويفوض هذا القانون الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على أي دولة تبرم صفقات دفاعية مع روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية.

ماذا عن النفط؟

تعتبر الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، وهي تستورد ما يقرب من 85% من احتياجاتها من النفط الخام، لكن التطورات على الساحة الدولية شكّلت تحديات كبيرة لأمن الطاقة في الهند، التي اضطرت تحت الضغوط الغربية إلى وقف استيراد النفط من إيران وفنزويلا، وفي ظل الارتفاع الحاد لأسعار النفط بعد اندلاع النزاع في أوكرانيا، فلا بد لها من البحث عن مصادر تنافسية بديلة.

واشترت شركة النفط الهندية الحكومية 3 ملايين برميل من النفط الخام من روسيا لتأمين احتياجاتها من الطاقة، مقاومة الضغوط الغربية لتجنب مثل هذه الصفقات، كما وضعت نيودلهي آلية تعامل بالعملات الوطنية لتمويل واردات النفط الروسي، لكنها واجهت -وفق وسائل إعلام محلية- ضغوطاً أمريكية لوقف هذه الإجراءات.

ومن المتوقع أن تقدم روسيا عروضاً جديدة للهند لمضاعفة حصتها في سلة الطاقة الهندية، خصوصاً مع التوقعات بأن يقفز الطلب الهندي على النفط إلى نحو 5.15 مليون برميل يومياً.

اختبار حقيقي

أمام هذه الوقائع تبدو الهند في موقف لا تحسد عليه، وهي أمام اختبار دبلوماسي حقيقي لموازنة علاقاتها بين حليفها الروسي القديم وشريكها الأمريكي الجديد، كما أنها في الوقت ذاته لا تمتلك من أوراق القوة ما يمنحها الفرصة لأن تتقدم بمبادرات حقيقية للمساهمة في حل الأزمة، أو للعب دور وسيط بين الفرقاء.

تدرك الهند خطر وجودها بين دولتين جارتين تتنازع معهما على حدود مشتركة، هما باكستان والصين، وتدرك تماماً أن تعميق العلاقات بينهما من ناحية وبين موسكو من ناحية أخرى يشكل تهديداً حقيقياً لها.

لذا، فإن لدى نيودلهي مخاوف حقيقية من أن تبرز بكين كأحد المستفيدين القلائل من الصراع الناشئ في أوروبا، لأن التوتر يدفع روسيا إلى الاقتراب من الصين، وبالتالي الاعتماد عليها بشكل أكبر لمواجهة العقوبات، وهو ما يقلل فرص نيودلهي للعب هذا الدور، وهي التي تتنفس من رئة موسكو خصوصاً إذا تعلق الأمر بمبيعات السلاح.

لكن في المقابل، تحتاج الهند إلى دعم أكبر من مجموعة "كواد"، خصوصاً في ظل توتر علاقاتها مع الصين، التي يتنامى نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

فالهند لا تستطيع أن تشكل الآن قوة موازنة للصين في آسيا نظراً إلى الفجوة الكبيرة بين القوتين، وفي هذه الحالة، تحتاج نيودلهي إلى دعم من نفوذ خارجي قوي، وهو ما يدفعها تجاه الغرب، للبحث عن تقارب أوثق مع واشنطن.

لكن وفق تقرير نشره موقع "مودرن ديبلوماسي" الأمريكي قبل أشهر، فإنه لا يمكن إنكار التحولات العميقة التي شهدتها سياسة الهند الخارجية على مدى العقدين الماضيين، وهو ما يجعل تقاربها مع واشنطن محدوداً جداً، وفي المقابل فإنها غير مستعدة للتضحية بشراكاتها الاستراتيجية مع روسيا، ولا التفريط بزخم هذه العلاقة الممتدة لنحو 7 عقود.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً