سُرّح أكثر من 200 ألف موظف في قطاع التكنولوجيا وحده / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

لا يؤثر فقدان الوظيفة سلباً في الصحة السلوكية والجسدية للموظفين فحسب، بل يضرّ أيضاً بأصحاب العمل.

سُرّح أكثر من 200 ألف موظف في قطاع التكنولوجيا وحده لدى شركات أمازون وميتا وغوغل وسيلز فورس ومايكروسوفت، وغيرها من الشركات التقنية.

ولكن السؤال الآن، ألم تكن هذه هي نفس الشركات التي كانت قبل أقل من 18 شهراً تدفع لمسؤولي التوظيف وشركات البحث من أجل إيجاد الموظفين المناسبين؟ بالطبع.

ولكن يبدو أن الشركات أتقنت فن التوظيف في فترات الازدهار بعروض مالية مرتفعة ثم التخلي بسرعة عن الموظفين مع أول إشارة إلى ضعف الاقتصاد، وهذه أفعال خارج المنطق وتؤثّر سلبا في حياة الناس.

فكيف نفسّر مثل هذا الجنون؟

اسبح مع التيار

يقول عالم النفس الاجتماعي في ولاية أريزونا روبرت سيالديني في كتابه الأكثر مبيعاً "التأثير"، إن الناس -وبالطبع هذا يشمل المديرين التنفيذيين- لا يفضلون بذل جهد كبير في التفكير واتخاذ القرارات، ويلجؤون إلى قوالب اجتماعية معروفة. فنحن نؤمن بحكمة الحشود ونعتقد أنه إذا كان عدد من الأشخاص الآخرين -أو الشركات- يفعلون شيئاً ما، فهذا يعني أنه أمر معقول.

وتتوافق فرضية سيالديني مع منطق "الآخر"، أو نظرية التأثير الاجتماعي التي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وتفيد بأنه عندما يجد الناس أنفسهم أمام المجهول حول ما يجب فعله أو تصديقه فإنهم يتطلعون إلى الآخرين للحصول على إشارات حول ما عليهم فعله.

بجانب ذلك، توجد ضغوط الامتثال، فالناس يتوافقون مع ما يشاهده الآخرون ويأكلونه ويرتدونه وما إلى ذلك، لأن الاختلاف يعني أن تبرز من بين الجميع، ويفضل الأشخاص، من أجل الانسجام والتماهي، أن يسبحوا مع التيار.

دُرسَت نظريات مثل التأثير الاجتماعي وضغوط الامتثال والدليل الاجتماعي جيداً، كما أثبتَت تكراراً. إذاً لماذا نعتقد لمجرد أن شخصاً ما لديه منصب تنفيذي ويعمل في مؤسسة، أنه سيكون فجأة محصَّناً ضدّ الحقائق الاجتماعية الموثقة والراسخة في نطاق واسع؟ بالطبع ليسوا كذلك.

ولا يزال عديد من شركات التكنولوجيا -بل جميعها تقريباً- التي أعلنت تسريح العمال، يكسب المال. وهم يسرّحون العمال تحسُّباً للأوقات الصعبة الاقتصادية فقط، وللحفاظ على هوامش ربحهم المعتادة. هذا يعني أن قلة من الشركات -إن وُجدت- هي التي تعلن تسريح العمال لأنهم على وشك الإغلاق.

عواقب وخيمة

تؤكد البيانات أن التسريح الوظيفي ليس فقط أمراً سيئاً للأشخاص الذين يفقدون وظائفهم، بل ولزملائهم الباقين على قيد العمل، وحتى للمسؤولين عن قرار التسريح.

يزيد فقدان الوظيفة إلى نسبة الأمراض والوفيات وضعف الصحة البدنية والعقلية، في كل بلد أُجريَت فيه دراسة مشابهة. فقد وجدت إحدى الدراسات زيادة بنسبة 44% في خطر الوفاة خلال السنوات الأربع الأولى بعد فقدان الوظيفة.

وعادة ما ينخرط الناس في سلوكيات غير صحية، مثل الإفراط في تناول الكحول والتدخين بالإضافة إلى تناول الطعام بنهم اضطرابي. وتؤدّي هذه السلوكيات إلى تغيرات في نظام الغدد الصماء تؤثّر سلباً في الصحة، بالإضافة إلى الإصابة بالاكتئاب نتيجة فقدان الوظيفة.

من جانبها، أجْرَت عالمة الاجتماع كيت سترولي دراسة، مستخدمة مجموعة بيانات طولية لتحليل آثار فقدان الوظيفة بمرور الوقت، وقد وجدت أن الآثار السلبية على الصحة كانت متشابهة سواء للموظفين أو العمال، وجدت سترولي أن 83% ممن فقدوا وظائفهم أبلغوا عن تغير في حالتهم الصحية. وعلاوة على ذلك استمرت الآثار السلبية على صحتهم حتى بعد أن أصبحوا قادرين على العثور على وظيفة جديدة.

ومن المثير للدهشة أن تسريح الموظفين لا يعود بكثير من النتائج الإيجابية على هذه الشركات، وفي كثير من الأحيان ينتهي بهم الأمر إلى تعيين الموظفين الذين فصلوهم بعقود حرة.

كما يؤثر ذلك في شبكات العلاقات الداخلية التي تساعد على تعزيز الابتكار، وعليه تنخفض الإنتاجية. ويمتنع الموظفون الباقون بعد تسريح زملائهم عن بذل الجهد، وينشغلون بالقيل والقال حول مَن التالي في التسريح. ويهرب أفضل الموظفين من الشركة قبل أن يفقدوا وظائفهم، حتى إن سعر السهم نادراً ما يرتفع نتيجة الإعلان عن تسريح العمال.

على هذا النحو يخلق تسريح العمال خسارة في الطرفين، وكل ما تجنيه الشركات من هذه العملية هو توفير فوائد قليلة. ولكن هذا بالطبع يؤثّر في الابتكار وجودة خدمة العملاء، وبالتالي ينعكس بالسلب على الإيرادات.

وكما ذكرنا، تتأثر الشركات وفقاً لعملية التأثير الاجتماعي بعضها ببعض، وتسعى لفصل موظفيها كما فعل الآخرون.

إن ما تفرضه هذه الحالة من تكاليف مادية كبيرة على الموظف، مع عدم حل القضايا الأساسية للشركات، في ظلّ الانكماش الاقتصادي، يزيد الوضع سوءاً، وفي الحقيقة يذهلني كيف يتجه أصحاب العمل إلى تبنّي تصرفات كهذه تؤدِّي إلى نتائج عكسية وضررها واضح.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي