دبابة محترقة على إثر المعارك بين مسلحي التغراي والقوات الحكومية (Reuters)
تابعنا

إعلان الحكومة الفيدرالية السيطرة على إقليم عفر الإثيوبي، الذي تلاه بأيام إعلان الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إعادة انتشار قواتها، حدثان لافتان لا يمكن الفصل بينهما ولا سيما عند وضع الظروف المحيطة بهما في عين الاعتبار.

البداية من عفر

وفق سياق الحرب الدائرة في إثيوبيا اكتسب الإقليم العفري أهمية ذات أبعاد مختلفة، فسياسياً كان الإقليم العفري هو الوحيد الذي اختار الحياد في بداية الحرب على تيغراي التي تُحادُّه، إذ كان موقف بقية الأقاليم مؤيداً لعملية "إنفاذ القانون" التي أعلنها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

كذلك يكتسب الإقليم العفري جغرافياً أهمية كبرى سواء لتيغراي إذ هو ممر الحركة التجارية والإغاثية القادمة عبر جيبوتي، ولإثيوبيا الحبيسة عموماً باعتباره شريان الحياة الذي تمر عبره حركة الصادرات والواردات بأنواعها المختلفة بدءاً بالعاصمة أديس أبابا.

ورغم تَذرُّع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالقوات الفيدرالية التي تجمعت في الإقليم العفري، فقد كان من المفاجئ، نتيجة لموقف الأخير، توسيع عملياتها في الإقليم، في إطار استراتيجيتها لنقل الحرب إلى أقاليم خارج تيغراي للضغط على الحكومة لرفع الحصار، ولتشتيت القوات الإثيوبية الحكومية المتمركزة في مناطق غرب تيغراي باعتبارها هدفاً استراتيجياً يمثل نافذة مباشرة للإقليم على العالم.

وإدراكاً من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للأهمية الجيو-اقتصادية للإقليم، فقد حاولت السيطرة على مواقع حيوية مرتبطة بالطرق الاستراتيجية الرابطة للبلاد، ولا سيما العاصمة، بجيبوتي المجاورة.

نتائج السيطرة على الإقليم ميدانياً

لعل الجبهة العفرية كانت أكثر الجبهات صموداً أمام تقدم قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي خلال الأشهر الماضية، ورغم ما يذكره بعض المصادر من مشاركة إريترية في معارك الإقليم، فإن هذا لا يقلّل من دور القوات الخاصة العفرية والمليشيات المحلية التي غيرت مسار الحرب، وأدّت إلى إعادة السيطرة على الأراضي التي كانت تحت أيدي قوات دفاع تيغراي.

وأهمية السيطرة الكاملة على الإقليم تتمثل في كونها ستمنح القوات الفيدرالية الحكومية الفرصة لقطع خطوط إمداد قوات دفاع تيغراي المنتشرة في إقليم أمهرة، وعزلها تدريجياً عن قواعدها الخلفية في إقليم تيغراي.

كما أن تقدُّم القوات الفيدرالية من إقليم عفر بعد تأمينه سيمنحها الفرصة لصنع كماشة توضع فيها قوات التيغراي بين هذه القوات القادمة من الخلف و الدفاعات الحكومية أمامها.

وحتى إن استطاعت قوات التيغراي اختراق هذه الدفاعات والوصول إلى أديس أبابا، فإن قواعد اللعبة قد تغيرت تماماً عن الحال منذ شهر حين كانت هي من يسعى لحصار رئيس الوزراء آبي أحمد في العاصمة، إذ ستجد هذه القوات نفسها في وضع لا تُحسَد عليه وقد سيطرت القوات الحكومية على شرايين حياة العاصمة، وهكذا نشهد تحولاً دراماتيكياً وانتقالاً من دور المحاصِر إلى المحاصَر، وهو ما يعني انعدام الجدوى العملية من هذه الخطوة.

وفي هذا الإطار فإن مآلات الحرب في الإقليم العفري قد أدت إلى إحاطة تيغراي ببيئة معادية تماماً، فمن الشمال إريتريا ومن الشرق عفر ومن الجنوب أمهرة في حين أن المنفذ الغربي مع السودان لا يزال تحت سيطرة القوات الأمهرية.

وبالتالي فقد كان من المنطقي توجه القوات الحكومية إلى إقليم أمهرة، فإن تمكنت من إخراج قوات التيغراي منه فسنكون قد عدنا إلى المربع الذي كنا فيه الصيف الماضي، وسنشهد محاولة اختراق إقليم التيغراي من جديد.

مكاسب سياسية

إن كانت الحرب ممارسة للسياسة بأدوات أخرى، فيبدو أن آبي أحمد عمل على ترجمة التطورات الميدانية الأخيرة سياسياً، إذ كان انتقاله من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى جبهات الحرب في عفر، والتركيز الإعلامي على حضوره هناك لتحقيق عدة أهداف لعل أهمها رفع رصيده الشخصي، إذ بدا في واجهة الأحداث وقائد الجيش الذي أعلن إعادة السيطرة على الإقليم وبدأ الاندفاع نحو إقليم أمهرة، رغم أن الفضل الحقيقي يُعزى إلى القوات العفرية التي أبدت صلابة كبيرة في الدفاع عن أراضيها.

حيث كانت صورته قد اهتزت مؤخراً نتيجة الضربات المتواصلة التي وجهتها قوات دفاع تيغراي وحلفاؤها إلى القوات الحكومية، وتهديدها بالسيطرة على العاصمة الإثيوبية حيث تم تحميله بشكل رئيسي عواقب الأداء الضعيف لقواته منذ يوليو/تموز الماضي.

بجانب ذلك فقد ضمن رئيس الوزراء آبي أحمد حشد كل الأقاليم الإثيوبية خلفه في معركته مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بعد أن كان موقف الإقليم العفري مبتعداً عن مجاراة العاصمة في الاندفاع نحو الحرب بعد إعلانها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ويبقى إضعاف موقف التيغراي من أبرز مكاسب رئيس الوزراء سياسياً، إذ كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تملك ورقة تفاوضية قوية متمثلة في سيطرتها على أجزاء من إقليمي عفر وأمهرة، ورفضت الانسحاب منهما إلا بشرط رفع الحصار وانسحاب قوات أمهرة من منطقة غرب تيغراي.

وبإعادة السيطرة على إقليم عفر تكون هذه الورقة قد فقدت جزئياً بعض أهميتها، في حين يبقى سير المعارك المتوقع في إقليم أمهرة الفيصل في احتراقها نهائياً من عدمه.

قوات التيغراي تعيد انتشارها

في المقابل أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بشكل لافت إعادة انتشار قواتها، واصفة ما تنشره الحكومة الفيدرالية حول تقدمها بالدعاية والحرب النفسية.

جاء هذا في أول ظهور لقائد قوات دفاع تيغراي الجنرال تاديسي ويريد، إذ كان من المهم التركيز على نقطتين: الأولى أن إعادة الانتشار تمّت بشكل طوعي، والثانية أنها ضمن استراتيجية عسكرية تضمن لهم "التراجع خطوة للتقدم خطوتين" وفق الجنرال.

وفي اعتقادي أن هذا التطور يحمل أهمية سواء في التوقيت أو طريقة إعلانه، فمن ناحية كانت مصادر قريبة من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قد سربت خبر انسحاب القوات من مناطق في إقليم أمهرة، فيما بدا كأنه تمهيد للرأي العامّ قبل الإعلان عنه رسمياً، لا سيما وأن الجبهة دأبت في الفترة الأخيرة على التهديد بالوصول إلى العاصمة وإسقاط الحكومة الإثيوبية.

وممَّا يشير إلى أهمية هذا الإعلان أنه تَضمَّن الظهور الأول للجنرال ويريد مخاطباً بشكل رئيسي أنصاره من أبناء الإقليم، في لفتة إعلامية ذكية لإشاعة الثقة بتحرُّكات القيادة والاطمئنان إلى تحركها ضمن مخطَّط محدد وليس نتيجة ضغوط من مقاتلي الحكومة.

رغم بيان قوات دفاع تيغراي هذا فمن المفيد استصحاب ثلاثة مؤشرات هامة: الأول عجز قوات التيغراي عن التقدم في إقليم أمهرة لفترة زمنية طويلة قياساً بسرعة اندفاعها سابقاً، بجانب دخول القوات الفيدرالية والقوات الخاصة العفرية في معركة أمهرة قادمة من إقليم عفر.

كذلك من المهمّ الإشارة إلى رسالة رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي دبرصيون جبرميكئيل إلى أنطونيو غوتيريش يطلب فيها منع بعض الدول من تسليح الحكومة، ولا سيما بالطائرات المسيَّرة. وهذه الطائرات وفق اعترافات قادة سياسيين وعسكريين تيغراويين كانت الأداة العسكرية الرئيسية التي كسرت العمود الفقري لقواتهم في الجولة الأولى من هذه الحرب.

وهذه المؤشرات عموماً تشي بأن الكفة بدأت تميل لصالح القوات الحكومية في هذه اللحظة من الخط الزمني لهذه الحرب، وتبقى الأيام القادمة كفيلة بتوضيح استراتيجية التيغراي الجديدة، وإن كانت الحرب في الحبشة قادرة على تقديم مفاجآت جديدة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي