تابعنا
نقل المرصد الأورومتوسطي عن صندوق النقد الدولي، أن خسائر قطاع التعليم في قطاع غزة جراء الهدم والتدمير وتضرر 70% من المدارس والجامعات فيه تفوق 720 مليون دولار، لكنَّ المرصد الحقوقي قدّر أن الخسائر المادية فقط التي لحقت بالجامعات تفوق 200 مليون دولار.

استهدفت الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الكل الفلسطيني، من أرضٍ ورموز ومؤسسات، من بينها مؤسسة التعليم العالي التي تمثل ركيزة أساسية في تعليم الشباب الفلسطيني.

وأصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في 16 فبراير/شباط الماضي بياناً تفصيلياً حول "الاستهداف الإسرائيلي الممنهج وواسع النطاق" للجامعات، وقال إنه يقضي على آخر مظاهر الحياة في قطاع غزة، في جانب آخر من تكريس جريمة الإبادة الجماعية التي ينفّذها منذ بداية الحرب.

وأكد أن الجرائم التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي من تدمير متعمَّد ضد المباني المخصصة للأغراض التعليمية والفنية والعلمية والدينية والآثار التاريخية تشكل في حد ذاتها انتهاكات جسيمة وجرائم حرب وفقاً لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وأشار المرصد الحقوقي إلى أنها تأتي أيضاً في إطار سياسات إسرائيل التي باتت علنية والداعية إلى جعل قطاع غزة مكاناً غير قابل للحياة والسكن، وطرد سكانه من خلال خلق بيئة قسرية مفتقرة لأدنى مقومات الحياة والخدمات.

أرقام وإحصائيات

وأضاف المرصد الأورومتوسطي أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على القطاع أدت إلى تعطيلٍ كامل للعملية التعليمية في الجامعات والكليات والمجتمعية كافة، وتركت تداعيات وخيمة.

وقد قُتل ثلاثة من رؤساء الجامعات في غارات إسرائيلية، إلى جانب أكثر من 95 من عمداء وأساتذة الجامعات، من بينهم 17 شخصية تحمل درجة البروفيسور، و59 شخصية تحمل درجة الدكتوراه، و18 شخصية تحمل الماجستير.

كما أدى القصف الإسرائيلي إلى حرمان 88 ألف طالبة وطالب من مواصلة تلقي تعليمهم الجامعي، وتَعذر على 555 طالباً وطالبة الالتحاق بالمنح الدراسية في الخارج.

ونقل المرصد الأورومتوسطي عن صندوق النقد الدولي، أن خسائر قطاع التعليم في قطاع غزة جراء الهدم والتدمير وتضرر 70% من المدارس والجامعات فيه تفوق 720 مليون دولار، لكنَّ المرصد الحقوقي قدّر أن الخسائر المادية فقط التي لحقت بالجامعات جراء التدمير تفوق 200 مليون دولار.

تدمير 5 من أصل 6 جامعات

وبناءً على إحصاء أوّلي للمرصد الحقوقي، فقد دمّر الاحتلال 5 من أصل 6 جامعات في القطاع كلياً أو جزئياً، كاشفاً تدمير 3 منها بشكل تام، إذ تعرضت جامعة الإسراء لتدمير كامل بعد تفجير مقرها ونسف جميع مبانيها ومرافقها في 17 يناير/كانون الثاني الماضي.

وحوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي جامعة الإسراء إلى ثكنات عسكرية ومركز اعتقال لأكثر من شهرين، ودمر المتحف الوطني فيها، الذي كان يضم أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية نادرة، واتهمت إدارة الجامعة الاحتلال بسلب هذه الآثار.

وبعد انتشار مقطع فيديو تفجير مباني جامعة الإسراء، وجه صحفيون انتقادات وأسئلة محرجة إلى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، حول الواقعة، وبدا الأخير متلعثماً، وادّعى أنه لا يملك ما يكفي من المعطيات للتعليق على ما حدث.

كما دمَّر الاحتلال مقر جامعة الأزهر الرئيسي في مدينة غزة وفرعها في منطقة المغراقة بشكل كلّي بفعل القصف الجوي المتكرر الذي استهدفها مباشرةً في 11 أكتوبر/تشرين الأول، و4 و21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.

وتعرضت الجامعة الإسلامية في مدينة غزة لتدمير كامل بسبب القصف الجوي المكثف في 11 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يسوّي ما تبقى من مبانٍ تابعة لها في أثناء دخول الاحتلال البري إلى مربع الجامعات.

وقتلت الغارات الإسرائيلية الجوية رئيس الجامعة الإسلامية البروفيسور سفيان تايه، وعائلته في قصفٍ على مخيم جباليا شمالي القطاع، الذي يعد باحثاً رائداً في الفيزياء والرياضيات التطبيقية، كما استهدفت عدداً من الأكاديميين ورؤساء الأقسام فيها مثل عميد كلية الطب عمر فروانة، وعميد كلية التمريض ناصر أبو النور، وغيرهما.

وقبل يومين من استهداف الجامعة الإسلامية، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات عدّة على مقر كلية الرباط في غزة، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها.

وفي 6 فبراير/شباط الماضي استهدف الاحتلال جامعة الأقصى بغارات جوية، مخلّفةً دماراً كبيراً تضمّن تدمير مبنيين كلياً وخسائر جزئية متفرقة بعد اقتحام مقر الجامعة برّياً، إضافةً إلى تدمير كبير طال مقر جامعة القدس المفتوحة في غزة منتصف نوفمبر/تشرين الأول الماضي، واستهداف فرعها شمالي القطاع.

"قتل الوعي"

ويقول أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الفلسطينية الدكتور فريد أبو ضهير، إن استهداف الجامعات جزء من استهداف كل ما هو فلسطيني في غزة، في إطار عملية انتقام عشوائية لتدمير كل شيء أساسي في مقومات الحياة من جامعات ومدارس ومستشفيات وبلديات ومؤسسات حكومية وخيرية ودولية ومنشآت اقتصادية وصناعية.

ويوضح أبو ضهير في حديثه مع TRT عربي، أن استهداف الجامعات يأتي أيضاً في سياق عملية تجريد الفلسطينيين من أهم مقومات الحياة، وهي: الوعي والفكر والثقافة والتعليم. ورغم أن الاحتلال يدرك جيداً أنه سيُعاد بناء كل شيء مستقبلاً فإنه يريد إيصال رسالة مفادها "لا تأملوا أن يكون لديكم شيء تعتمدون عليه".

ويضيف أن الاحتلال وقادته العسكريين يدركون أيضاً انعكاس ما يحدث على الإنسان وحياته خلال الحرب وما بعدها، "لذلك العملية تهدف إلى قتل الوعي لدى الفلسطينيين".

ويعتقد أبو ضهير أن استهداف الأكاديميين الفلسطينيين في غزة يندرج في سياق استهداف الجميع، مثل قتل الصحفيين والأطباء والمهندسين وموظفي الأمم المتحدة والإغاثة الإنسانية، لكنه لم يستبعد في الوقت نفسه أن يكون استهداف بعض الشخصيات الأكاديمية المؤثرة ذات المكانة المجتمعية الوازنة هدفه قتل كل ما هو له رمزية في المجتمع الفلسطيني.

ويتفق أستاذ الإعلام مع ما يقال عن إن استهداف كل شيء في غزة، ومن ضمنها المؤسسات التعليمية، من أجل إجبار الناس على الهجرة ودفعهم إلى التساؤل: "لماذا نبقى هنا؟"، مؤكداً أن التهجير القسري أحد أهداف الاحتلال.

كما أن فكرة قتل الثقة بمقاومة الاحتلال والكفر بها -وفق أبو ضهير- ضمن أهداف ومساعي الاحتلال لتدمير كامل الواقع الفلسطيني. لكنه استدرك بالقول إن إرادة الفلسطينيين أقوى، مستدلاً بأسرى فلسطينيين يدرسون درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في السجون الإسرائيلية.

حلول أوّلية

وبسبب الدمار الكبير الذي لحق بمنشآتها، يبدو من الصعوبة عودة جامعات القطاع إلى عملها، وذلك لفترة زمنية غير محددة، لهذا سارعت جامعات في الضفة الغربية إلى تخفيف المعاناة وأبدت استعدادها لتعليم طلاب قطاع غزة إلكترونياً وبشكل مجانيّ وترتيب المساقات والمحاضرات والتخصصات المختلفة، مثلما أعلنت جامعة النجاح الوطنية في نابلس.

بدوره قال رئيس جامعة القدس، عماد أبو كشك، إنه قدم مبادرة تقضي بتدريس كوادر الجامعة لطلبة غزة الجامعيين من بُعد مجاناً إلى حين إعادة إعمار الجامعات، واقترح على الجامعة العربية توفير رواتب للعاملين في جامعات غزة إلى حين إعادة إعمارها، حتى لا تهاجر الكفاءات والنخب من القطاع بسبب تدمير الجامعات.

وكشف رئيس الجامعة الإسلامية الأسبق، كمالين شعث، في وقت سابق أن الجامعات في غزة أغلقت 4 سنوات كاملة خلال الانتفاضة الأولى، ولكن كان هناك دوام خارجها في المدارس والجامعات.

TRT عربي