تابعنا
حافظت المصورة رانيا مطر على تواصلها مع الناس أثناء الوباء من خلال النوافذ وعبرها، حيث صورت الناس من خلف النوافذ لتقدم صوراً رائعة تعبر عن لحظات إنسانية ملهمة.

تُعرض أعمال المصورة رانيا مطر الآن في معرض "الفن في العزلة" Art In Isolation الذي يُقيمه "معهد الشرق الأوسط" (MEI) بالعاصمة الأمريكية واشنطن.

المعرض الذي يُنظمه "مركز الفنون والثقافة التابع لمعهد الشرق الأوسط" يُقدَّم من خلال دعوة مفتوحة، لأول مرة هذا العام. ويعرض أعمالاً فنية لفنانين من الشرق الأوسط بدايةً من 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، ويمكن متابعته حتى 29 يناير/كانون الثاني 2021، سواء عبر الإنترنت أو عن طريق الحجز للحضور شخصياً إلى مقر معرض الفنون في معهد الشرق الأوسط.

يأتي المعرض تحت عنوان "الفن في العزلة: الإبداع في زمن جائحة كورونا "Art in Isolation: Creativity in the Time of Covid-19، ويعرض "أعمالاً لنحو 39 فناناً ناشئاً، وآخرين في منتصف حياتهم المهنية، علاوة على فنانين مخضرمين يسبرون أغوار التأثير العاطفي والجسدي المادي للعزلة/الحبس المرتبط بجائحة كورونا على الممارسة الفنية".

ميا وجون، ألستون، ماساتشوستس ، 2020 (صورة ملتقطة من قبل رانيا مطر) (TRT World)

تمكَّن موقع TRT World من إجراء مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع المصورة اللبنانية/الفلسطينية-الأمريكية، رانيا مطر، حول صورتيها المعروضتين في المعرض، إلى جانب السلسلة الأكبر التي تعتبر هاتين الصورتين جزءاً منها. وُلدت رانيا مطر، التي تبلغ من العمر 56 عاماً، في بيروت بلبنان وتعيش الآن في مدينة بوسطن الأمريكية.

يتم عرض صورتين في معرض "الفن في العزلة"، تقدمان أشخاصاً ينظرون إلى الكاميرا من خلال نوافذهم. وحول الدوافع لتصوير هؤلاء الأشخاص تقول رانيا مطر: عندما دخلنا في حالة الإغلاق العام الإجباري، وفي محاولة للبقاء على تواصل، خطرت لي فكرة تصوير الأشخاص عبر نوافذهم. كان من المهم لي أن أستمر في العمل وأن أجد طريقةً لتوثيق كيف خُضت تجربة اللحظة التي كنا نعيش فيها جميعاً. ومن ثم، وضعت منشوراً على موقع إنستغرام أطلب فيه من الناس مراسلتي إذا كانوا مهتمين بالمشاركة في شيء كهذا. وقد غُمرت بالردود، التي كانت رائعة جداً. وتحدث أصحابها عن تلك الحاجة التي كانت لدينا جميعاً، بوصفنا بشراً، الحاجة إلى البقاء على تواصل مع غيرنا في الوقت الذي كنا نخوض فيه جماعياً تجربة العيش في هذه اللحظة التاريخية.

كانت ميا وجون من أوائل المستجيبين. وكنت أعرف ميا من قبل، حيث عملنا معاً. هي تعمل قيّمة معارض وقد عرضت لي أعمالاً من قبل، لكنها وزوجها جون راقصا تانغو أيضاً وقد جلبوا عنصراً من خبرتهم الأدائية تلك إلى جلسة التصوير.

أما مينتي وكايلا وليا وليلى، فهم أفراد عائلة امرأة كنت قد صورتها من قبل عبر نافذتها، وقد أصبحنا أصدقاء في النهاية، وهي من أوصلتني ببقية أفراد الأسرة في الصورة الثانية. وتعبر هذه الصورة أيضاً عن كثير مما كنا نمر به خلال الوباء، حيث كان الأطفال جميعاً يتلقون تعليمهم منزلياً أو عادوا من جامعاتهم البعيدة، وكانت الأسر مجتمعة معاً. أصبحت فكرة المنزل بوصفه مكاناً آمناً واضحة لي أيضاً من خلال تلك الصور، وكان لهذه الصور تأثير خاص في، بوصفي أمّاً كان أطفالها أيضاً في المنزل في اللحظة نفسها.

مينتي، كايلا، ليا ، وليلى، كامبريدج ، ماساتشوستس ، 2020 (صورة ملتقطة من قبل رانيا مطر) (TRT World)

تشير رانيا مطر إلى أنهذه الصور هي جزء مما أصبح مشروعاً أكبر بالفعل. فلقد صورت أي شخص تواصل معها وكان على استعدادٍ ليكون جزءاً من هذا العمل. وقد جُعل الأمر والأشخاص الموجودين في الصور، على تواصل بالمجتمع الأكبر والأوسع نطاقاً. وهكذا استطاع الجميع بناء علاقة وخلق اتصال على الرغم من الحواجز المادية. فلقد كان الجميع في عزلة وكان هذا التفاعل البشري مهماً للغاية. على مستوى آخر، كانت تلك طريقتها لسرد قصة كنا جميعاً نعيشها في ذلك الوقت.فهي تصور الأشخاص في جميع الأعمال تقريباً، وتسعى دائماً لرسم صور شخصية حميمية. وقد كان التحدي والهدف بالنسبة إليها هو إنشاء صور شخصية تحكي من ورائها قصة، على الرغم من الحاجز المادي.

الوقوف بين ثقافتين هو الملهم لالتقاط الكاميرا والبدء في مشروع تصويري ما

تؤكد رانيا مطر أن السمات التي تميز عملها هيأنها دائماً ما تقف وقدماها متأرجحة بين عالمين، حيث تقول: أنا بين ثقافتين وهويتين، بصفتي لبنانية/فلسطينية من جانب، وبصفتي امرأة وأم أمريكية من جانب آخر. وهكذا فإن خلفيتي الثقافية وتجربتي المتداخلة عبر الثقافات وسرديتي الشخصية تساعدني في التصوير الفوتوغرافي. لقد كرّست عملي لاستكشاف قضايا الهوية الشخصية والجماعية، من خلال صور المراهقة الأنثوية والنسوية - في كل من الولايات المتحدة حيث أعيش والشرق الأوسط الذي أنحدر منه - في محاولة للتركيز على مفاهيم الهوية والفردانية، كل ذلك في سياق العالمية الكامنة وراء هذه التجاربيركّز عملي على الطفولة الأنثوية والنسوية، على النمو والتقدم في العمر، وعلى التحولات الحياتية- وكلها مستوحاة من تجارب بناتي أثناء خوضهن جميع مراحل الحياة.

الاتحاد كان هو التأثير الذي تركته جائحة كورونا على أعمال رانيا مطر

أوستن، بوسطن، ماساتشوستس ، 2020 (صورة ملتقطة من قبل رانيا مطر) (TRT World)

جعلت الجائحة رانيا مطر تنشئ مجموعة جديدة من الأعمال وتقودها نحو الاتحاد مع الآخرين لمواجهة الوباء. "وفي حين كنت أشعر سابقاً كما لو أن الأخبار هدفها إثارة الانقسام بخطابات مثل "هم في مواجهة نحن"، جاء فيروس كورونا ليوحدنا على نحو غريب، وأصبحنا جميعاً "نحن": نخوض كل هذا معاً، في نفس القارب، والحياة متوقفة وانحدر بنا الأمر إلى الحبس في المنزل. كان هذا الفيروس بمثابة المعادل الذي ساوى بين الجميع، ليدفعنا جميعاً إلى إعادة تقييم إنسانيتنا المشتركة وأولوياتنا ومدى هشاشتنا الإنسانية".

أوضحت رانيا مطر: منحتني العزلة والحبس في المنزل المرتبط بالجائحة هديةَ الوقت المتمثلة في تمضية الوقت مع عائلتي، وفي الأستوديو مع عملي. وكنت قد نسيت تقريباً كم أن كليهما غال وقيم. ومع الوقت والمساحة المتوفرة لإعادة تقييم الأمور المهمة، والحاجة إلى التفاعل البشري، لجأت إلى إنستغرام للتواصل مع أشخاص، حتى إني بدأت في زيارتهم، مع الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي، والتقاط صورهم من خلال النافذة. وهكذا ظهر مشروعي الجديد حول "التواصل عبر الحواجز".وهكذا، مرة أخرى لأنه يعتمد على تجربة شخصية، فقد تحول إلى مشروع.

كان لفيروس كورونا تأثير سلبي على كثير من الناس وقلب حياة عديدين منهم

آنا وصوفي، ماربلهيد ، ماساتشوستس ، 2020 (صورة ملتقطة من قبل رانيا مطر) (TRT World)

تقر رانيا مطر بأن السنة كانت صعبة بالنسبة إلى كثيرين وعلى مستويات عديدة، ليس أقلها التفجيرات الرهيبة التي شهدتها بيروت. أما عنها، فإنها لا تزال تحاول التركيز على الإنسانية ولطف الناس وإيجاد بعض الجوانب المبشرة بالخير فيما جلبته تلك الأخبار السيئة المستمرة من فيوض اللطف والإنسانية. لقد أنشأت رانيا مطر حملة لجمع التبرعات لبيروت، "وقد غمرني دعم الناس وكرمهم. وأثناء الإغلاق أيضاً، منحنى الناس كذلك بسخاء من وقتهم وشاركوا أنفسهم معي عبر النوافذ".

تمضي المصورة رانيا مطر إلى الإشارة إلى تركيزها على الرؤية الإيحابية: لقد كان همي الأول التركيز على الجوانب الإيجابية التي جاءت في ثنايا تلك الأحداث الرهيبة، غير أنني حاولت أيضاً التركيز على الترابط بيننا الذي جاء علينا وقت اعتبرناه أمراً مُسلماً به. كما أنني أبذل قصارى جهدي لإبطاء السرعة قليلاً في خضم الانشغال الكثيف. لقد كنت أسافر كثيراً قبل ظهور الفيروس للتعليم في ورش العمل، ولزيارة عائلتي في لبنان، ولالتقاط الصور وإلقاء المحاضرات، وما إلى ذلك. أما الآن، فإن معظم ذلك يجري من المنزل وعبر الإنترنت. وفي حين أنني بالطبع أفتقد عائلتي في بيروت، فقد كان تباطؤ الوقت الذي تسبب فيه وقع الجائحة هديةً من بعض النواحي. لقد جعلني أقضي مزيداً من الوقت مع أطفالي، ومزيداً من الوقت في تحرير عملي وإتقانه، وأيضاً البدء في العمل على كتابي القادم. علاوة على أنه أجبرني أيضاً على الإبداع والبدء في مشروع جديد.

المصورة اللبنانية من أصول فلسطينية رانيا مطر (TRT World)

أثَّر فيروس كورونا في عالم الفن، وسيكون العالم الفني والمعارض الفنية في مرحلة ما بعد جائحة كورونا مختلفَين

أما عن مستقبل عالم الفن بعد كورونا فتقول رانيا مطر:أعتقد أن الجائحة أجبرت الجميع أيضاً على الإبطاء قليلاً وإيجاد طرق بديلة لمتابعة الأعمال الفنية. أصبحت معظم المعارض تقام عبر الإنترنت، ومع ذلك فإن هناك بعض المعارض التي لا تزال في الفضاء المادي، لكن قلة من الناس يمكنها الحضور وزيارتها. بدأ الناس في عرض أعمال الفيديو الفنية التنصيبية (video installations). أما عن نفسي، فأنا أفتقد رؤية الأعمال الفنية شخصياً، وخلال الأسابيع القليلة التي عادت فيها الحياة العادية قليلاً، تمكنت من العودة إلى زيارة المتاحف، وقد كان الأمر بمثابة منحة من السماء.

لقد سمعت عن عدد قليل من المعارض التي بدأت تحقق مزيداً من المبيعات عبر الإنترنت، وفي حين أن بعض المعارض الأخرى لا تزال تعاني تحت أثر الإغلاق، فإن بعض الناس يرحب قليلاً بفكرة العمل في بيئة أكثر هدوءاً. في السنوات القليلة الماضية، كانت معارض التصوير مضطرة إلى استثمار كثير من الوقت والمال لتكون جزءاً من المعارض الفنية العامة. لقد كان الأمر مكلفاً ومرهقاً أيضاً. الآن يتجه المهتمون إلى إنشاء "غرف مشاهدة للأعمال الفنية" عبر الإنترنت. أعتقد أننا في النهاية سنصل إلى شيء ما بينهما.

هذا المقال مترجم عن موقع TRTWorld.

TRT عربي