الفنان الفلسطيني شادي زقطان. (Others)
تابعنا

منذ قيامها عام 1948، دأبت إسرائيل على سرقة تراث ومطبخ وفولكلور الشعب الفلسطيني، ونسبه إلى نفسها، في إحدى أبرز حالات السرقة الثقافية التي شهدها التاريخ، والتي أصبحت أداة احتلال يخدم بها السرديات المؤسسة له والتي يبرر بها بقاءه.

في ظل هذا الواقع، يلعب الفنان الفلسطيني دوراً طلائعياً في حماية هذا التراث، بالرغم من كل التضييق والقمع الذي يطبقه الاحتلال عليه. وهو ما يسهب المغني وكاتب الكلمات الفلسطيني شادي زقطان، في الحديث عنه وتوضيحه، ذلك في مقابلة صحافية خصّ بها TRT عربي.

السيد شادي زقطان، باعتبارك مغنياً وملحناً وكاتب كلمات فلسطينياً، كيف تعيش واقع العدوان الأخير الذي تعيشه غزة؟ وكيف يؤثر هذا العدوان فيكم كفنانين فلسطينيين؟

في البداية، الفنان الفلسطيني هو مواطن قبل أن يكون فناناً، بالتالي هو جزء من هذا المحيط وهذا الشعب الذي يتعرض فعلياً لإبادة جماعية على الهواء مباشرة. هو ما جعل ردّات الفعل تكون متذبذبة، بين أن تتابع ما يجري على شاشات التلفزيون وتحس بعجز شديد، وبعد ذلك تندفع للعمل على قطعة موسيقية، ثم تفكر ما الذي يمكن أن تفعله القطعة الموسيقية (لإنقاذ الناس في غزة) فتحس بحالة خمول وعجز.

لدرجة أنك تحس بالذنب إذا خفضت صوت التلفزيون، وكأنهم يموتون لوحدهم. بالتالي فالوضع مخيف جداً ومربك جداً، ولا يمكن أن يتحول إلى حالة معتادة، إنه مثل كابوس لا يريد أن يتوقف. فأعتقد أن الفنان الفلسطيني، يعيش الآن حالة إحباط وذعر وفي الوقت نفسه مع آمال عالية، هو خليط من المشاعر غير المرتبة أبداً.

ارتباطاً بمنتجكم الفني، دائماً ما كانت موسيقا شادي زقطان ملتصقة بالواقع الفلسطيني ومعبرة عنه. هل تشتغلون على مشروع فني مرتبط بما يجري حالياً في غزة؟

بالتأكيد هناك انفعالات (مع ما يجري الآن في غزة)، مرات حزينة، مرات غاضبة، ومرات كلها أمل. مرات أفكر في حالة الإبادة التي نتعرض لها نحن، والتي لم تتوقف منذ خمس وسبعين سنة.

كما يجدر بالإشارة، إلى أننا نعيش خلال السنوات الأخيرة حرباً سيبرانية هدفها محو المحتوى الفلسطيني، حرباً كانت تسير بصمت لكن بخطا حثيثة، مثل قطار بخاري يسير ويضرب المحتوى الفلسطيني والسردية الفلسطينية. هذا بالنسبة لي كفنان فلسطيني يشكل نوعاً من التحدي، يعني يحذفون لك الأغنية من اليوتيوب فتعمل على تنزيلها على "ساوند كلاود" ويصير عليها حظر فتبحث عن محل ثالث لنشرها، وهكذا...

في وسط هذا السجال، دائماً ما أفكر في أنه يجب أن يكون هناك أثر فني لهذه المرحلة، لكنني متأكد بأنه فنياً سوف يكون ثقيلاً للأسف وليس جميلاً.

وبعد هذه الفترة أحاول أن أعمل على شيء يجمع كل هذه الحالات، يظهر كم أنا غاضب وكم أنا حزين، أريد أن أترك الأغنيات تحكي عما يقع. أفكر في كتابة أغنية مثل تهويدة إلى بنت مولودة في هذه السنة، وحول ماذا يمكن أن أقول لها؟..

عدد من هذه التجارب في معظمها أسئلة أكثر منها إجابات، وأنا عندي أسئلة كفلسطيني وعندي أسئلة كفنان؛ أحد أبرز هذه الأسئلة هو كيف ممكن أن يبيدونا كلنا، وكيف سيكمل العالم نهاره غداة ذلك، لذا يجب أن نترك أكبر أثر.

هذا الحديث يوصلنا إلى نقطة مسؤولية الفنان الفلسطيني اليوم، نلاحظ الفنان الفلسطيني دائماً يعود إلى تراثه من أجل إبداعه في أشكال فنية جديدة، هل هذا له علاقة بحالة الاحتلال والدور الطلائعي المنوط بالفنان الفلسطيني؟

أعتقد أن الأسهل هو أن ترجع مرات للتراث كفنان جديد أو فنان ليس لديه جديد في الوقت الحالي. وهنا يكمن أحد أسباب العودة للتراث، أي هو أنه جسر مفتوح سابقاً وتمكن من الوصول للمتلقي من قبل واستمعوا له من قبل. وبالتالي فهو زاوية آمنة نوعاً ما، وفي الوقت نفسه هناك وفاء لهذا الإرث الكبير.

من جهة أخرى، أعتقد أن الغناء الفلسطيني يمر بتحول، وإذا نظرنا إلى الغناء الفلسطيني بعد عشرين سنة أو الثلاثين سنة القادمة، سيكون الموروث 90% منه أغاني مقاومة.

مثلاً هناك أغنية اسمها "يما مويل الهوا"، يقال إنه جرى غناؤها وقت الحكم العثماني للبلاد. ولدينا أغنية اسمها "حيد عن الجيش يا غبيشي"، يعني تحمل تنبيهاً من الجيش المحتل والكمائن التي ينصبها.

بالتالي، فالفنان الفلسطيني عندما يحاول طرح هذه الأغاني في صيغ جديدة، يحاول أن يجد لغة تفاهم آمنة مع الجمهور، لأن الجمهور الفلسطيني صعب جداً ومتقلب المشاعر، ممكن أن يكون فرحاً وفي دقائق قليلة يصبح حزيناً، أو يكون في قمة الغضب وبعدها في قمة الفرح؛ فأنت كفنان تتعامل مع إعصار من المشاعر، بالتالي سهل أن تدخل له من التراث وتحوله بعد ذلك إلى شيء جديد.

إلى أي مدى وصلت إسرائيل في سرقتها الثقافية لهذا التراث الفلسطيني؟

يمكن أن أقول أن الاحتلال، في سرقته للتراث، لا يقتصر على سرقة التراث الفلسطيني، بل يمتد إلى عدد من الثقافات والحضارات الأخرى. يعني يكفي أن تستمع لمحطاتهم الإذاعية المحلية ستسمع موسيقا حوض المتوسط كله أُعيد دمجها في قالب عبري؛ سوف تسمع مئات الأغاني التركية واليونانية والإيطالية جرت سرقتها.

في نظري هؤلاء الناس (أي الإسرائيليون) يستسهلون السرقة، لدرجة أنني في مرة اكتشفت أنهم سارقو فولكلور موسيقي يعود لقبائل الزولو في زيمبابوي، فهم كثقافة ليس عندهم أي بعد أو عمق ثقافي.

من هذا المنطلق، وفي نظركم، ما الدوافع التي تسمح للاحتلال أن يقوم بهذه السرقات الثقافية؟

لأن الاحتلال يعتبر نفسه، منذ أن دخل لهذه الأرض قبل خمس وسبعين سنة، أنهم أولياء لها، وأن كل ما تنتج على هذه الأرض التي يعتقدون بأنها ممنوحة لهم بحق إلهي فهو لهم، بالمقابل هم لا يملكون أي ثقافة موحّدة، فبالتالي هم يستسهلون السرقة.

وأعتقد أنه عندما يكون كل أفراد المجتمع مقيمين في بيوت غير بيوتهم، كيف يمكن أن تكون نفسية أو أخلاق شخص ولد وأدرك أنه موجود في بيت غير بيته؟ فيما نحن أولاد الحضارات التي عمرها عشرة آلاف سنة وخمسة عشر ألف سنة كامتداد تاريخي في المنطقة، كيف يمكن للمحتل أن يفهم هذا؟ لذلك هم يعملون كل شيء لأن كل شيء مستباح لهم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً