قصص نساء عربيات تعرضن للتحرش (TRT World)
تابعنا

 بعض النساء العربيات قررن كسر حاجز السكوت على التحرش الجنسي، رغم معرفتهن بما سيتعرضن له من تنميط اجتماعي يلقي اللوم عليهن ويبرر للفاعل ويحميه. هؤلاء النساء تعرضن لانتهاكات جنسية كحال كثيرات من النساء في أي دولة عربية، ولكنهن لم يصمتن.

إنها مواقف تعرضت لها معظم النساء على اختلاف خلفياتهن الاجتماعية والثقافية والعلمية.

مواقف مؤذية انتهكت أجسادهن وكرامتهن في المنزل، والشارع والعمل وفي كل مرحلة من مراحلهن العمرية. ولسنوات طويلة اختارت بعض النساء العربيات الصمت والتجاهل بعد أن فقدت الأمل في أن المواجهة ستساهم في حمايتهن.

إلا أن رياح التغيير التي حملتها حركة "أنا أيضاً" أو "me too" العالمية، التي فضحت متهمين بالتحرش على مستويات رفيعة، أيقظت روح المواجهة لدى البعض، فاخترن الحديث علناً، وأشرن بأصابع الاتهام ضد المتحرشين بهن.

ولكن ما الذي حدث لهن؟

كيف ننسى تحرش الطفولة؟!

"الدكنجي اتحرش في وأنا بعمر 10 سنوات ولمس لي صدري"

ناي الراعي - لبنان

اختبرت ناي أول تعدٍّ صريح على جسدها وهي في عمر العشر سنوات من قِبل بائع الدكان القريب من بيتها في لبنان، كانت تعرف أن هذا شيء غير مقبول ولكنها لم تعلم ما الطريقة المثلى لردعه. وكما هو حال بعض الأطفال توجهت نحو أهلها لتخبرهم بما حصل، وأخبروها "لا تذهبي إليه مجدداً".

تبعها هاجس التحرش حتى وصلت إلى عيادة طبيب في إحدى المستشفيات اللبنانية الذي حاول التعدي عليها جسدياً ولكنها قررت هذه المرة ان تقوم بالمواجهة بنفسها . وكانت شكوى رسمية ضده بالمرصاد .

مايا العمار، ناشطة نسوية من لبنان علقت لـTRT عربي على حوادث التحرش في لبنان، مشيرة "إلى ان غياب القوانين المتعلقة بالتحرش الجنسي وعدم توصيف التحرش الجنسي من الأساس كجرم يعاقب عليه القانون، عرقل خروج النساء الناجيات من التحرش للحديث علناً عن الموضوع لأن الثمن الذي تدفعه النساء إذا قررن فضح المتحرش يكون كبيراً جداً، كما أن البيئة المجتمعية والقانونية في لبنان وعلى مستوى الدول العربية غير جاهزة بعد لتقبل هذا الحديث".

"يُرجع القانون اللبناني التحرش الجنسي إلى الأفعال المخلة بالآداب العامة ولا يتعامل معه على كونه جرماً يعاقب عليه القانون".

مايا العمار ناشطة نسوية لبنانية

تقدمت بشكوى لتعرضها للتحرش ففُصلت من عملها:

مي الشامي صحافية ومصورة تعمل في صحيفة اليوم السابع في مصر، تقول إن رئيسها المباشر حاول ابتزازها باستمرار عبر مجموعة من العبارات التي تتغزل بها وتتعدى على مساحتها الشخصية، تضمنت ملاحقات ومعاكسات تحت إطار "المزاح" في العمل.

في تاريخ 11 أغسطس/ آب 2018، سألها رئيس التحرير التنفيذي في الصحيفة دندراوي الهواري بإلحاح عن أمور شخصية تتعلق بحياتها الزوجية، ثم وضع يده على يدها وتلمّسها بشكل فظ.

عقب هذا الموقف قامت بمهاتفة زوجها، وأخبرته بما حدث معها، وتوجهت إلى مكتب مدير إدارة الصحيفة خالد صلاح برفقة زوجها وأهلها لتخبره بما حصل، وتتقدم بشكوى شفوية ضمن لائحة القانون الداخلي للمؤسسة. رفض هواري الاعتذار أمام هيئة التحرير وأصر أنه "لو اعتذر، فسوف يعتذر أمام الشهود الذين سمعوا الحديث في غرفة الأخبار فقط"، فقامت مي بالتقدم بشكوى مكتوبة وحولت القضية إلى النيابة العامة وأصبحت أمام القضاء.

تسربت القصة من داخل أروقة الصحيفة إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت حملة تشويه -وفقاً لمي- تُتداول بين الأوساط الصحفية عن انضمامها إلى جماعات إخوانية، وعدم كفاءتها في العمل من قِبل زملائها.

تقدمت مي بطلب إجازتها السنوية من العمل، وأخذت إجازة من ذلك الوقت حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وعندما عادت بتاريخ 2 أكتوبر/ تشرين الأول إلى العمل، فوجئت بمنعها من الدخول لمبنى الصحيفة من قبل رجال الأمن، قائلين لها "إنك فُصِلتِ من العمل"، فقامت عقبها بتقديم شكوى رسمية إلى مكتب العمل المصري.

"هندم ليه؟ هندم لو خسرت نفسي، أما خسارتي للشغل فهيرزقني ربنا بأحسن منه، وخسارة الناس المدّعين المنافقين على الأقل عرفت الناس على حقيقتها، ما خسرتش شيء ذا قيمة، الأهم إني ما خسرتش نفسي".

مي الشامي - مصر

تنتظر الآن مي، عقب إدلاء جميع الشهود والمدعَى عليهم بأقوالهم أمام المدعِي العام قرار المحكمة الأخير في القضية، والذي من المتوقع أن يصدر قبل نهاية العام الحالي، فيما ينفي دندرواي كافة وقائع الحادثة، زاعماً "أن ما يحدث هو مؤامرة حاكها سياسيون وإحدى الزميلات الصحفيات ضده، وأنه سيتقدم بمقاضاة كل من نال من سمعته وشوه صورته".

وُضِع أول قانون يجرم التحرش في الأماكن العامة في مصر عام 2014، على إثر موجة كبيرة من الانتهاكات الجنسية التي حدثت في الأماكن العامة.

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن سبعة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.

مادة أ من القانون 306 من القانون المصري

عقّبت على ذلك أستاذة العلوم السياسية والدراسات الجندرية في جامعة روتجيرس الأميركية، نرمين علام في حديث معTRT عربي قائلة "إن هناك تغيراً حقيقياً في مصر بعد وضع قانون يجرم التحرش الجنسي في الأماكن العامة وعلى إثره شاهدنا حالات اعتقال لمتحرشين".   

وأضافت "أن المتحرش مسبقاً كان شبه متأكد أن الضحية لن تحرج نفسها أمام العامة وذلك لأن الحديث عن التحرش الجنسي من "المحرمات مجتمعياً"، ولهذا يَعتبر المعتدي أنه لن يُلام على ما يفعل بل ستُلام الضحية وسوف يُفلت من العقاب، إلا أن الوضع بدأ يتغير الآن نسبياً بوجود بعض القوانين، أو المنظمات التي تساعد على إيصال صوت الضحية، حتى تصل إلى مرحلة الشكوى القضائية".

من المترو إلى البيت.. رحلة طويلة:

"كان رجل عجوز يجلس بجنبي في المترو، حط إيده في سرواله والثانية على ساقي، كانت لحظات من الخوف كبيرة باش نعرف كيفاش نتصرف في الموقف!".

رحمة خيري - تونس

كانت رحلة صعبة على رحمة خلال تنقلها في إحدى خطوط المترو للعودة إلى المنزل عندما تعرض لها رجل عجوز يجلس إلى جانبها في المترو ولم تتمكن من التقدم بشكوى ضده، أو الحديث عن الموضوع لأحد، عازية السبب إلى "أن أحداً لن يصدق روايتها، وخوفها من المجتمع وأهلها منعها من ذلك".

"ما نتصورش يجي اليوم نقول لأهلي".

رحمة خيري - تونس

رحمة تؤكد لـTRT عربي "بأن هذه المواقف تتكرر باستمرار وتختبرها الأنثى في كل دولة وكل مكان، في الشارع، عند ركوب وسائل النقل العامة، وحتى في البيت، وتكمن المشكلة الكبرى في أن المجتمع يحمّل المرأة الذنب بحكمه على جسدها وشكلها".

"أنا كنت نخاف برشا نتكلم، ولكن لما جاءت حملة مي تو صرت نحس بروحي نقدر نتكلم بصوت عالي فما نساء برشا بش يتكلموا معانا ونقلهم ما عدناش نخافوا".

في حوار مع "بشرى بلحاج حميدة" رئيسة لجنة المساواة والحريات الفردية في البرلمان التونسي عقبت على مدى جاهزية المجتمع العربي لتقبل الحديث عن مسألة الاعتداءات الجنسية على المرأة قائلة: "ليس هناك مجتمع جاهز، بل يوجد مجتمع يتطور، ويقبل طرح مثل هذه القضايا، فالمجتمعات التي تطورت هي المجتمعات التي ضمنت حرمة الإنسان الجسدية والمعنوية وهي التي قبلت تناول كل القضايا التي تمس حياة الإنسان وكرامته". 

"تحتاج القوانين الخاصة بمكافحة العنف ضد المرأة وقتاً للتطبيق، لأن هناك مقاومة من المجتمع والمؤسسات في بعض الأحيان، ولكن تطبيق هذه القوانين يتطلب إرادة خاصة من المرأة المعنية، ويتطلب تجنيد المجتمع المدني الذي نراه فعالاً الآن في تونس".

بشرى بلحاج حميدة - رئيسة لجنة المساواة والحريات الفردية في البرلمان التونسي

 وتؤيد الأستاذة الجامعية نرمين علام أن فكرة كسر "المحرمات المجتمعية" بدأت تتغير رويداً رويداً في المجتمعات العربية بالحديث علناً عن مسألة التحرش الجنسي، وهذا يأتي مع استمرار عزم النساء على مكافحة التحرش وتغيير بعض الأنظمة العربية وجهة نظرها في طرح المشكلة.

مؤكدة أن تونس تعتبر مثالاً على ذلك، حيث عدّل البرلمان التونسي القوانين المتعلقة بالتحرش الجنسي لكي تضمن معاقبة أي فعل عنيف ضد المرأة من الناحية الجسدية والشفوية والاستغلال الاقتصادي، الذي قد يؤذي المرأة مسبباً لها معاناة أو أذى. 

 الحديث عن التحرش أودى بها إلى السجن:

"أنا ركبت تاكسي بتاع التاكسي بمنتهى قلة الأدب كنت هضربه، ده غير بقى كمان أمن البنك كان بيعاكس".

أمل فتحي - مصر

بهذه الجملة ظهرت أمل فتحي، الناشطة في مجموعة 6 أبريل المصرية، والمسؤولة في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، عبر فيديو مباشر من على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لتنقل لمتابعيها ما حصل معها خلال يومها في شهر مايو/ آيار 2018.

تقول إن سائق تاكسي ركبت معه لإيصالها للبنك تحرش بها لفظياً، وبعدها بدقائق أقدم حارس البنك على التحرش بها لفظياً أيضاً، تلاه يوم حافل مليء بالمعاملات البنكية زاد من ثقل هذا اليوم عليها، فبثت فيديو تشرح فيه كل ما تعرضت له.

عقب هذا الفيديو تعرضت أمل لعدد من المضايقات والتعليقات المسيئة لها لحديثها عن التحرش، واتهام البنك بالتقصير والمماطلة، كل هذه الضغوط دفعت أمل لبث فيديو آخر تنتقد فيه سكوت السلطات عن وقائع التحرش وسوء الخدمات العامة في البلاد.

لم تمضِ 48 ساعة حتى تقدم البنك بشكوى في حقها إلى نيابة المعادي للتشهير بهم، وأُلقي القبض عليها هي وزوجها وابنها.

أفرج عن الزوج والابن، ولكن احتُجزت الأم بتهم أسندت إليها تتعلق بالانضمام"إلى جماعات أسست على خلاف أحكام القانون" ونشر أخبار كاذبة وبث مادة مصورة تضمنت ألفاظاً خادشة للحياء في نيابة المعادي.

التحرش يُستخدم كأداة سياسية:

وعلى إثرها صدر حكم بحبسها عامين وغرامة مالية تقدر ب 10 آلاف جنيه مصري، بالإضافة إلى كفالة مالية بمقدار 20 ألف جنيه مصري لوقف تنفيذ عقوبة الحبس لحين الفصل في الحكم استئنافياً، ضمن محاولات لاستئناف الحكم خلال جلسة قادمة بتاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

وحول تسييس التحرش الجنسي، توضح علام" أننا بدأنا نرى تسييس التحرش الجنسي بشدة منذ (الألفينات)، حيث كان يُستخدم كأداة سياسية لردع الناشطات وإحراج المعارضة في ذلك الوقت، بعد تصوير "فشلها" في حماية النساء المشاركات في المظاهرات والتسبب في تعريضهن للإهانة الجنسية".

"الموضوع خرج تماماً من إطار التحرش إلى حالة من الانتقام والتحريض ضد أمل بسبب نشاطها السياسي سابقاً".

حلمي حنيش محامي أمل فتحي

"لازم النفس يكون طويل"

نفس طويل واستمرارية في التحرك، هذا ما أكدت عليه الناشطة النسوية مايا العمار مؤكدة على "أن الحركات النسوية ما زالت مستمرة في العمل من أجل حقوق المرأة، وستبقى سائرةً على هذا النهج حتى تأخذ الحكومات والمجتمعات مسألة الحقوق النسوية على محمل الجد".

وأضافت نرمين علام أن "لنساء المنطقة العربية قصصاً كثيرة يروونها للعالم أجمع حول موضوع التحرش بعد خوضهن نضالاً طويلاً دام لعقود في مكافحة المشكلة، ولهذا يجب علينا مشاركة قصص هذه النساء أكثر من أي شيء آخر، وذلك لأنهن يستطعن تلقين العالم أجمع درساً في النضال". 

"لم يفت الأوان بعد"

بشرى بلحاج حميدة - رئيسة لجنة المساواة والحريات الفردية في البرلمان التونسي

تؤكد بشرى بلحاج حميدة "أن الأوان لم يفت بعد لتحارب النساء على حقوقهن، وأن هناك دوماً متسعاً من الوقت لخوض المعارك من أجل الحريات والحقوق في العالم أجمع".

رحمة خيري امرأة من تونس تعرضت للتحرش الجسدي في إحدى وسائل النقل العام (TRT World)
أمل فتحي امرأة من مصر تعرضت للتحرش اللفظي وبثت مقطعاً مصوراً عبر صفحتها على "فيسبوك" ما أودى بها إلى السجن (TRT World)
مي الشامي امرأة من مصر اشتكت مسؤولها في العمل للتحرش بها ففُصلت من عملها (TRT World)
ناي الراعي امرأة من لبنان تعرضت للتحرش (TRT World)
منشور عبر حساب مي الشامي الشخصي توضح به تفاصيل فصلها من العمل (TRT World)
(TRT World)
TRT عربي
الأكثر تداولاً