مظاهرة مناهضة للعنصرية ضد السود بفرنسا. (Kenzo Tribouillard/AFP)
تابعنا

يكشف وثائقي "فرنسا بالأسود" الذي بثته القناة الثانية الفرنسية ليلة الثلاثاء، واقع المعاناة التاريخية التي يعيشها بشكل يومي ذوو الأصول الإفريقية في البلاد. حيث الألفاظ العنصرية والاعتداءات تلاحقهم منذ الصغر، كما تطاردهم الصور النمطية في الإعلام العمومي كما أمام القانون.

وينقل الفيلم هذا الواقع من خلال شهادات حياتية معاشة لضحايا هذا العنف اليومي، من مشاهير الساحة الفرنسية أو من العامة، لتأكيد أن الظاهرة موجودة ولها جذورها التاريخية المتغلغلة في الذاكرة الجمعية عبر دور فرنسا في تجارة الرق كما لجرائمها الاستعمارية.

يأتي هذا في رد واضح على اليمين الذي ينفي وجود هذه الظاهرة، واتساعها وتجذُّرها في المجال العمومي الفرنسي، معتبراً نضال هذا القسم من الساكنة مستورداً من مجتمعات أخرى.

دمية سوداء، دمية بيضاء

العنصرية والتعيير بلون البشرة هي السمة الأبرز لحياة الساكنة من الأصول الإفريقية بفرنسا، هذا ما يظهره وثائقي "فرانس 2"، حيث تلازمهم هذه المعاناة منذ طفولتهم الأولى.

ينقل الوثائقي على لسان الطفلة مايلي (9 سنوات)، التي ولدت لأبوين من أصول إفريقية، شهادتها وهي تقول بصوت حزين: "لا يريد زملائي في المدرسة أن يشاركوني ألعابهم، يقولون لي إنني سوداء وبشعة، هذا يحزنني جداً!". وتضيف بأن أحدهم "قال لي إن لونك يشبه لون البراز".

معاناة ليست حكراً على مايلي وليست حالة منفردة، هذا ما تثبته شهادة أخرى لمغني الراب جان باسكال زادي، الذي قال: "أول مرة أحسست فيها بنفسي أسود كانت في يومي الأول في الحضانة، حيث كان لزاماً علينا الاصطفاف في ثنائيات قبل دخول الفصل، حينها رفض زملائي أن يمسكوا يدي لأنني أسود، أريتهم كفي بحسن نية قائلاً: هنا أبيض يمكن الإمساك به!".

لهذه العنصرية التي يعيشها الأطفال من أصول إفريقية ثقل كبير على نفسيتهم، حيث تجعلهم يحتقرون ذواتهم ويفقدون الثقة فيها كلما تقدموا في السن. لإثبات ذلك أجريت دراسة في الولايات المتحدة سنوات الأربعينيات، حيث قدموا دميتين، واحدة سوداء والأخرى بيضاء، وطلبوا من الأطفال السود الاختيار بينهما. كانت النتيجة أن اختاروا في أغلبهم دُمى بيضاء.

أعاد الوثائقي الفرنسي التجربة ذاتها على عشرة من الأطفال من أصول إفريقية، واختاروا جميعهم الدمى البيضاء، مع تعليل الاختيار بأن اللون الأبيض والعيون الزرق أجمل.

وتقول كاثي (في العشرين من عمرها)، راقصة باليه فرنسية من أصول هايتية، عن ذلك الاحتقار للذات الذي رافقها جراء تنمر زملائها في الدراسة، بأنه: "كنت أمتنع لوقت طويل عن أكل الشوكولاتة ظناً مني أنها السبب في لون بشرتي الأسمر".

ثلثهم تعرض لاعتداءات عنصرية

بلغة الأرقام، يورد الوثائقي، أن 32% من الفرنسيين من ذوي أصول إفريقية تعرَّضوا لاعتداء عنصري لمرة واحدة في حياتهم على الأقل. فيما تنقسم هذه العنصرية بين فردية ومؤسساتية.

يحكي إبراهيما، عداء فرنسي من أصول سنغالية، عن أبشع اعتداء تعرض له، كان في المرحلة الثانوية من مساره الدراسي، حين تعرض له ثلاثة شبان وسط ساحة المدرسة وتحرشوا به، نزعوا بنطاله هاتفين "هكذا نعري الزنجي!". سرت أطوار الحادثة أمام مرأى الجميع من طلاب ومدرسين، ولا أحد تدخل لإنقاذه منهم.

فيما لا يفرق إبراهيما بين حدة ذلك الاعتداء والتحرشات اليومية التي يتعرض لها من قبل الشرطة. يقول: "كلما اعتمرت لباسي الرياضي وخرجت للتمرين تطاردني الشرطة ظناً منهم أنني سارق فار". وأضاف: "هذا يحدث لي يومياً، وفي بعض الأحيان لثلاث أو أربع مرات في اليوم".

تنميط اجتماعي

يحال هذا الأمر على الصورة النمطية التي تلاحق حياة ذوي الأصول الإفريقية في فرنسا، والتي قد تحدد موقع هذه الحياة على هامش المجتمع. حيث تحكي كاثي عن استغراب مديرة المعهد الموسيقي عندما ذهبت لتسجل نفسها في دروس الباليه قائلة: "عذراً لكن لا نقدم دروساً في الهيب هوب هنا!".

ويورد الوثائقي شهادة مغني فرقة "سوبرانو" الفرنسية، الذي حكى كيف استدعى محصل القطار الشرطة ظناً منه أن أعضاء الفرقة من أصول إفريقية لم يدفعوا ثمن تذكرة الدرجة الأولى. كما يعرج على مسار بطلة التزلج الفني الفرنسية، سوريا بونالي، التي حرمت من الميدالية الذهبية في بطولة العالم بسبب لون بشرتها.

يلخص مغني الراب جان باسكال زادي إلى القول: "إنهم يحددون لنا مسارات النجاح، بالنسبة لهم على الشخص الأسمر أن يكون ناجحاً في غناء الراب أو لعب كرة القدم، لكن لا يتعدى حدود هذه المجالات النمطية".




TRT عربي
الأكثر تداولاً