تابعنا
يعود ملف الطاقة النووية الجزائرية إلى الواجهة، في ظل محادثات أخيرة أجراها وزير طاقة البلاد، محمد عرقاب، مع نائب رئيس الشركة الصينية للطاقة النووية ، شانغ يانغ فانغ، فيما تطرح هذه العودة أسئلة حول المشروع الجزائري القديم الجديد، ومدى إمكانية تحقيقه.

عاد مشروع إطلاق برنامج نووي مدني في الجزائر إلى الأنظار مجدداً، إثر اللقاء الأخير الذي أجراه وزيرة الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، مع رئيس فريق العمل الجزائري-الصيني المتخصص في التعاون في مجال الصناعة النووية ونائب رئيس الشركة الوطنية للطاقة النووية الصينية (CNNC) شانغ يانغ فانغ، في الرابع من مارس/آذار الجاري.

وأفاد بيان لوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية بأن محادثات الجانبين تركّزت على البرنامج النووي الجزائري، وعلى علاقات التعاون بين محافظة الطاقة الذرية الجزائرية والشركة الصينية "سي إن إن سي" في مجال الطاقة النووية واستعمالاتها النشطة وغير النشطة للأغراض السلمية، وآفاق تطويرها مستقبلاً.

ويُعدُّ هذا اللقاء هو الثاني خلال عام، الذي يلتقي فيه مسؤولون جزائريون نظراءهم الأجانب لتباحث الملف النووي، إذ استقبل وزير الطاقة، محمد عرقاب، في مارس/آذار 2023 وفداً من شركة "روساتوم" الروسية، لمناقشة التعاون في تطوير مجال الطاقة النووية واستعمالاتها للأغراض السلمية.

حلم قديم ومشروع جديد

تُعدُّ الطاقة النووية المدنية في الجزائر مشروعاً قديماً جديداً لهذا البلد العربي، ويعود أول تطلعاتها إلى هذا النوع من الطاقة خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، وفي عام 1996 أُنشئ أول مركز بحثي للتكنولوجيا النووية في الجزائر، وأُطلق عليه اسم "محافظة الطاقة الذرية"، وأُسندت إليه مهمة صياغة مشروع تطوير الطاقة النووية وتقنياتها في البلاد، وتحديد الاستراتيجية الخاصة بها لتنفيذه.

واليوم، طُوّرت "المحافظة" لتتوفر في مراكز البحث النووي التابعة لها مرافق نووية أساسية ومخابر البحث والتطوير ومنشآت التكوين، كما أُنشئ مُفاعل السلام، الذي تبلغ الطاقة الإنتاجية له نحو 1 ميجاوات، ثم وحدة تطوير عناصر الوقود النووي وحلقات اختبار تأهيل الوقود النووي، ووُضعت تحت مسؤولية المؤسسة.

وخلال الألفية الثالثة، ترددت أنباء كثيرة عن نيّة الجزائر ولوج مجال توليد الكهرباء من الطاقة النووية، ففي عام 2009 صرّح وزير الطاقة الجزائري وقتها، شكيب خليل، بأن بلاده تهدف إلى بناء أول محطاتها النووية لأغراض تجارية في عام 2020، وأنها ستبني محطة كل خمس سنوات بعد ذلك.

وفي عام 2013، ردد وزير الطاقة، يوسف يوسفي، الوعود نفسها، وقال: "نخطط لإنشاء أول محطة للطاقة النووية لدينا في عام 2025، ونعمل على هذا المشروع".

لكن مؤخراً، أصبحت الجزائر تعبِّر بجدية عن مطلبها للحصول على كهرباء نووية، ما يتبدَّى عبر تحركات وزير الطاقة الحالي، محمد عرقاب، في بحث التعاون مع دول نووية حليفة لبلاده في هذا المجال، خصوصاً الشركة الروسية للطاقة الذرية "روساتوم" ونظيرتها الصينية "سي إن إن سي".

ما سبب اهتمام الجزائر بالطاقة النووية؟

ويرجع محللون تزايد اهتمام الجزائر بالطاقة النووية إلى مساعي البلاد لتنويع مصادر طاقتها، في وقت تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الطبيعي، الذي تتوفر لديها احتياطيات ضخمة منه، بالإضافة إلى رغبة الحكومة الجزائرية في ترشيد استهلاك الطاقة وتحقيق النجاعة الطاقية.

وهو ما يؤكده الخبير الجزائري في شؤون الطاقة، عبد الرحمن مبتول، الذي يقول إن الجزائر، عبر استراتيجيتها الحالية، تسعى إلى تحسين نجاعتها الطاقية من خلال الاعتماد على تقنيات جديدة يمكنها ترشيد استهلاك الطاقة بنسب تتراوح بين 40 و50%.

ويوضح مبتول في حديثه مع TRT عربي أن سبب توجه الجزائر نحو بناء مفاعلات نووية مدنية لإنتاج الطاقة هو "من أجل معالجة الطلب المتزايد على الطاقة الذي تشهده البلاد".

ويؤكد الخبير، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب الدراسات في وزارة الطاقة والمعادن الجزائرية، أن "هذا المشروع واعد، لاعتبار أن البلاد لديها الإمكانيات التي تخول لها تنفيذه بنجاح وتحقيق الأهداف المرجوة منه".

ويشير مبتول إلى أن "الجزائر لديها احتياطي مُهم من اليورانيوم يُقدَّر بنحو 29 ألف طن، أي ما يكفي لتشغيل محطتين نوويتين بقدرة إنتاجية تعادل ألف ميغاواط لكل واحدة منهما لمدة قد تصل إلى 60 عاماً".

الطاقة النووية طموح عربي!

ليس طموح دخول نادي الطاقة النووية السلمية مقتصراً على الجزائر، بل هو طموح عدد من الدول العربية الأخرى، النفطية وغير النفطية، مدفوع بنفس دوافع التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، لكن حتى الآن تُعدُّ الإمارات هي الوحيدة التي نجحت في تحقيق هذا الطموح بمحطة براكة للطاقة النووية، التي دخلت الخدمة عام 2021.

وشرعت أبو ظبي في بناء محطة براكة عام 2011 بتعاون كوري جنوبي، وبتمويل إجمالي بلغ 24.4 مليار دولار، وتتكون هذه المحطة من أربع محطات حرارية، بقدرة توليدية تعادل 1345 ميغاواط/ساعة لكل واحدة منها، أي بمجموع 5600 ميغاواط/ساعة، وهو ما يغطي 25% من الحاجة الطاقية للبلاد.

وأعلنت مؤسَّسة الإمارات للطاقة النووية، في يوم 23 مارس/ آذار الجاري،أنها أتمَّت بنجاح ربط المحطة الرابعة من محطات براكة بشبكة كهرباء دولة الإمارات العربية المتحدة، ما سيضيف نحو 1400 ميغاواط من الكهرباء النظيفة إلى الشبكة، وسيعزز مسار الإمارات نحو تحقيق أهداف مبادرة الدولة الاستراتيجية للحياد المُناخي بحلول عام 2050.

في المقابل، لا تزال المملكة العربية السعودية بصدد العمل على دخول مجال الطاقة النووية، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، صرّح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بأن المملكة تعتزم تأسيس أول محطة نووية "ستُسهم في توفير متطلبات التنمية الوطنية المُستدامة، التي تضمنتها رؤية 2030، وفقاً للمتطلبات المحلية والالتزامات الدولية".

ويعود اهتمام الرياض بالطاقة النووية إلى عام 2010 بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وفي عام 2018 أعلنت حكومة المملكة رغبتها في إدخال الطاقة الذرية السلمية "ضمن مزيج الطاقة الوطني" وفق "رؤية المملكة الطموحة 2030".

وفي عام 2022، أطلقت مصر مشروع بناء أول محطة طاقة نووية في مدينة الضبعة التابعة لمحافظة مطروح شمال البلاد، وتتكون هذه المحطة من أربع مُفاعلات نووية، يُنتج كل واحد منها 1200 ميغاواط، أي بقدرة إجمالية تعادل 4800 ميغاواط.

وبعد أن ظل مشروع محطة ضبعة رهن المخططات منذ خمسينيات القرن الماضي، انطلق العمل على إخراجه إلى الواقع في عام 2017 بتعاون مصري روسي، وفي تلك السنة وقَّعت مصر وروسيا عقود إنشاء المحطة بتكلفة 28.5 مليار دولار، بما في ذلك دعم تشغيلي تقدمه شركة روساتوم على مدى 10 سنوات، إضافة إلى إمدادات الوقود لـ60 عاماً.

وكشفت تقارير إعلامية نهاية عام 2022، استعداد الحكومة المغربية لتوقيع اتفاقات إنشاء أول محطة نووية في البلاد، وأضافت التقارير وقتها أن رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين وافق من جانبه على مشروع اتفاقية بين الحكومتين الروسية والمغربية للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية.

وحسب تلك التقارير، "ستساعد روسيا المغرب على إنشاء وتحسين البنية التحتية للطاقة النووية، وتصميم وبناء المفاعلات النووية"، كما "ستقدّم روسيا المساعدة للمغرب من أجل التنقيب عن رواسب اليورانيوم وتطويرها ودراسة قاعدة الموارد المعدنية في البلاد، وتدريب الكوادر العاملة في محطات الطاقة النووية"، غير أن وسائل إعلام مغربية أوضحت أن الأمر يتعلق بـ"مُفاعل نووي تجريبي (...) شبيه بذاك الموجود مسبقاً لدى المغرب في غابة المعمورة".

TRT عربي