ما أهمية النيجر لفرنسا؟ / صورة: AFP (Ludovic Marin/AFP)
تابعنا

تدخل المحاولة الانقلابية في النيجر يومها الثالث، بعد انطلاقها يوم الأربعاء بعزل الرئيس محمد بازوم، وإعلان مجموعة "المجلس الوطني لحماية الوطن" العسكرية إسقاطها النظام وتعطيل العمل بالدستور، كما إقالة الحكومة وإحالة مهامها على موظفي الأمانة العامة للوزارات.

وفي أول خروج إعلامي له منذ بداية الحركة، برر رئيس الحرس الرئاسي النيجري ورئيس المجموعة الانقلابية، الجنرال عبد الرحمن تشياني، قرار الانقلاب بـ"تدهور الوضع الأمني" في البلاد الذي قوّضه عنف الجماعات الإرهابية. وقال في بيان: "النهج الأمني الحالي لم يسمح بتأمين البلاد على الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب النيجر والدعم الملموس والمقدر من شركائنا الخارجيين".

بينما تهدد هذه الأوضاع التي تعيشها النيجر مصالح فرنسا في البلد الإفريقي الذي يعد حليفها الأبرز في منطقة الساحل. هذا في وقت تعتمد فيه باريس على نيامي في عدة قضايا اقتصادية واستراتيجية، على رأسها نشر جنودها المنسحبين من مالي وبوركينا فاسو، كما استغلال الموارد الطبيعية النيجرية المعدنية والطاقية.

تهديد لفرنسا في النيجر

وعقب انتشار الأنباء عن المحاولة الانقلابية في النيجر، لم تضع باريس وقتاً في التعبير عن امتعاضها من الأحداث. وأعلنت الحكومة الفرنسية، على لسان وزيرة الخارجية كاثرين كولونا، إدانتها الشديدة "لأي محاولة للاستيلاء على السلطة باستعمال القوة"، وأن البلاد تضم صوتها إلى "الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في دعوتهما لاستعادة وحدة المؤسسات الديمقراطية النيجرية".

وأشارت وزيرة الخارجية الفرنسية إلى أن باريس لن تعترف بـ"المجلس الوطني لحماية الوطن" الانقلابي في نيامي، كسلطة شرعية للبلاد.

وفي السياق ذاته، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، محاولة الانقلاب تطوراً عسكرياً "خطيراً" على منطقة الساحل. وقال ماكرون في تصريحات يوم الجمعة: "هذا الانقلاب غير شرعي بتاتاً وخطير للغاية، على النيجريين والنيجر والمنطقة بأسرها".

وتخشى باريس ضياع آخر حلفائها في منطقة الساحل، بعد القطيعة مع مالي بعد تدهور العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم هناك، وطردها من بوركينا فاسو من الجنود الذين استولوا على الحكم إثر انقلابي عام 2022.

وهي مخاوف يؤكدها خبراء مؤسسة "أوكسفور إيكونوميكس" البحثية، بقولهم إنه بعد غينيا ومالي وبوركينا فاسو "يمكننا أيضاً توقع ضربة جديدة للنفوذ الفرنسي في منطقة الساحل".

شبح روسيا مجدداً؟

وشهدت العاصمة نيامي، يوم الثلاثاء، مظاهرات حاشدة داعمة للمحاولة الانقلابية. وتخللت هذه المظاهرات شعارات مناهضة لفرنسا، كما رفع العلم الروسي جنباً إلى جنب مع الأعلام الوطنية النيجرية. بينما ليست هي المرة الأولى التي تعيش فيها البلاد مظاهرات مماثلة، إذ تقود حركة سياسية تطلق على نفسها اسم "إم 62" هذه التحركات في الشارع النيجري.

وتزيد احتمالية تكرار سيناريو مالي وبوركينا فاسو في النيجر، أي دخول موسكو على خط النزاع الداخلي وسحب البساط من تحت أقدام النفوذ الفرنسي هناك. وهي شكوك يؤججها تسجيل صوتي أخير لرئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، اعتبر فيه أن "ما حدث في النيجر ليس سوى كفاح شعب النيجر ضد المستعمرين الذين يحاولون فرض نمط حياتهم عليهم".

بالمقابل، يرى محللون، أنه ليس هناك أدلة واضحة على يد روسية في محاولة الانقلاب في النيجر. وفي حديثه لـTRT عربي، قال الأكاديمي التشادي والباحث في الشأن الإفريقي إسماعيل طاهر، إنه: "إلى الآن لم يبدر شيء رسمي من الجهات المعنية (الانقلابية) يبرز أنها مساندة من الروس أو من أي طرف دولي آخر، وبالتالي لا نستطيع الآن أن نحكم على الأشياء، وسنترك ذلك لكي تكشفه الأيام القادمة.

بالمقابل، يضيف الباحث التشادي، "ما يمكن قوله هو أن النيجر توجد بجوار فيها حضور روسي، وهي مالي وبوركينا فاسو. كما أن في داخل الشارع النيجري أيضاً توجهاً كبيراً يطالب بالتخلص من تبعات الاستعمار الفرنسي. إضافة إلى أن شريحة واسعة من المشهد السياسي وقادة عسكريين كانوا رافضين لاحتضان البلاد لقوات بارخان الفرنسية بعد انسحابها في مالي".

ما أهمية النيجر لفرنسا؟

تتميز النيجر بأهمية كبيرة لمستعمرها السابق فرنسا التي ترى في البلد الإفريقي أبرز حلفائها في منطقة الساحل. وزادت هذه الأهمية مع التحولات الجذرية التي تعرفها المنطقة، أي بعد انحسار النفوذ الفرنسي هناك وطرده في كل من مالي وبوركينا فاسو.

عسكرياً واستراتيجياً، لعبت النيجر مُذاك نقطة الارتكاز الوحيدة للقوات الفرنسية في الساحل، كما المعقل الوحيد لتلك القوات بعد انسحابها من مالي وبوركينا فاسو عقب إنهاء عمليتي "بارخان" و"سابر". وتحتفظ باريس إلى اليوم بما يقدر بـ1500 جندي داخل الأراضي النيجرية. هذا إضافة إلى قاعدتين عسكريتين، أبرزهما قاعدة نيامي الجوية.

بينما هذه الأهمية تتضاعف في شكلها الاقتصادي، إذ قدر التبادل التجاري بين البلدين بـ2.8 مليار يورو فقط في النصف الأول لعام 2022، إذ بلغت الصادرات الفرنسية نحو النيجر قرابة 314 مليون يورو فقط. بينما البقية تمثل ما استوردته باريس من البلد الإفريقي كموارد طاقة.

وحسب الأرقام ذاتها الواردة عن وزارة المالية الفرنسية، فإن واردات البلاد من البترول النيجري ارتفعت بـ130% خلال الأشهر الستة الأولى من 2022، جراء الحرب في أوكرانيا. وتعد النيجر أحد البلدان الإفريقية الغنية بالبترول والغاز الطبيعي، إذ يقدر احتياطيها النفطي بـ953 مليون برميل، والغازي بـ24 مليار متر مكعب.

بينما ليس البترول المصدر الطاقي الوحيد الذي تستورده فرنسا من النيجر، بل أهم من ذلك يأتي اليورانيوم النيجري الذي يعد ركيزة البرنامح النووي الفرنسي. وتستورد فرنسا قرابة 7000 طن من اليورانيوم سنوياً، نحو 34% منها تأتي من النيجر، وبهذا يكون البلد الإفريقي أكبر مصدر لليورانيوم نحو باريس.

وتستولي شركات فرنسية، أبرزها شركة "أورانو"، على يورانيوم النيجر، رابع منتج لهذه المادة عالمياً، بمعية وارداتها من كندا وكازاخستان وأوزباكستان، لتلبية نحو 75% من احتياجات فرنسا من الطاقة الكهربائية النووية. بينما ينير اليورانيوم النيجري "مصباحاً من بين كل ثلاثة مصابيح" في التراب الفرنسي، حسب حديث سابق للنائب البرلماني نويل مامير.

TRT عربي
الأكثر تداولاً