"مفاتيح" أنقرة القوية.. تعرّف اتفاقية مونترو: طابو المضايق التركية / صورة: AA (AA)
تابعنا

في معرض حديثه خلال مؤتمر صحفي، قال مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي سيليست والاندر: "يمكننا العمل مع الدول المطلة على البحر الأسود، بما في ذلك تركيا لتجنب الصراع. نفذت تركيا المادة ذات الصلة من اتفاقية مونترو".

وفي الوقت الذي جرى فيه تفسير تصريحات والاندر على أنها تشير إلى رغبة الولايات المتحدة في فسخ أو تغيير اتفاقية مونترو، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لمراسل الأناضول خلال مؤتمر صحفي بمبنى الأمم المتحدة في نيويورك الأربعاء، بأن تركيا تنفذ أحكام اتفاقية مونترو بدقة وأن الولايات المتحدة لن تنجح في تغيير الاتفاقية الخاصة بعبور السفن الحربية من المضايق التركية في أثناء الحروب.

وأضاف لافروف: "إذا تقدمت واشنطن بطلب لتغيير اتفاقية مونترو، فإن زملاءنا الأتراك بصفتهم الجهة الراعية للاتفاقية، أكدوا لنا مراراً أنهم سينفذون بنود الاتفاقية بدقة". وتابع: "لا أعتقد أنهم سينجحون"، وفقاً لما نقلته الأناضول.

اتفاقية مونترو

جرى توقيع على اتفاقية مونترو، المعروفة رسمياً باسم اتفاقية مونترو المتعلقة بنظام المضايق، في 20 يوليو/تموز 1936، ودخلت حيز التنفيذ في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1936. وكان الغرض الأساسي منها هو معالجة القضية المعقدة المتمثلة في تنظيم حركة المرور البحرية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يربطان البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود.

وبتوقيع هذه الاتفاقية، حطمت تركيا آخر القيود التي كانت مفروضة على الجمهورية الفتية وتم استكمال الاستقلال بعد معاهدة لوزان التي كانت قد وضعت أسس الجمهورية التركية قبلها بـ 13 عاماً. وُقّعَت الاتفاقية في مدينة مونترو السويسرية بعد أن طلبت تركيا، التي تشعر بالقلق إزاء التحركات التوسعية في المنطقة، من الموقعين على معاهدة لوزان عام 1923 تغيير الطريقة التي يُرصًد بها المضيق.

وقالت تركيا حينها إن الظروف تغيرت وطلبت السلطة الكاملة، وبعد مفاوضات مع القوى العالمية بما فيها المملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي وفرنسا وغيرها، بما في ذلك جميع الدول المطلة على البحر الأسود، اتُّفق على أن تسيطر تركيا على المضيق.

وتشمل الاتفاقية 29 بنداً و4 ملحقات وبروتوكولاً واحداً أعطت لأنقرة الحق في السيطرة على المضايق البحرية الواقعة في نطاق سيادتها وتسليحها، على أن تكفل حرية المرور التامة للسفن التجارية التابعة لكل بلدان العالم في أوقات السلم والحرب، وأن يُسمح بمرور السفن الحربية للدول المطلة على البحر الأسود دون أي قيود. بالإضافة إلى ذلك، تحدد الاتفاقية رسوماً يمكن لتركيا تحصيلها من السفن التي تمر في مضايقها.

مونترو: صمام السلام في البحر الأسود

كفلت المعاهدة حريّة المرور للسفن التجارية عبر المضايق في أوقات السّلم والحرب، كما تسمح أيضاً بمرور السفن الحربيّة التابعة لدول حوض البحر الأسود بدون أيّ تحديد. وقيّدت المعاهدة مرور السفن الحربية الأجنبيّة غير التّابعة لأيٍّ من دول حوض البحر الأسود بشروط معينة، من أهمها: ألا يتجاوز عددها 9 سفن عند العبور من المضايق، بشرط إشعار تركيا بالمرور قبل 15 يوم، بالإضافة إلى ألا تتجاوز الحمولة الإجمالية للسفينة الواحدة 15 ألف طن، وألا تتجاوز مدة مكوث السفن في البحر 21 يوماً.

كما أعطت المعاهدة لتركيا الحق بإغلاق المضايق وقت الحرب. إذ قال الدكتور فرقان قايا، عضو هيئة التدريس في جامعة يدي تبه التركية: "ينظم المرور في المضايق في أثناء الحرب ثلاث مواد تختلف قواعدها حسب حالة تركيا من الحرب، إن لم تكن تركيا طرفاً في الحرب أو إن كانت طرفاً فيها أو إن شعرت أنها مهددة أو قريبة من أطراف متحاربة، وجوهر المواد الثلاث حظر مرور السفن الحربية. كما يخضع مرور سفن الدول التي ليس لها ساحل على البحر الأسود لشروط، تتعلق بعدد السفن وعدد مرات البقاء في البحر الأسود والعدد الإجمالي للحمولات ووزنها، ما يحصّن الدول المتشاطئة في البحر الأسود من عوامل التوتر القادمة من خارجه، بفضل اتفاقية مونترو".

واختُبرت هذه الاتفاقية للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما رفضت تركيا طلبات هتلر المتكررة باختراق معاهدة مونترو التي كانت بمثابة "القفل التركي" المانع لعبور القطع البحرية الألمانية إلى البحر الأسود، وهو ما دفع الألمان لنقل غواصاتهم براً إلى رومانيا وإنزالها في البحر الأسود إبان الحرب العالمية الثانية.

فيما أكدت تركيا في أثناء الحرب الباردة التزامها الاتفاقية. وفي عام 2008، عندما اعترفت روسيا باستقلال المنطقتين الجورجيتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، رفضت أنقرة طلب الولايات المتحدة السماح للسفن الحربية بالمرور عبر المضيق.

وخلال الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ عامين، أعلنت تركيا أن الأوضاع في أوكرانيا تحولت إلى "حرب"، ما يعني أنها ستطبق أحكام معاهدة مونترو حول المضايق وقت الحروب بكل شفافية.

مفاتيح البوسفور والدردنيل

بعد مرور نحو عام على وفاة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وفي عشية الأيام التي كان فيها العالم على شفا حرب كبرى مرة أخرى، أجرى وزير الخارجية التركي شكرو سراج أوغلو زيارة رسمية للاتحاد السوفييتي في 26 سبتمبر/أيلول 1939.

وفي حفل استقباله، قابله الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين بأذرع مفتوحة وبطريقة ودية قائلاً: "أتمنى أن تكون قد أحضرت معك مفاتيح مضيق إسطنبول"، وذلك في إشارة إلى اتفاقية مونترو.

ليجيبه سراج أوغلو بكل حرفية قائلاً: "للأسف يا صاحب السعادة، مصطفى كمال أخذ المفاتيح معه (إلى القبر) عندما توفي". وهي الإجابة التي كانت ولا تزال تكشف بوضوح موقف تركيا الدائم بشأن قضية المضايق.

ويرى الخبراء أن امتلاك أنقرة "مفاتيح" مضيقي إسطنبول والدردنيل من خلال اتفاقية مونترو جعل تركيا لاعباً هائلاً في الجغرافيا السياسية لمنطقة البحر الأسود. ومع استمرار تحول المشهد السياسي العالمي، فإن الأهمية الاستراتيجية لاتفاقية مونترو لا تزال قائمة، مما يجعلها عنصراً حاسماً في الحسابات الدبلوماسية والأمنية لتركيا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً