هل يتسبب انقلاب النيجر في أزمة بين الولايات المتحدة وفرنسا؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

على الرغم من إدانتها الانقلاب الذي وقع في النيجر، أواخر يوليو/تموز المنصرم، ومطالبتها الصريحة بإطلاق صراح الرئيس محمد بازوم، سعت الولايات المتحدة إلى المحافظة على نهج دبلوماسي مرن في التعامل مع السلطات العسكرية الجديدة في نيامي، محاولةً فتح قنوات حوار لإيجاد مَخرج من الأزمة.

وعلى الجهة الأخرى تقف فرنسا، الغاضبة من تهديد مصالحها في البلد الإفريقي، دافعةً إلى موقف أكثر حزماً في وجه ممسكي زمام السلطة الجدد المعادين لها، داعمةً العقوبات الاقتصادية على النيجر وقاطعة كل أشكال المساعدات للبلاد، كما لا تمانع أيضاً حدوث التدخل العسكري الذي تُلوح به المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) منذ اندلاع الأزمة.

وبدأت بوادر خلاف فرنسي-أمريكي حول هذه القضية، وهو ما ترجّحه تقارير إعلامية عدة، وتصريحات مسؤولين فرنسيين بأن واشنطن تركت باريس تواجه الأزمة وحدها وراحت تحاور خصومها الذين دبّروا للانقلاب، فيما يدافع الأمريكيون عن موقفهم بالسعي لمنع تفاقم "الإرهاب" في الساحل الإفريقي.

نهج واشنطن المرن في النيجر

منذ حدوث الانقلاب في النيجر، في 26 يوليو الماضي، تبنّت الخارجية الأمريكية لغةً حذرةً في توصيف ما يحصل في البلد الإفريقي. حيث تجنبت البيانات الأولى للخارجية الأمريكية استخدام مصطلح "انقلاب عسكري" للإشارة إلى استيلاء الجيش النيجري على السلطة.

وفي خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ63 لاستقلال النيجر، يوم 3 أغسطس/آب الجاري، تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن "التحدي الخطير" الذي تواجهه الديمقراطية النيجرية، دون أن يستخدم كلمة انقلاب عسكري. هذا قبل أن يشدد على المطالبة بإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم.

وحسب تقرير لـ"بوليتيكو" الأمريكية، فإن الحذر الدبلوماسي الأمريكي بشأن توصيف انقلاب النيجر، ينطلق من خوف واشنطن على مصالحها في البلد الإفريقي. لأن وصف الأحداث بـ"الانقلاب" هو قرار قانوني وليس مجرد مسألة استخدام كلمة واحدة، قد يجبر الإدارة الأمريكية على وقف جميع شراكاتها العسكرية والاقتصادية مع النيجر، وفق ما نشرت المجلة.

وتعد النيجر أبرز حليف للولايات المتحدة في ما يخص مكافحة نشاط الجماعات الإرهابية في الساحل. حيث يستضيف البلد الإفريقي أكثر من 1000 جندي أمريكي، يشاركون في التدريبات والعمليات الأمنية الإقليمية وحماية القاعدتين الجويتين اللتين يوجد فيهما عناصر الخدمة الأمريكيين، حسبما يوضح مقال لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى".

ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة تملك قاعدة جوية وحيدة من نوعها في منطقة الساحل، وهي "القاعدة الجوية 201" في الشمال النائي للنيجر، لتشغيل الطائرات من دون طيار التي توفر قدرات استخباراتية واستطلاعية ورقابية وهجومية بالغة الأهمية للجيش الأمريكي، ومن دونها ستكون الولايات المتحدة غير قادرة إلى حد كبير على تمييز مجموعة من التهديدات التي تمثلها هذه الجماعات المسلحة في المنطقة.

ومن هذا المنطلق، حسبما يُجمع محللون، اختارت واشنطن عدم التصعيد مع السلطات الجديدة في نيامي. حيث سعت الخارجية الأمريكية إلى فتح قنوات حوار مع المجلس العسكري، على الرغم من فشل المحاولة الأولى التي قادتها نائبة وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة فيكتوريا نولاند، في 8 أغسطس، إذ رفض قائد الانقلاب لقاء المبعوث الأمريكي.

وشدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي له يوم 16 أغسطس، على أن بلاده لا تزال ترى وجود فرصة للدبلوماسية في النيجر. وقال بلينكن: "لا نزال نركز بشدة على الدبلوماسية لتحقيق النتائج التي نريد، أي عودة النظام الدستوري، وأعتقد أنه لا تزال هناك مساحة للدبلوماسية لتحقيق هذه النتيجة".

ولخّص متحدث باسم وزارة الأمن القومي هذه الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الانقلاب في النيجر، بالقول: "بينما نواصل منح الدبلوماسية فرصة ومواصلة إجراءات حماية الأفراد والمنشآت الأمريكية، لم يتغير وضع قوتنا في النيجر، ونواصل تقييم الخطوات التالية لخدمة أهدافنا الديمقراطية والأمنية".

تشبث فرنسا بالقوة

مقابل هذا النهج الأمريكي، تتمسك فرنسا باستخدام القوة مع المجلس العسكري الانقلابي في النيجر، رافضةً أي حوار معه. وهو الموقف الذي أبانت عنه الحكومة الفرنسية منذ تعليقها الأول حول الأحداث في مستعمرتها السابقة وحليفتها الأبرز في الساحل.

من جهة أخرى، علّقت باريس جميع مساعداتها الإنسانية لنيامي، بل عاقبت بوركينا فاسو بتعليق المساعدات إليها أيضاً، عقب موقف المجلس العسكري هناك الداعم للانقلابيين في النيجر.

وأعلنت الحكومة الفرنسية دعمها لجهود "إيكواس" لدحر الانقلابيين في النيجر، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والتهديدات بالتدخل العسكري. وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، السبت 5 أغسطس، إن بلدها سيدعم "بحزم" جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من أجل إحباط الانقلاب العسكري في النيجر.

خلاف أمريكي-فرنسي حول النيجر

ويثير هذا الاختلاف في الرؤى حول الانقلاب في النيجر، خلافاً بين باريس وواشنطن، اللتين تعدّان أقدم حليفين في العالم. وهو ما أشار إليه تقرير أخير لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، مشيراً إلى أن "الانقلاب في النيجر يثير توترات جديدة في التحالف الأمريكي-الفرنسي".

وأضاف التقرير أنه على الرغم من أن المسؤولين الفرنسيين يدعمون أيضاً حلاً سلمياً في النيجر، فإنهم ينتقدون نهج الولايات المتحدة، معتبرين أن إشراك المجلس العسكري في أي حل دبلوماسي يعزز مركز الانقلابيين.

ونقلت المجلة الأمريكية عن مسؤول فرنسي قوله: "ربما كان ينبغي أن يكون رد الفعل الأفضل هو وضع بعض الشروط أو الضمانات قبل فتح تلك قنوات (الحوار مع الانقلابيين في النيجر)".

من ناحية أخرى، وحسب المصدر نفسه، فإن هذه الخلافات بين فرنسا والولايات المتحدة تشير أيضاً إلى تحول في ميزان القوى في منطقة الساحل، وهو ما يؤكد اختلاف مصالح البلدين في ثالثهما الإفريقي. كما أن الولايات المتحدة تعتقد أن لديها نفوذاً أكبر من فرنسا في النيجر، على الأقل بسبب حمولة باريس التاريخية كمستعمرها السابق.

وفي نفس سياق الانتقادات الفرنسية للموقف الأمريكي، قالت جريدة "لوموند" الفرنسية، إن المسؤولين الفرنسيين نظروا إلى المحاولات الأمريكية لفتح حوار دبلوماسي مع المجلس العسكري، على أنها "طعنات في الظهر" من حليف موثوق هو الولايات المتحدة.

وأضافت الجريدة الفرنسية، متهمةً الانقلابيين في النيجر، أنهم يلعبون على وتر الخلافات بين واشنطن وباريس، من أجل تعزيز مركزهم في أي نهاية ستشهدها الأزمة في البلد الإفريقي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً