لماذا يتنافس أقطاب العالم على القمر؟ (Others)
تابعنا

"إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة عملاقة للبشرية!" هكذا عبّر رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونغ، وهو يخطو خارج كبسولته الفضائية، كي يكون أول إنسان يطأ سطح القمر، في رحلته الشهيرة عام 1969. ومنذ ذلك الحين أصبح الكوكب، الذي لطالما حيَّر العلماء وألهم الشعراء، قِبلةً لرحلات بشرية أخرى، آخرها تلك التي أطلقتها وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، يوم الجمعة.

ولأول مرة منذ 50 عاماً، أطلقت "روسكوزموس" مهمة "لونا-25" لاستكشاف سطح القمر، بمسبار فضائي مخصَّص سيقضي هناك عاماً كاملاً، من أجل "أخذ عينات وتحليل التربة" القمرية، و "إجراء بحث علمي طويل الأمد"، وفق ما كشفت عنه وكالة الفضاء الروسية.

تأتي هذه الرحلة في وقت يحتدم في التنافس الدولي، بين كل من الولايات المتحدة والصين والآن روسيا، حول استكشاف القمر وبحث إمكانيات استغلال موارده المعدنية والمائية الهائلة.

"لونا" الروسية نحو القمر

أطلقت وكالة الفضاء الروسية صاروخ "سويوز 2.1 في"، الذي يحمل مهمة "لونا-25" إلى سطح القمر، بنجاح من قاعدة فوستوشني الفضائية على حدود سيبيريا. وتسعى وكالة الفضاء الروسية، بهذه المهمة، إلى الهبوط في منطقة القطب الجنوبي للقمر.

كانت غرفة عمليات المهمة بـ"روسكوزموس" قد أعلنت، يوم الأحد، عن بدء تشغيل الأجهزة العلمية على متن المسبار "لونا-25". وقالت وكالة الفضاء الروسية، في بيان، إن: "(لونا-25) تواصل رحلتها إلى قمر الأرض الطبيعي (...) جميع أنظمة المحطة الآلية تعمل بصورة سليمة والتواصل معها مستقر وتوازن الطاقة إيجابي".

وأضاف البيان: "حصلنا على بيانات القياس الأولى الخاصة بالرحلة المتجهة إلى القمر، وبدأ الفريق العلمي للمشروع معالجتها".

وتسعى روسيا إلى استمرار "لونا-25" في العمل لمدة عام على سطح القطب الجنوبي للقمر، حيث اكتشف علماء في "ناسا" ووكالات فضائية أخرى آثار جليد مائي في الحفر الموجودة في القطب الجنوبي.

سباق دولي شرس

تسعى روسيا، عبر مسبار "لونا-25" إلى أن تصبح أول دولة تضع قدمها على القطب الجنوبي من القمر، وقررت إرسال ثلاث بعثات قمرية أخرى على الأقل، خلال السنوات السبع القادمة، حسبما صرح رئيس برنامج الفضاء الروسي. وأشار إلى إمكانية تعاون بلاده مع برنامج الفضاء الصيني، في تنفيذ مهمة قمرية مأهولة.

وتسابق المركبة الروسية الزمن لتهبط على سطح القمر، قبل أن يسبقها المسبار الهندي "تشانداريان-3" إلى هناك. وكانت الهند، في منتصف يوليو/تموز المنصرم، قد أطلقت المسبار في مهمة للدوران حول القمر والهبوط على سطحه الجنوبي. ومنذ عام 2008، يسعى برنامج الفضاء الهندي إلى إنجاح هذا الهبوط.

وفي شهر يوليو أيضاً، كشفت الصين عن خطتها لتنفيذ رحلات مأهولة إلى القمر بحلول عام 2030، في مهمة، إذا نجحت، ستجعل الصين ثاني دولة تحقق هذا الإنجاز بعد الولايات المتحدة.

وعكس رحلة "أبولو" الأمريكية، تخطط الصين لإرسال مركبة الهبوط ومركبة القيادة بشكل منفصل إلى مدار القمر. وقال تشانغ هايليان، نائب كبير المهندسين في المكتب الهندسي لوكالة الفضاء الصينية، إنه بعد إجراء الأبحاث العلمية وجمع العينات، سيصعد الطاقم إلى مركبة الهبوط للصعود إلى مدار القمر، حيث سيلتقون ويرسون بمركبة القيادة الفضائية لرحلة العودة إلى الأرض.

وأضاف هايليان أن الباحثين الصينيين يطوّرون الصاروخ الحامل الثقيل لهذه المهمة "لونغ مارش 10"، وجيلاً جديداً من المركبات الفضائية المأهولة، ومركبة هبوط على سطح القمر، ومركبة قمرية مأهولة جديدة.

وقبل ذلك، تخطط الصين لإنزال المسبار "تشانغ" في عام 2025، الذي سيكلَّف مهمة جمع عينات من الجانب البعيد من القمر لأول مرة في تاريخ البشرية.

وفي هذا الصدد، تستعد الولايات المتحدة الأمريكية إلى إرسال رحلات مأهولة إلى القمر في عامي 2025 أو 2026، في مهمة أُطلق عليها اسم "أرتميس 3"، الهدف منها استكشاف القطب الجنوبي من القمر. وستعتمد في إنجاز هذه الرحلة على صاروخ "ستار شيب" التابع لشركة "سبيس إكس" المملوكة للملياردير إيلون ماسك.

في المقابل، يرى مراقبون أن القمر ليس الوجهة النهائية للبرنامج الأمريكي، إذ تأمل وكالة "ناسا" على المدى البعيد أن تجد أفضل الطرق للعيش والعمل والنجاة في ظروف الفضاء الخارجي غير المواتية، ما سيجعل المهمات المأهولة إلى المريخ ممكنة بحلول منتصف سنوات 2030.

معادن وذهب ومياه متجمدة

يعود هذا التنافس الدولي على القمر لما يزخر به ذلك الكوكب من معادن نفيسة وموارد طاقة، بالإضافة إلى الكميات الهائلة من المياه المتجمدة التي يحويها تحت سطحه، والتي يراهن على استغلالها في توطين البشر فيه، ومنه إنشاء منصة إطلاق نحو المريخ، تجعل من تكاليف السفر إلى الكوكب الأحمر منخفضة مقارنةً مع الأرض. وفق خبراء.

وفي عام 2008، أثبتت أبحاث لفريق المسبار الهندي "شاندرايان-1" وجود جزيئات الماء محتجزة تحت سطح القمر. وفي نفس العام، وبالاستفادة من التطورات التكنولوجية منذ رحلة "أبوللو" الأولى، أعاد باحثون من جامعة براون الأمريكية النظر في العينات التي جُمعت خلال تلك الرحلة ليجدوا الهيدروجين داخل حبات صغيرة من الزجاج البركاني، وهو علامة على وجود الماء.

وإضافةً إلى هذا، حسب تقديرات وكالة "ناسا" الأمريكية، يحوي القمر ما يعادل مليون طن متري من غاز الهيليوم-3، وهو نظير من نظراء الهيليوم الذي يمكن أن يُستخدم في إنتاج طاقة هائلة عبر التفاعلات النووية الاندماجية، في حين لا ينتج عنه أي نفايات إشعاعية، حسب تقرير لوكالة الفضاء الأوروبية.

وفي عام 2009، أكدت تحليلات أجرتها وكالة الفضاء الأمريكية على عينات من القمر، وجود جزيئات الذهب. لكن ليس من المعروف إلى الآن حجم هذه الاحتياطيات من ذهب القمر، ولا الجدوى الاقتصادية لتعدينها.

في المقابل، أثبتت الأبحاث أن القمر يحتوي على تركيز أكبر من المعادن الأرضية النادرة، التي تُستخدم في الصناعات التكنولوجية عالية الدقة وصناعات الانتقال الطاقيّ مثل البطاريات والألواح الشمسية. وأكدت دراسة لشركة "بوينغ"، وجود معادن أرضية نادرة مثل السكانديوم والإيتريوم واللانثانيدات 15، على سطح القمر.

ويبقى استغلال هذه الموارد المكتشفة في القمر تحدياً كبيراً للبشرية، إذ يتطلب تطوير تقنيات تعدين متطورة، قادرة على التعامل مع الظروف البيئية الصعبة للكوكب، مثل التقلبات الحرارية الشديدة والغبار القمري الكاشط.

TRT عربي
الأكثر تداولاً