منجم لاستخراج وتعدين اليورانيوم تشرف عليه شركة آرفا الفرنسية في النيجر / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

تشهد دول الساحل الإفريقي خلال السنوات الأخيرة تنافساً شرساً بين الأقطاب العالمية الكبري، لما تزخر به تلك البلدان من ثروات معدنية وطاقية. وهو ما يتبدى على الأرض في شكل قلاقل سياسية واسعة، وانقلابات كثيرة أصبحت تهز المنطقة، مهددة نفوذ مستعمرها القديم فرنسا.

ويزيد استمرار أزمة الطاقة التي أثارها اندلاع الحرب في أوكرانيا، واتجاه الدول نحو تطبيق سياسات تحول طاقي تعد معادن نظيراتها الإفريقية عصب صناعاته الخضراء، حاجة الدول الكبرى كالصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى الموارد الطبيعية لدول الساحل الإفريقي.

خارطة خيرات الساحل الإفريقي

تمتد منطقة الساحل من السنغال غرباً إلى تشاد شرقاً، مروراً بكل من موريتانيا ومالي و بوركينا فاسو والنيجر، مشكّلة بذلك موطناً لأكثر من 100 مليون نسمة يتفشى بين أغلبيتهم الفقر ويعيشون أوضاعاً اقتصادية هشة. بالمقابل، تحوي هذه البلدان في باطنها احتياطيات هائلة من المعادن والموارد الطاقية.

وتطفوا دول الساحل فوق احتياطيات كبيرة من النفط والغاز: إذ يبلغ احتياطي النيجر من الوقود الأحفوري 993 مليون برميل من النفط و175 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. فيما يناهز احتياطي جارتها الشرقية، تشاد، نحو 1.5 مليار برميل من النفط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلنت كل من موريتانيا والسنغال عن اكتشافات كبيرة من الغاز، تصل إلى 50 تريليون قدم مكعب في حقل "أحميم" بمياههما الإقليمية. هذا بالإضافة إلى حقل "باند" الموريتاني، الذي يحوي نحو 1.2 تريليون قدم مكعبة من الغاز. ولموريتانيا أيضاً احتياطيات نفطية مهمة، تقدر بـ20 مليون متر مكعب.

إضافة إلى هذا، تمتلك منطقة الساحل احتياطيات مهمة من اليورانيوم، الذي يستخدم في توليد الكهرباء النووية. وتحوي النيجر نحو 7% من إجمالي الاحتياطي العالمي من اليورانيوم، أي ما يقدر بـ 532 ألف طن، ما يجعلها رابع منتج لهذه المادة في العالم. فيما تمتلك كل من التشاد ومالي احتياطيات أقل من هذا المعدن، تقدر بـ2.4 ألف طن للأولى و9 آلاف طن للثانية.

بالمقابل، تمتلك دول الساحل احتياطيات مهمة من الذهب تقدر إجمالاً بـ1020 طن متري من المعدن النفيس. وتتوزع تباعاً بين 13 منجماً في مالي باحتياطي 800 طن متري، و11 منجماً في بوركينا فاسو باحتياطي 154.2 طن متري، بينما يبلغ احتياطي النيجر 65 طناً مترياً.

من ناحية أخرى، توجد احتياطيات كبيرة من الليثيوم في مالي، في منجم غولامينا، تقدر بنحو 142.3 مليون طن متري. أما بالنسبة للفوسفات، فتملك النيجر احتياطياً يناهز 2 مليار طن متري، تليها موريتانيا بـ1.2 مليار طن متري، ثم مالي بـ600 مليون طن متري، و200 مليون طن متري في تشاد و100 مليون طن متري في بوركينا فاسو.

وتتوزع احتياطيات الأتربة النادرة في دول الساحل كالآتي: 12 مليون طن متري في مالي، 10 ملايين طن متري في النيجر، 6 ملايين طن متري في موريتانيا، 2 مليون طن متري في بوركينا فاسو ومليون طن متري في تشاد، وفق أرقام المرصد الجيولوجي الأمريكي.

كيف نهبت الدول العظمى ثروات الساحل؟

تعرضت خيرات دول الساحل إلى نهب واسع، بدأ مع الفترة الاستعمارية، إذ عمدت فرنسا إلى استغلال تلك الخيرات لصالحها. واستمر هذا النهب الفرنسي حتى بعد حصول تلك الدول على استقلالها، عبر شبكة معقدة من العلاقات السياسية الفاسدة ومؤسسات تعدين وأبناك، أو ما يسمى اصطلاحاً بـ "فرانس أفريك".

وعبر سياسات مالية استغلالية فرضت فرنسا على هذه البلدان استخدام عملة الفرنك الإفريقي، وبحكم هذه السياسة تورد دول الساحل 100% من احتياطي عملتها الصعبة إلى البنك المركزي الفرنسي تحت ذريعة توفير غطاء نقدي لإصدار الفرنك الفرنسي واليورو بعدها. وقد جرى تخفيض هذه النسبة إلى 65% في السبعينيات، ولاحقاً إلى 50% منذ عام 2005.

وبالتوازي مع ذلك وطنت فرنسا القسم الأكبر من أذرعها الاستخباراتية والمرتزقة من أجل إطباق السيطرة على الوضع السياسي بما يخدم استمرار مصالحها. مهمات تلك الأذرع كانت هندسة الأنظمة السياسية الإفريقية، وتنفيذ اغتيالات وانقلابات في حق من يعارضون تلك المصالح. من بينها اغتيال الرئيس البوركينابي توماس سانكارا بانقلاب سنة 1987، وقبلها رئيس التشاد فرانسوا إنغرتا سنة 1975.

اليوم، تزيد وتيرة هذا النهب لموارد دول الساحل بعد دخول لاعبين جدد إلى الساحة، على رأسهم شركات التعدين الصينية والروسية والأمريكية. والتي تتبع نهج نظيرتها الفرنسية نفسه، بربط علاقات مع السلطات القائمة أو السياسيين والعسكريين الطموحين للاستيلاء على السلطة، وهو ما يلقي بالمنطقة في فوضى الانقلابات التي تشهدها في السنوات الأخيرة. وفق محللين.

وعلى خلفية هذه الانقلابات، ومقابل دعمها العسكري للانقلابيين، وسعت مجموعة فاغنر الروسية نشاطات تعدينها في الساحل، وخصوصاً نشاطات تعدين الذهب، وهو ما مكنها من تمويل مجهودها الحربي في أوكرانيا، حسب مصادر غربية.

وبرز مؤخراً ما بات يعرف بـ"الفضائح الجيولوجية"، إذ تسعى شركات التعدين الغربية التي يشهد نشاطها تزايداً كبيراً في الآونة الأخيرة، وفي جزء منها شركات وهمية، إلى استصدار تراخيص تعدين في دول الساحل مع وعود بعمولات لصالح رجال السلطة الحاكمة في بعض البلدان، لتطرح بعد ذلك أسهمها في البورصات وتحصل على فائض الاستثمارات.

وأصبحت كندا جنة ضريبية لمثل هذه الشركات، التي تنهب خيرات بلدان الساحل، دون أن يكون لتلك الصادرات المعدنية أي مردود اقتصادي على البلد المصدر ومجتمعاته المحلية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً