هل تتوقف انقلابات إفريقيا عند الغابون؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

انضمت الغابون إلى لائحة الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية مؤخراً. ذلك حين أعلن الجيش، صباح الأربعاء، فرض سيطرته على السلطة وحل كل مؤسسات الدولة، وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي فاز فيها الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة مثيرة للجدل.

وتأتي هذه الأحداث على بُعد أسابيع قليلة من الانقلاب الذي شهدته النيجر، والذي نجح فيه الجيش في إزاحة الرئيس محمد بازوم واحتجازه في مقر إقامته.

ويطرح توالي الانقلابات في القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة تساؤلات كثيرة حول مدى الاتساع الذي ستصله رقعتها، بينما يربط محللون هذه الظاهرة بسياسات النهب الاستعمارية التي تنهجها الدول الغربية في القارة السمراء.

آخرها الغابون

يأتي الانقلاب الأخير في الغابون مرتبطاً بالانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد يوم السبت، والتي مرت في مناخ من التشكيك في نزاهتها واتهام حكومة بونغو بتزوير نتائجها. وهو ما دفع السلطات إلى فرض حظر تجوال وقطع خدمة الإنترنت، مبررة ذلك بمخاوفها من اندلاع أعمال عنف.

وفي الساعات الأولى من صباح الأربعاء، أعلنت الهيئة المكلفة بالانتخابات في الغابون، فوز الرئيس علي بونغو، الذي يحكم البلاد منذ 14 عاماً، بولاية رئاسية ثالثة إثر حصوله على نسبة 64,27% من الأصوات.

وعقب إعلان النتائج بشكل رسمي تحرك عسكريون للانقلاب على السلطة في العاصمة ليبرفيل. واستولى الانقلابيون على مبنى التلفزة الرسمية، ومنها أذاعوا بياناً أعلنوا فيه إلغاء نتائج الانتخابات وحل كل مؤسسات الدولة. مؤكدين أن هذه الحركة تمثل جميع قوات الأمن والجيش في البلد الواقع وسط إفريقيا.

واعتبر بيان الانقلاب أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة "لم تلب الشروط اللازمة لانتخابات شفافة وشاملة وذات مصداقية، كما يطمح إليها الرجال والنساء في غابون". كما أدان الانقلابيون "الحكم غير المسؤول (للرئيس بونغو)، الذي أدى إلى تدهور مستمر في السلم الاجتماعي، ويخاطر بدفع البلاد إلى الفوضى" .

وفي بيان عسكري منفصل، قال انقلابيو الغابون بأنه جرى وضع رئيس الغابون علي بونغو "قيد الإقامة الجبرية" محاطاً بعائلته وأطبائه، فيما أوقف أحد أبنائه بتهمة "الخيانة العظمى".

وفي أولى ردود الفعل الدولية على الأحداث، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية: "نحن نتابع باهتمام بالغ التطورات الأخيرة في الغابون". فيما طالبت الخارجية الصينية الأطراف في الغابون بـ "إعادة النظام إلى البلاد والحرص على ضمان سلامة الرئيس علي بونغو"، حسب بيان تلاه الناطق الرسمي باسمها.

من جانبه، قال مسؤول الخارجية الأوروبية جوسيب بوريل، بأن "وزراء دفاع الاتحاد سيناقشون الوضع في الغابون"، معتبراً أن الانقلاب "مشكلة كبيرة لأوروبا" و"سيزيد من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة".

"حزام انقلابات" إفريقيا

منذ عام 2012، شهدت القارة الإفريقية عشرات الانقلابات ومحاولات الانقلاب، وتحتل منطقة غرب القارة السمراء الصدارة التاريخية في هذه الأحداث، بنسبة 44.4% من إجمالي انقلابات القارة، وهو ما دفع إلى تسميتها بـ"حزام الانقلابات".

وعرفت منطقة الساحل وحدها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ7 انقلابات على الأقلّ. وقبل انقلاب النيجر في 28 يوليو/تموز الماضي، شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.

وتشترك هذه الانقلابات التي تشهدها القارة الإفريقية مؤخراً في عدد من النقاط، أبرزها ما يقدمه الانقلابيون كمبررات لتحركهم. وفي تصريحات سابقة له لـTRT عربي، أكد الباحث التشادي في الشأن الإفريقي إسماعيل طاهر، أن: "المبررات التي يقدمها العسكريون للانقلابات التي شهدتها دول إفريقيا الفرانكوفونية خلال السنتين الأخيرتين هي نفسها".

وأضاف الباحث أن "هذه المبررات دائماً ما تدور حول الوضع الأمني المتردي ومكافحة الإرهاب المستشري في منطقة الساحل الإفريقي، وفساد إداري وتدهور العمل الاقتصادي وسوء الإدارة (...)، كذلك دائماً ما يلتفّ المدنيون عندما يتولون السلطة حول الدستور وتمطيط فترات الحكم، وهو ما يدفع العسكريين إلى الانقلاب".

عامل مشترك آخر بين هذه الانقلابات، هو أن قادتها في معظمهم من رتب عسكرية متوسطة نسبياً، وأيضاً أغلبهم شباب في الثلاثينيات أو في بداية الكهولة. وهو ما يفسره مراقبون، كمعبر عن سخط الفئات الشبابية من الأنظمة القديمة، وهو ما يؤكده خروج الشباب لتأييد تلك الانقلابات.

كما أبرزت التوترات الأخيرة بين السلطات الجديدة في النيجر ومجموعة "إيكواس"، نشوء تحالف بين هذه الأنظمة الانقلابية، إذ رفضت كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا أي تدخل عسكري في النيجر. وأعربت سلطات تلك البلدان، في بيانات متفرقة، عن دعمها للسلطات الانقلابية في النيجر في وجه تهديدات المجموعة.

ما علاقة الانقلابات في إفريقيا بالسياسات الغربية؟

تشترك الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية مؤخراً في كونها مستعمرات فرنسية سابقة، وهو ما يسلط الضوء على أبرز الأسباب الكامنة وراء تلك الأحداث، وهي سياسات نهب الموارد الطبيعية والإفقار التي نهجتها باريس هناك، الأمر الذي يفسره التناقض القائم بين كون تلك البلدان الأغنى من ناحية الموارد لكنها تعيش في فقر كبير ومستويات متدنية من التنمية.

ودأبت فرنسا، عبر شبكة معقدة من العلاقات السياسية ومؤسسات تعدين وأبناك فيما يسمى اصطلاحاً بـ "فرانس أفريك"، على نهب خيرات القارة الإفريقية. كما اتبعت سياسة فرض استخدام عملة الفرنك الإفريقي، التي بموجبها تورد الدول الإفريقية 100% من احتياطي عملتها الصعبة إلى البنك المركزي الفرنسي، تحت ذريعة توفير غطاء نقدي لإصدار الفرنك الفرنسي واليورو بعدها.

من ناحية أخرى، ساهم دخول لاعبين جدد إلى حلبة التنافس على موارد إفريقيا، كالصين وروسيا والولايات المتحدة، في خلق استقطاب جيوسياسي شديد في القارة. وفي وقت وصل فيه السخط على فرنسا إلى مستويات عالية، أصبح هؤلاء اللاعبون الجدد بدائل مطروحة أمام قوى المعارضة الإفريقية للتحالف معها، ما ينتج عنه صدمات عنيفة بينها وبين السلطات المدعومة من باريس.

وفي هذا الصدد، يجادل مقال لـ"وول ستريت جورنال"، بأن عدم اهتمام الغرب بالأفارقة وعدم استجابة السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية لتطلعات بلدان القارة السمراء، ما سمح لروسيا والصين أن تدخل المنافسة ممثلة دور البديل.

وقال كاتب المقال، فرانسوا بيرد، مؤسس شركة بيرد للاتصالات والاستشارات الإدارية الأمريكية، إنه "بعد الحرب الباردة، ذهبت معظم البلدان الإفريقية نحو تبني القيم والمؤسسات الغربية، لكن هذا التقدم أصبح الآن في خطر، لأن صناع السياسة في أمريكا وأوروبا لم يهتموا بأن ميزان القوى قد تغيّر، من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية وكتلة البريكس".

TRT عربي
الأكثر تداولاً