تابعنا
التعليم هو الهدف الأساسي لدى أمهات منطقة "حي البطن السمين" بقطاع غزة، إذ يحرصن بشكل كبير، على تشجيع أطفالهن على متابعة دراستهم. الهدف من ذلك هو محاربة الفقر.

غزة - عندما تكون ظروف الحياة قاسية على الآباء، يصبح التعليم المنقذ الوحيد للأبناء. هكذا تفكر أمهات "حي البطن السمين"، أفقر منطقة جنوبي قطاع غزة، حيث يعيش الساكنة في ظروف سيئة جدّاً، داخل منازل لا تصلح للعيش أبداً. الفقر هو الذي أجبر هؤلاء على تَحمُّل هذه الظروف، فقر ناتجٌ عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه سكان قطاع غزة منذ أكثر من 12 عاماً، والذي قصم ظهور العائلات الفقيرة في هذا الحي التي يبلغ عددها أكثر من 150 عائلة تتشابه ظروف حياتها وتتشارك الوجع وقساوة الزمن.

التعليم هو الهدف الأساسي لدى أمهات هذه المنطقة، إذ يحرصن بشكل كبير، وكل يوم، على تشجيع أطفالهن على متابعة دراستهم.

الفقر لا يمنع الطفل من التعليم

سماح أبو عبد الله (33 عاماً) أمّ لأربعة أطفال يدرسون في مدارس "الأونروا" التي تبعد عن بيتهم مسافة طويلة. ساعة كاملة مشياً على الأقدام هي الوقت الذي يقضيه هؤلاء الأطفال كلّ اليوم للوصول إلى مقاعد الدراسة.

تقول سماح لـTRT عربي: "أنا حريصة جدّاً على تعليم أطفالي، وكل يوم أتابع دروسهم أولاً بأول لكي أطمئنّ بأنهم في مستوى ممتاز، هم مدركون الوضع الذي نعيش فيه، وبالتأكيد يتمنّون العيش بأفضل حال، والعلم هو الوسيلة لذلك، هو المنقذ من أنياب هذا الفقر المدقع".

لم تستطِع سماح متابعة دراستها الجامعية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها والتي لازمتها بعد الزواج، ويعاني منها اليوم أطفالها، لكنها تحاول تعويض ذلك بتعليم أطفالها حتى يستطيعوا تغيير واقعهم وحياتهم، على الرغم من غياب مستلزمات وأدوات الدراسة.

تضيف سماح: "البيئة الفقيرة التي نعيش فيها لا يجب أن تكون عائقاً أمام دراستهم، أن تكون فقيراً لا يعني أن تهمل تعليمك، بل على العكس من ذلك، قد يصبح الفقر دافعاً قويّاً لمتابعة التعليم".

يوجد "حي بطن السمين" بجانب مكبّ للنفايات الذي يسبب وجود الحشرات باستمرار، بالإضافة إلى روائح كريهة تؤثر على الأطفال طوال السنة. كما أن بيوت هذا الحي مصنوعة من النايلون وألواح الزينقو البالية التي لا تحميهم حرَّ الصيف وبرد الشتاء. تبقى الأمنية الوحيدة لهؤلاء لأطفال هي الخروج من هنا وإيجاد مكانٍ أنظف للعيش.

"أطفالنا سيعوّضوننا عن القهر"

نسرين زعرب (30 عاماً)، أمّ لستة أطفال، لم تكمل تعليمها المدرسي وزوجها لا يعرف الكتابة والقراءة، وهو ما شكّل دافعاً كبيراً لها إلى الاهتمام بتعليم أطفالها. لقد عانت نسرين من الانقطاع عن الدراسة ومن الزواج المبكر، ولا تريد أن يمرّ أطفالها بنفس التجارب القاسية.

تقول لـTRT عربي: "تعليم الطفل هو شيء أساسي ومهمّ، عندما أنظر إلى والدهم الذي لا يعرف القراءة والكتابة، وإلى نفسي أيضاً، أشعر برغبة كبرى تدفعني إلى تعليمهم ومتابعة دراستهم، رغبة حارقة في تقديم النصائح لهم بأهمية التعليم في إخراجنا من هذا الحي ومن هذا الوضع".

في كثير من الأحيان، يكون بعد المدراس سبباً لتراجع الأطفال في دراستهم، أو انقطاعهم عن الدراسة. غير أن نسرين لا تتوانى عن تشجيع ودعم أبنائها وحثّهم على الصبر من أجل تحقيق أحلامهم.

تقول لـTRT عربي: "أبنائي الثلاثة يعانون أمراضاً بالجهاز التنفسي بسبب الروائح الكريهة التي تخرج من مكبّ النفايات، وهذا يمكن ببساطة أن يمنعهم من الذهاب إلى المدرسة كلّ يوم، لكنهم مع ذلك يذهبون. نحن نعيش في منطقة لا تتوفّر على أساسيات الحياة وتغيب فيها المواصلات. أطفالنا معزولون عن الحياة بأكملها".

الفقر سبب عزلة الأطفال عن الناس

آمنة نصر (28 عاماً)، دفعها الحرمان من استكمال التعليم إلى الإحساس بأهمية تعليم أبنائها.

تقول لـTRT عربي: "درستُ المرحلة الابتدائية، لكنني سرعان ما انقطعت عن الدراسة، لم أعد أعرف القراءة ولا الكتابة، لذلك عندما أرى أبنائي يكتبون أصاب بنوبة بكاء".

وتضيف: "أشجّعهم على التعليم دائماً وأتابع معهم الدراسة وأحاول توفير مصاريف الحصص الخصوصية من أجل تقويتهم في موادّهم الدراسية، بل إنني أستطيع القول إن التعليم أهمّ من الطعام بالنسبة إلَيّ. أطفالنا لا يملكون شيئاً هنا غير التعليم، لا ألعاباً ولا تسلية ولا أماكن للتنزُّه".

يشتكي الأطفال المسافة الطويلة التي يُضطرُّون إلى قطعها من أجل الوصول إلى المدرسة، وأيضاً من خطورة الطريق بوجود الكلاب الضالة في أوقات الصباح الباكر، بالإضافة إلى خوفهم من المقبرة التي يمرُّون من خلالها للوصول إلى المدرسة.

إنهم يعيشون كل يوم تحدِّي مواصلة الدراسة. يتحملون الشمس الحارقة وقت الظهيرة عند عودتهم إلى بيوتهم، التي تسبّب لهم المرض، ويتحملون برد الشتاء، وبعد المسافات.

لا علاج للأطفال

ياسمين أبو طه (31 عاماً)، أم لثلاثة أطفال من ذوي الإعاقة السمعية، وهي عاجزة عن توفير العلاج لهم وعن توفير الأدوات المدرسية، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها، لكنها تحاول بأقل الإمكانيات تشجيعهم على الاستمرار في التعلم.

تقول لـTRT عربي: "أنهيت دراستي الجامعية، لكنّ الظروف أجبرتني على العيش في هذه البيئة الفقيرة التي أحاول أن لا أجعلها عائقاً أمام تعليم أبنائي، وبالكاد أوفّر لهم الأدوات الدراسية من أقلام ودفاتر. لذلك عليهم أن يتعلموا، حتى يخرجوا من هنا".

يشعر الأطفال بسعادة كبيرة عندما يعلمون أن مبادرة شبابية نُظّمَت في منطقتهم، لأن ذلك يعني كثيراً من اللعب والتسلية والضحك. ينتظرون قدومهم من الصباح الباكر مرتدين أجمل ما لديهم من ملابس كأنه يوم عيد.

ويحسّ أطفال منطقة "حي البطن السمين" بالغبن، وبأنهم مختلفون عن زملائهم في المدرسة. صعوبة البيئة التي يعيشون فيها تسبّب لهم التعب والإرهاق طول الوقت، لكنها في نفس الوقت تضخّ فيهم من الطاقة ما يمكن أن يكسر كل شيء، إنهم يحلمون كل يوم بالتغلب على الفقر بالتعلّم، وبأن تتغير أوضاعهم وتكون لهم يوماً مكانة كبيرة في المجتمع.

يُذكَر أن معدَّلات الفقر تفاقمت في السنوات الأخيرة في قطاع غزة لتصل إلى 80%، بالإضافة إلى أن نسبة البطالة تزايدت إلى 54%.

التعلّم هو الفسحة الوحيدة لأطفال منطقة "حي البطن السمين"، حيث تغيب أساسيات الحياة ووسائل التسلية (TRT Arabi)
عانت نسرين من الانقطاع عن الدراسة ومن الزواج المبكر، ولا تريد أن يمرّ أطفالها بنفس التجارب القاسية (TRT Arabi)
ياسمين أبو طه أم لثلاثة أطفال من ذوي الإعاقة السمعية، وهي عاجزة عن توفير العلاج لهم وعن توفير الأدوات المدرسية (TRT Arabi)
تحرص سماح على تعليم أطفالها حتى يستطيعوا تغيير واقعهم وحياتهم، على الرغم من غيابمستلزمات وأدوات الدراسة (TRT Arabi)
آمنة نصر (28 عاماً)، دفعها الحرمان من استكمال التعليم إلى الإحساس بأهمية تعليم أبنائها (TRT Arabi)
التعليم هو الهدف الأساسي لدى أمهات منطقة "حي البطن السمين" إذ يحرصن على تشجيع أطفالهن على متابعة دراستهم (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً