أطفال لاجئون من الحرب في سوريا (Joel Carillet/Getty Images)
تابعنا

في قرارها الذي أعلنته، الأربعاء، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأحقية لاجئة صومالية مسلمة، ماريا عبدي إبراهيم، في استرداد طفلها من أسرة حاضنة مسيحية في النرويج كان قد سلّم لها بهدف التبني. فيما يأتي ذلك بعد نظرها في اعتراض تقدمت به الأم.

وخلصت المحكمة إلى أن تسليم الطفل لأسرة حاضنة مسيحية ينتهك مادة الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنظم حق احترام الحياة الشخصية والأسرية. كما شمل حكمه كذلك تغريم النرويج بمبلغ قدره 30 ألف يورو كتعويض بسبب انتهاكها للمادة المذكورة.

فيما تعيد قصة اللاجئة الصومالية معاناة عائلات مسلمة كثيرة بأوروبا، الذين جردوا من حضانة أبنائهم بدعوى الإهمال أو عدم القدرة على الرعاية. حيث ينتهي الأمر بالأطفال في حالات عديدة لدى أسر مسيحية، وينشئون فاقدين دينهم وهويتهم الثقافية الأصلية.

قصص وآلام

بالنسبة لماريا عبدي إبراهيم فقد قدمت إلى النرويج كلاجئة سنة 2009، فارة من أهوال الحرب والأوضاع المتردية ببلدها الأم، تحمل ابنها الذي أنجبته في كينيا ولم يكن عمره يتعدى وقتها بضعة شهور.

في سنة 2010، وتحت زعم أن الابن في "خطر"، عمدت السلطات النرويجية إلى مصادرته من أمه عنوة. اعترضت عبدي إبراهيم عن القرار، لكن السلطات لم تسمح لها برؤيته إلا 4 مرات عام 2010 و6 مرات في العام 2011.

وفي مايو/أيار 2015 قررت المحكمة النرويجية أن يتم تسليم الطفل للتبني من قبل أسرة مسيحية حاضنة، لتبدأ رحلة الأم الصومالية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عدة دول أوروبية، بعد رفض الطعن الذي تقدمت به لمحكمة الاستئناف النرويجية.

ليست قصة اللاجئة الصومالية إلا مثالاً عن معاناة تعيشها الأسر المسلمة بأوروبا جراء انتزاع أطفالهم منهم بدعوى طرق التربية المخالفة لقوانين وثقافة بلدان الاستقبال. هؤلاء الذين غالباً ما ينتهي بهم الأمر بملاجئ أو بين أحضان أسر مسيحية تنشئهم بعيداً عن دينهم وهويتهم الأصلية.

وفي سنة 2020 نشرت وكالة أناضول للأنباء قصة مماثلة، هذه المرة لعائلة تركية تعيش في ألمانيا جرت مصادرة أربعة من أطفالها الذين لا يتعدى عمر أكبرهم 8 سنوات. تحكي الأم، بهية قره، قائلة: "لقد عشنا درساً قاسياً، لكن الآن نحن سعداء وإن كنا ما زلنا غير مصدقين أننا استعدنا أولادنا ثانية.. ونفكر في العودة إلى وطننا خلال عدة أيام".

ويحكي تقرير آخر، هذه المرة لصحيفة "العربي الجديد"، عن طبيب سوري مقيم بألمانيا خسر حضانة أبنائه جميعهم حين قال في تحقيق معه: "طريقة تربيتنا تختلف عن طرقكم ولا ضير من تأنيب الولد أو ضربه إن تطلب الأمر، كي لا يعاود الخطأ". ما اعتبره الألمان اعترافاً بتبرير العنف ضد الأطفال.

كما يحكي التقرير ذاته عن صحفي سوري آخر في ألمانيا، فقد حضانة بناته الخمس بنفس الطريقة. حيث يقول الأب متحسراً: "وزعت البنات على أسر أوروبية، ومنهن من نسين اللغة العربية. ولا يسمح برؤية بعضهن إلا لساعتين كلّ أسبوع".

هذا وفي فرنسا يمكن لقرار انتزاع حضانة الأبناء من قبل السلطات أن يتم لـ"أسباب دينية"، كما هي الحالة بالنسبة لقصة الأبناء الخمسة الذين انتزعوا من أسرتهم سنة 2015 بمدينة بارغوان جاليو الفرنسية. حيث أرجع المدعي العام قراره ذاك لـ"حماية الأطفال من ممارسات دينية يمكن أن تكون لها آثار نفسية وجسدية على الأبناء" كون الأب "يحمل أفكاراً دينية متطرفة".

شبهات إسلاموفوبيا؟

هذا وتتعدد أسباب مصادرة الأبناء من أسرهم المسلمة، منها تذرع سلطات البلدان الأوروبية بذريعة حماية الأطفال وحقوقهم، تبقى تلك المفاهيم مطاطة من الناحية القانونية حسب ما يقول محللون.

بيد أن هذه الأسباب تلبس في مرات أخرى عباءة الإسلاموفوبيا، كما في القصة الفرنسية. والتي اعتبرتها "هيئة مكافحة العنصرية ومعاداة الإسلام" الفرنسية نوعاً من "إسلاموفوبيا الدولة"، وأدانتها في بيانها قائلة: "نحمل المسؤولية للسياسيين وبعض وسائل الإعلام والمثقفين الذين استغلوا الأحداث المأساوية التي عاشتها البلاد، والذين يلعبون بالنار من خلال السماح بانتشار موجة من الكراهية ضد الإسلام دون فرض حدود". وأضاف البيان " إذا كان الوالد أكبر المجرمين، لماذا كل هذا التحامل على الزوجة والأبناء!".

في السياق ذاته، وحسب تقرير الأناضول، يتهم أتراك المهجر السلطات الألمانية باستغلال ذريعة عدم تأقلمهم مع المجتمع الألماني لتنصير أطفالهم – على حد قولهم – وذلك عن طريق انتزاعهم بدعوى تعرضهم للعنف الأسري، وإهمال الأبوين في تربية أطفالهم بصورة مثالية.

فيما يُرجِع بسام طبلية، المحامي المختص في القانون الدولي وحقوق الإنسان، انتشار حالات سحب حضانة الأطفال بين الأسر العربية في أوروبا إلى "قلة الخبرة والمعرفة بثقافة وقوانين البلد الذي يقيمون به"، على حد تعبيره.

TRT عربي