الاجتماع الذي عقده حزب البديل من أجل ألمانيا في مدينة ماغدبورغ للإعداد لانتخابات البرلمان الأوروبي. / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

انتخب حزب البديل اليميني المتطرف في ألمانيا (AfD) المثير للجدل ماكسيميليان كراه كمرشح رئيسي لانتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل، بينما تعهد الأخير بتحدي الاتحاد الأوروبي من الداخل وتحويله إلى "حصن" ضد المهاجرين.

انتخاب كراه أثار قلق المكتب الاتحادي لحماية الدستور، الذي يُعَدّ الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، إذ أعرب رئيس المكتب توماس هالدنفانغ عن تخوّفه من انتشار نظريات مؤامرة يمينية متطرفة، خلال اجتماع عقده الحزب اليميني المتطرف قبل أيام، للإعداد لانتخابات البرلمان الأوروبي.

وبينما تتصارع ألمانيا مع تاريخها المظلم، وتسعى جاهدة للحفاظ على تماسك المجتمع، تسبب صعود حزب البديل من أجل ألمانيا بالفعل في حدوث تموّجات في السياسة الألمانية. وإلى جانب ترويج الحزب اليميني المتطرف لنظرية "الاستبدال العظيم" مؤخراً، كُشف عن ارتباطات أعضاء سابقين في الحزب مع جماعة مع "مواطني الرايخ"، التي كانت تخطّط لقلب النظام الدستوري في ألمانيا أواخر العام الماضي.

صعود حزب البديل

ظهر حزب البديل من أجل ألمانيا على الساحة السياسية الألمانية في عام 2013 كحزب متشكك في أوروبا يعارض بشكل أساسي مشاركة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، ويدعو إلى إنهاء عملة اليورو. ومع ذلك، على مر السنين، تحولت أجندة الحزب نحو الأيديولوجيات القومية واليمينية، ولا سيما فيما يتعلق بالهجرة والتعددية الثقافية.

على حين كانت الأشهر الأخيرة شاهدة على صعود صاروخي للحزب اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي الوطنية الألمانية، إذ يحتل الآن المركز الثاني بنسبة 20%، متقدماً بنقطتين مئويتين على الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة المستشار أولاف شولز، وسبع نقاط مئوية خلف المعارضة الألمانية من يمين الوسط، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وفقاً لصحيفة بوليتيكو.

ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان حزب البديل من أجل ألمانيا سيكون قادراً على الحفاظ على هذا الارتفاع على الإطلاق في دعم الناخبين، لأنه يستفيد حالياً من السخط العام في ألمانيا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، فضلاً عن الأداء المتواضع للحكومة، التي أمضت معظم الأشهر الماضية في صراع داخلي بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إليه شولز وشركاؤه في التحالف، حزب الخضر والديمقراطيون الأحرار.

لكن ما يثير الريبة حول الحزب هو تغييب ممثلي المعسكر السابق الأكثر اعتدالاً واستبدالهم بقيادات يمينية متطرفة، إذ أعرب المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا عن تخوّفه من انتشار نظريات مؤامرة يمينية متطرفة، بما في ذلك نظرية "الاستبدال العظيم"، خلال اجتماع الإعداد لانتخابات البرلمان الأوروبي.

"الاستبدال العظيم"

تعود جذور نظرية "الاستبدال العظيم" إلى كتب القومية الفرنسية التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين. ومع ذلك، يُنسب الاستخدام الأكثر حداثة للنظرية إلى رينو كامو، الكاتب الفرنسي الذي كتب "Le Grand Remplacement" (والذي يترجم إلى "الاستبدال العظيم") في عام 2011.

ومنذ ذلك الحين، وجدت النظرية قوة جذب بين الجماعات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا. يدعي المفهوم أن تدفق المهاجرين، وخاصة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، يؤدي إلى استبدال السكان الأوروبيين الأصليين، ما يؤدي إلى تآكل هويتهم الثقافية وقيمهم التقليدية.

ويجادل مؤيدو هذه النظرية بأن الأحزاب السياسية الرئيسية والنخب متواطئة في مؤامرة متعمدة لاستبدال السكان الأصليين في أوروبا بمهاجرين من ثقافات وخلفيات عرقية مختلفة، وأنها تشجع بنشاط الهجرة الجماعية لتسريع هذا التحول الديموغرافي.

قلق ألماني

شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع أصوات الأحزاب اليمينية المتطرفة بسرعة في الغرب، خصوصاً ألمانيا. ومع بدء الحرب في أوكرانيا وأزمات التضخم واللاجئين التي تبعتها ازداد نشاط التنظيمات اليمينية المتطرفة التي تطالب بعودة "الفاشية" وإحياء إرث العنصرية خلال تزايد أعمال العنف ضد الأجانب والأقليات الإثنية.

لكن صعود حزب البديل وارتباط قياداتها اليمينية المتطرفة بنظرية "الاستبدال العظيم" يثير الكثير من القلق داخل ألمانيا وخارجها، ولا سيما أنه يعيد إلى الأذهان التاريخ المظلم لألمانيا خلال النظام النازي، إذ تظل البلاد شديدة الحساسية تجاه أي أيديولوجيات تروج لكراهية الأجانب أو العنصرية أو التمييز.

وكان المكتب الاتحادي لحماية الدستور قد صنّف حزب البديل من أجل ألمانيا في مارس/آذار 2021 كحالة اشتباه يمينية متطرفة، وأيدت المحكمة الإدارية في كولونيا في مارس 2022 هذا التصنيف الذي يجيز استخدام وسائل استخباراتية في تتبع حزب البديل.

ورغم الجهود الألمانية لمحاربة الظواهر المتطرفة ومروجيها ضد الأقليات في البلاد، كررت عضو الحزب إيرمهيلد بوسدورف التي احتلت المركز التاسع في قائمة المرشحين، مواقفها ضدّ المهاجرين، مدعية أن الخوف لا يتعين أن يكون من التغير المناخي الناتج عن البشر، بل من التغير السكاني بفعل البشر.

صلات مع "مواطني الرايخ"

في صباح يوم 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتقلت السلطات الألمانية أشخاصاً يُشتبه بانتمائهم إلى منظمة إرهابية تطلق على نفسها اسم "مواطني الرايخ"، كانت تخطّط لقلب النظام الدستوري وشن غارة مسلحة على البرلمان الألماني والاستيلاء على السلطة. بينما ذكرت تقارير خدمة المخابرات الداخلية الألمانية "Verfassungschutz" أن عدد أعضاء الحركة يبلغ نحو 21 ألفاً، بينهم ألف من اليمينيين المتطرفين.

ومن بين أعضاء الحركة الذين اعتُقلوا بتهمة التخطيط لمحاولة انقلاب مسلح، النائبة السابقة في الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا" بيرجيت مالساك وينكمان، بجانب أمير سلالة نبيلة وهاينريش وضابط الجيش الألماني السابق روديجر فونب.

وكشف تقرير حديث نشره موقع TRT Deutsch، أن النائبة وينكمان استقبلت متهمين في التخطيط للانقلاب في مبنى الرايخستاغ في سبتمبر/أيلول 2022، كما أنها شاركت مع المتهمين قائمة بأسماء العديد من أعضاء الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية بافاريا إضافة إلى سياسيين آخرين وصحفيين وشخصيات عامة. وقامت أيضاً بإرسال رسالة دردشة تحتوي على معلومات حول مكان وجود وجلوس أعضاء الحكومة الفيدرالية.

يذكر أن وينكمان، القاضية السابقة في برلين، قد اعترفت أيضاً بأنها كانت عضواً في ما يسمى المجلس -هيئة الإدارة المفترضة- وكانت مسؤولة عن وزارة العدل، وفقاً لتقرير TRT Deutsch. لكنها نفت "الغرض الإرهابي" للجماعة. وقالت إنه لم يخطّط للإطاحة ولا الدخول العنيف إلى مبنى الرايخستاغ.


TRT عربي
الأكثر تداولاً