تابعنا
في خضم السباق العالمي نحو الفضاء خصوصاً في الآونة الأخيرة، تحول التركيز إلى استكشاف القمر، مع اهتمام خاص بالمهام الهبوطية على القطب الجنوبي له.

"بدأ السباق لتطوير الموارد الطبيعية للقمر، وفي المستقبل سيصبح منصة لاستكشاف الفضاء السحيق، بل منصة مثالية لذلك".

بهذه الكلمات يصف رئيس وكالة الفضاء الروسية، يوري بوريسوف، غايات موسكو من إطلاق مهمة "لونا-25 (Luna-25)" في 10 من أغسطس/آب الجاري، وهي أول مهمة إلى القمر منذ 47 عاماً، ورغم فشلها وتحطّم المسبار بعد قرابة عشرة أيام، فإنّ بوريسوف أشار إلى عزم بلاده على أن تظل "لاعباً في استكشاف القمر".

خبر فشل المهمة الروسية تلاه بثلاثة أيام احتفاء الإعلام العالمي بالمهمة الهندية "تشاندرايان-3 (Chandrayaan-3)"، التي هبطت بنجاح على سطح القمر في 23 من أغسطس، وقال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إنّ "هذه صرخة انتصار جديدة للهند"، وبذلك تصبح الهند الدولة الرابعة التي تحقق هذا الإنجاز بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفييتي.

وفي خضمّ السباق العالمي نحو الفضاء خصوصاً في الآونة الأخيرة، تحول التركيز إلى استكشاف القمر، مع اهتمام خاص بالمهام الهبوطية على القطب الجنوبي له.

وتتنافس الدول الكبرى لتحقيق إنجازات تاريخية في هذا الخصوص؛ بهدف إقامة وجود بشري خارج كوكب الأرض، واكتشاف واستخدام الموارد المتوفرة على القمر.

أحدث رحلات استكشاف القمر

ويشهد الوقت الحالي تجدد الاهتمام بالاستكشاف القمري، وعودة البعثات البشرية إليه. وهذه أبرز جهود الدول في الوصول إلى القمر:

الهند: أول دولة تهبط بمركبة فضائية بالقرب من القطب الجنوبي للقمر في 23 أغسطس الجاري، في رحلة تاريخية إلى منطقة القطب الجنوبي للقمر للمركبة "تشاندريان-3 (Chandrayaan-3)"، ضمن سلسلة مهمات "تشاندرايان" التي أُطلقت عام 2008.

وهبطت المركبة التي طوَّرتها المنظمة الهندية للبحث الفضائي (جهاز الهبوط "فيكرام"، والروبوت المتحرك "برغيان") لاستكشاف سطح القمر، مما أثار احتفالات في جميع أنحاء الهند، بينهم علماء الفضاء وهم يتابعون عملية الهبوط وسط الهتافات والتصفيق.

وتفخر الهند بإنجازات برنامج الفضاء الوطني، الذي يدور حول القمر والمريخ ويطلق بشكل روتيني أقماراً صناعية فوق الأرض بموارد مالية أقل بكثير من الدول الأخرى التي ترتاد الفضاء. ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، يأتي الإنجاز في لحظة مهمة بشكل خاص في الحملة الدبلوماسية للهند كقوة طموح آخذة في الصعود.

روسيا: بعد انقطاع 47 عاماً منذ مهمة "لونا-24 (Luna-24)"، أطلقت روسيا المركبة الفضائية "لونا-25 (Luna-25)" من قاعدة "فوستوشني" الفضائية، في 11 أغسطس الجاري، في محاولة لتصدّر مشهد أول هبوط على القطب الجنوبي للقمر، إلّا أنّ المهمة فشلت وخرجت المركبة عن السيطرة واصطدمت بالقمر بعد مشكلة في الاستعداد لمدار ما قبل الهبوط، مما يسلط الضوء على تراجع برنامج الفضاء الروسي الذي كان قوياً في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي.

وسبق أن أشارت وكالة الفضاء الاتحادية الروسية "روسكوسموس" إلى أنّه سيتعين على المحطة الفضائية أخذ عينات من التربة وتحليلها، وإجراء البحوث العلمية، بما في ذلك دراسة الطبقة العليا من التراب السطحي بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، وكذلك الغلاف الخارجي للقمر.

الصين: تخطط الصين لإنزال رواد فضاء لها على القمر قبل عام 2030 لمهمة استكشافات علمية حسب خطة أولية أصدرتها وكالة الفضاء المأهول الصينية في يوليو/تموز الماضي.

وتتمثل الخطة في إطلاق صاروخَين حاملَين لإرسال مركبة هبوط على سطح القمر ومركبة فضائية مأهولة إلى مدار حول القمر على التوالي، حيث ستلتقي المركبة الفضائية ومركبة الهبوط القمرية وتلتحمان، ثم يدخل رواد الفضاء الصينيون إلى مركبة الهبوط.

وقال نائب الوكالة، لين شي تشيانغ، إنّ مشروع الهبوط على سطح القمر، وهو جزء من مشروع استكشاف القمر بشكل أوسع المعروف أيضاً باسم "مشروع تشانغ آه (Chang’e Project)"، قد بدأ وسيسعى إلى تمكين الإقامة قصيرة المدى على سطح القمر، بالإضافة إلى جمع العينات وإجراء الأبحاث.

ويمكن أن يمثل هبوط الإنسان من جديد على القمر إنجازاً كبيراً للصين في منافستها المزدهرة مع الولايات المتحدة في الفضاء، إذ قال الزعيم الصيني شي جينبينغ، إنّ بلاده يجب أن تصبح "قوة فضائية عظمى".

الولايات المتحدة: تخطط وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لإرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول عام 2025 في سلسلة من الرحلات الفضائية تُسمى برنامج "أرتميس (Artemis program)"، وستضم الرحلة أول امرأة وأول شخص ملوّن يمشيان على سطح القمر والإقامة لمدة أسبوع بالقرب من القطب الجنوبي.

ونجحت المهمة "أرتميس 1" عام 2022 في الانطلاق ناحية القمر بنجاح، وحملت 3 دمى تجريبية و10 أقمار صناعية صغيرة، و"أرتميس 1" هي جزء من مهمة تتكون من 3 مهام جزئية، تنطلق الثانية في عام 2024، أما الثالثة فمن المتوقع أن تنطلق في عام 2025.

وعن أسباب العودة إلى القمر، تقول "ناسا" إنّها "من أجل الاكتشافات العلمية والفوائد الاقتصادية والإلهام لجيل جديد من المستكشفين، جيل أرتميس، ومع الحفاظ على الريادة الأمريكية في مجال الاستكشاف، سنبني تحالفاً عالمياً ونستكشف الفضاء السحيق لصالح الجميع".

لماذا القمر؟

وتثير المهمات إلى القطب الجنوبي للقمر اهتماماً خاصاً بسبب الإمكانيات المحتملة لوجود المياه المتجمدة في هذه المنطقة، وما لها من استخدامات في دعم الحياة وتوفير الوقود، وهو ما تراه وكالات الفضاء والشركات الخاصة مفتاحاً لاستعمار القمر وتعدينه ونقطة انطلاق البعثات المحتملة إلى المريخ.

وفي أوائل الستينيات من القرن الماضي، قبل هبوط "أبولو" الأول، تكهن العلماء بإمكانية وجود الماء على القمر، ورغم أنّ العينات التي أعادها طاقم "أبولو" للتحليل في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كانت جافة، لكن في عام 2008 أعاد باحثون من جامعة "براون" النظر في تلك العينات القمرية باستخدام تقنية جديدة، ووجدوا الهيدروجين داخل حبات صغيرة من الزجاج البركاني.

وفي عام 2009، اكتشفت أداة تابعة لوكالة "ناسا" على متن مسبار "تشاندرايان-1" التابع لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية، وجود مياه على سطح القمر في قياسات الأشعة تحت الحمراء التي التقطتها أداة رسم خرائط المعادن القمرية.

ويحوي القمر أيضاً ما يعادل مليون طن متري من غاز الهيليوم-3، وهو نظير من نظراء الهيليوم الذي يمكن أن يُستخدم في إنتاج طاقة هائلة عبر التفاعلات النووية الاندماجية، في حين لا يَنتج عنه أي نفايات إشعاعية، كما أثبتت الأبحاث أنّ القمر يحتوي على تركيز أكبر من المعادن الأرضية النادرة، المُستخدمة في التقنيات المتقدمة، بما في ذلك السكانديوم والإيتريوم واللانثانيدات 15.

وحول الأهمية التي يشكِّلها القمر بالنسبة إلى الدول المتنافسة، لا سيّما القطب الجنوبي، يقول الخبير في مجال مراكب وصواريخ الفضاء لؤي البسيوني، إنّ أهمية القمر تتمثل في قربه من الأرض، ويمكن أن يكون مركز انطلاق لاستكشاف الفضاء.

ويضيف البسيوني لـTRT عربي: "أما القطب الجنوبي بشكل خاص، فأهميته لوجود المياه التي يمكن استخدامها في أغراض كثيرة، مثل إنشاء محطة فضاء في القطب الجنوبي، واستخدام المياه وقوداً في حالة فصل الأكسجين عن الهيدروجين، إذ يمكن استخدام الوقود لإطلاق صواريخ من القمر إلى المريخ وما بعده".

ويشير إلى أنّ هناك اتفاقية عن طريق الأمم المتحدة تفيد بعدم امتلاك أي حق لأي دولة في استخدام أي قاعدة في الفضاء لأغراض غير سلمية، ويجب أن يُبلغ عن أي قاعدة تُبنى في الفضاء، وأن تكون الأهداف سلمية لخدمة البشر كافة.

ويتوقع البسيوني مستقبلاً أنّه سيكون على سطح القمر قواعد عدّة، تابعة للحكومات والشركات الخاصة، وأنّ هذه القواعد ستكون مجرّد مختبرات صغيرة لدراسة القمر واستخدام الموارد والذهاب إلى مناطق أخرى في الفضاء.

سباق قديم

ويعود السباق نحو الفضاء إلى القرن العشرين بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث سعى الطرفان إلى الهيمنة على تقنيات الطيران الفضائي في سباق تنافسي وسياسي خلال فترة الحرب الباردة.

وبدأت المنافسة في 2 أغسطس 1955، عندما استجاب الاتحاد السوفييتي لإعلان الولايات المتحدة نيته المماثلة إطلاق أقمار صناعية، وكان حينها لدى كلا البلدين التكنولوجيا الصاروخية اللازمة والعلماء لإنجاز هذا التنافس بعد الحرب العالمية الثانية، وعُدَّت المزايا التكنولوجية المطلوبة لمثل هذه القوة ضرورية للأمن القومي والتفوق السياسي.

وأنتج سباق الفضاء جهوداً رائدة لإطلاق الأقمار الصناعية والمسابر الفضائية للقمر والزهرة والمريخ، والرحلات الفضائية البشرية في مدار أرضيّ منخفض والبعثات القمرية.

وحسبما يذكر موقع "History" حول السباق إلى الفضاء، أطلق الاتحاد السوفييتي، في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1975، "سبوتنيك-1 (1-Sputnik)"، أول قمر صناعي إلى الفضاء وأول جسم من صنع الإنسان يوضع في مدار الأرض.

وصدم هذا الإنجاز الولايات المتحدة، ومثّل بداية السباق إلى الفضاء. وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1957 أطلق الاتحاد السوفييتي بنجاح القمر الصناعي "سبوتنيك-2"، حاملاً كلبة تدعى "لايكا" إلى الفضاء، وبذلك أصبحوا أول دولة ترسل بنجاح كائناً حياً إلى المدار، تلاها إرسال أول إنسان وهو يوري غاغارين، إلى المدار على متن "فوستوك-1 (Vostok-1)" عام 1961.

ودخلت الولايات المتحدة السباق في 31 يناير/كانون الثاني 1958، بإطلاق "إكسبلورر-1 (Explorer 1)"، وهو أول قمر صناعي أمريكي يصل إلى مداره، وكان يحمل معدّات تجريبية أدت إلى اكتشاف "حزام فان ألين" الإشعاعي.

وفي العام ذاته، أُنشئت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا (NASA)" في الولايات المتحدة، لتحل محل اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية (NACA).

وفي مايو/أيار 1961، أطلق الرئيس الأمريكي جون كينيدي وعداً على العلن بأنّ الولايات المتحدة ستُنزل رجلاً على سطح القمر قبل نهاية العقد. وفي فبراير/شباط 1962، أصبح جون جلين أول أمريكي يدور حول الأرض.

رائد الفضاء الأمريكي باز ألدرين، طيار الوحدة القمرية لمركبة أبولو 11، أول مهمة هبوط على سطح القمر، يقف لالتقاط صورة بجانب علم الولايات المتحدة أثناء المشي على سطح القمر (NASA) (Others)

وبحلول نهاية ذلك العام، أُسس برنامج الهبوط على سطح القمر التابع لوكالة "ناسا"، الذي أُطلق عليه اسم مشروع "أبولو". وفي 20 يونيو/حزيران 1969، حققت الولايات المتحدة إنجازها الأهم في السباق الفضائي عندما هبطت مهمة "أبولو-11 (Apollo-11)" بنجاح لرائدَي الفضاء نيل أرمسترونغ وباز ألدرين على سطح القمر، وأصبح أرمسترونغ أول إنسان يضع قدميه على سطح القمر، وقال: "هذه خطوة صغيرة للإنسان، لكنّها قفزة عملاقة للبشرية"، وهبط على سطح القمر منذ ذاك الحين اثنا عشر شخصاً فقط، كجزء من برنامج "أبولو" التابع لـ"ناسا".

TRT عربي
الأكثر تداولاً