رحلة مأهولة سابعة.. لماذا تعود ناسا إلى القمر بعد انقطاع أكثر من نصف قرن؟ / صورة: AFP (Joel Kowsky/AFP)
تابعنا

بعد مرور أكثر من نصف قرن على انقطاع الرحلات المأهولة إلى القمر منذ رحلة أبولو 17 الأخيرة في أواخر عام 1972، قررت ناسا مؤخراً إطلاق مهمة جديدة تحمل اسم "أرتميس" (Artemis) للعودة إلى جارنا الأقرب في المنظومة الشمسية، والذي سبق أن زاره رواد فضاء الولايات المتحدة الأمريكية 6 مرات فقط حتى الآن.

وأعلنت ناسا أنها ستعتمد على برنامج "أرتميس" للعودة إلى القمر بحلول 2025 من أجل رسم مسار لوضع البشر على المريخ بالمستقبل، بينما يتوقع العلماء استخدام ما هو موجود على سطحه للإجابة على أسئلة حول كيفية تشكل النظام الشمسي، وفقاً لما أورده تقرير نيويورك تايمز.

وحسب الخبراء، فإن قرار ناسا بالعودة إلى القمر مدفوع بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك إمكانات القمر كنقطة انطلاق لاستكشاف الفضاء في المستقبل وموارده القيمة والمعرفة العلمية التي يمكن أن توفرها، فضلاً عن الآثار الجيوسياسية الذي يمنحها للولايات المتحدة للحفاظ على القيادة الأمريكية في الفضاء.

رحلة العودة إلى القمر

في 14 ديسمبر/كانون الأول 1972، اختتمت آخر مهمة مأهولة إلى القمر، أبولو 17. منذ ذلك الحين، لم يعد البشر إلى سطح القمر. ومع ذلك، فإن هذا على وشك التغيير، حيث تخطط ناسا لإطلاق برنامج "أرتميس" للعودة إلى القمر في عام 2025.

ويختلف رواد الفضاء في عام 2023 كثيراً عن روّاد الفضاء عندما كانت الولايات المتحدة في منافسة محتدمة مع الاتحاد السوفيتي للسيطرة على مجال الفضاء في ستينيات القرن الماضي. خلال برنامج أبولو، طار 24 رائد فضاء إلى القمر، وصعد 12 منهم على السطح. كلهم كانوا أمريكيين. كانوا جميعاً رجالاً بيضاً، وكثير منهم كانوا طيارين تجريبيين، لكن رحلة "أرتميس" المخطط لها تعكس شرائح أوسع من المجتمع.

فإلى جانب قائد المهمة ريد وايزمان، سينضم طيار بحري أمريكي من أصول إفريقية هو فيكتور غلوفر، وكريستينا كوخ، صاحبة الرقم القياسي العالمي لأطول رحلة فضائية تجريها سيدة، بالإضافة إلى الكندي جيريمي هانسن، أول شخص غير أمريكي يسافر إلى هذا الارتفاع.

برنامج "أرتميس"

ومن المقرر في أواخر العام المقبل أن يكون رواد الفضاء الأربعة على متن المهمة التالية، "أرتميس 2"، في رحلة مدتها 10 أيام للدوران حول القمر قبل العودة إلى الأرض، دون الهبوط على سطح القمر. بعد ذلك، سيشعر مسؤولو ناسا بثقة أكبر في القيام بمهمة "أرتميس 3" الأطول والأكثر تعقيداً، والتي ستشمل هبوط اثنين من رواد الفضاء بالقرب من القطب الجنوبي للقمر.

ووفقاً لما نقلته نيويورك تايمز، تهدف ناسا حالياً إلى القيام بأول هبوط على سطح القمر في أواخر عام 2025، لكن المفتش العام لوكالة ناسا توقع أن المهمة قد تكون في عام 2026 أو بعد ذلك. فيما تتطلب مهمة "أرتميس 3" استخدام Starship - المركبة الفضائية العملاقة التي طورتها شركة SpaceX، شركة الصواريخ التابعة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، لنقل رواد الفضاء من مدار قمري بعيد إلى السطح.

ومن المخطط أن ينطلق أول اختبار لإطلاق المركبة الفضائية إلى الفضاء في الأسابيع المقبلة. كما من المتوقع أن تجري أول محاولة هبوط على سطح القمر لهذا العام في نهاية أبريل/نيسان. وهي المهمة التي وصفتها الصحيفة بالصعبة والمحفوفة بالمخاطر، مشيرةً إلى انتهاء محاولات الهند ومنظمة إسرائيلية غير ربحية بحوادث في عام 2019.

لماذا تعود ناسا إلى القمر؟

هناك عدة أسباب وراء هذه الخطة الطموحة. أولاً، القمر هو منصة انطلاق محتملة لاستكشاف الفضاء في المستقبل. إن الجاذبية المنخفضة للقمر وغياب الغلاف الجوي تجعله موقعاً مثالياً لإطلاق مهمات الفضاء السحيق. تتطلب الصواريخ التي يجري إطلاقها من القمر وقوداً أقل للهروب من جاذبيتها من تلك التي يجري إطلاقها من الأرض، مما يجعل استكشاف الفضاء أكثر فعالية من حيث التكلفة والكفاءة.

ثانياً، يحتوي القمر على موارد قيمة يمكن استخدامها لدعم البعثات البشرية المستقبلية إلى الفضاء. على سبيل المثال، جرى اكتشاف جليد الماء في بعض حفر القمر، والتي يمكن حصادها ومعالجتها كي تصبح وقوداً وهواءً قابلاً للتنفس لرواد الفضاء. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخراج المعادن النادرة، مثل الهليوم 3، من القمر واستخدامها في الاندماج النووي، مما قد يُحدِث ثورة في إنتاج الطاقة على الأرض.

ثالثاً، ستوفر العودة إلى القمر معرفة ورؤى علمية قيمة. تخطط ناسا لتأسيس وجود مستدام على سطح القمر، مما سيمكن من البحث العلمي والتجريب على المدى الطويل. يمكن للعلماء دراسة جيولوجيا القمر وتكوينه وتطوره، مما قد يساعدنا على فهم أفضل لتاريخ نظامنا الشمسي والكون.

رابعاً، يعد برنامج "أرتميس" نقطة انطلاق نحو الهدف النهائي المتمثل في استكشاف الإنسان للمريخ. من خلال العودة إلى القمر، تأمل ناسا في تطوير التقنيات والقدرات اللازمة لاستكشاف الفضاء السحيق. يجعل قرب القمر من الأرض موقعاً مثالياً لاختبار هذه التقنيات وتحسينها قبل المضي قدماً في النظام الشمسي.

أخيراً، لبرنامج "أرتميس" آثار جيوسياسية مهمة. إذ أعربت الصين وروسيا عن اهتمامهما بتأسيس وجود دائم على سطح القمر، والعودة إلى القمر ستساعد الولايات المتحدة على الحفاظ على ريادتها في استكشاف الفضاء وضمان حماية مصالحها الاستراتيجية.

TRT عربي