جاءت هذه التصريحات في أعقاب الجدل القائم حول القنصلية الإسبانية في القدس، حين قرّرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع القنصلية من تقديم خدماتها للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية المحتلة كردّ فعل انتقامي من اعتراف إسبانيا بفلسطين.
وأطلق الإجراء الإسرائيلي الأخير تصعيداً ديبلوماسياً بين مدريد وتل أبيب، يُضاف إلى قرار سحب السفير الإسرائيلي من إسبانيا، الذي جاء مباشرة بعد قرار الاعتراف.
بينما تعد البعثة القنصلية الإسبانية في القدس إحدى أقدم البعثات القنصلية في الأراضي الفلسطينية، إذ يعود تأسيسها إلى القرن الـ19م. وأعاد هذا الجدل القائم حولها تسليط الضوء على تاريخها، والأدوار التي لعبتها منذ تأسيسها.
جدل حول قنصلية إسبانيا
وبدأت أطوار الجدل، حينما أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، يوم الاثنين 27 مايو/أيار المنصرم، أنه أمر بمنع القنصلية الإسبانية في القدس الشرقية المحتلة من تقديم خدماتها للسكان الفلسطينيين ومنعها من ممارسة أي أنشطة دبلوماسية.
وقال كاتس، عبر منصة "إكس": "أوعزت هذا الصباح لوزارة الخارجية بإرسال مذكرة للسفارة الإسبانية في إسرائيل بمنع القنصلية الإسبانية في القدس من القيام بأنشطة دبلوماسية أو تقديم خدمات قنصلية لسكان السلطة الفلسطينية".
وتابع كاتس: "لن نلتزم الصمت إزاء حكومة تكافئ الإرهاب، ويردد رئيس وزرائها بيدور سانشيز ونائبته يولاندا دياز الشعار المعادي للسامية: "من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة" (...) أولئك الذين يكافئون حماس، ويحاولون إقامة دولة فلسطينية "إرهابية" لن يكون لهم أي اتصال مع الفلسطينيين"، على حد قوله.
وجاء القرار بعد أيام من إعلان إسبانيا، رفقة كل من النرويج وأيرلندا، اعترافها رسمياً بدولة فلسطين اعتباراً من 28 مايو/أيار، ما رفع عدد الدول المعترفة بها إلى 147 من أصل 193 دولة بالجمعية العام للأمم المتحدة.
ورداً على هذا، بعثت الخارجية الإسبانية "مذكرة شفهية للحكومة الإسرائيلية"، عبرت فيها عن رفضها "لأي تقييد للنشاط المعتاد للقنصلية العامة الإسبانية في القدس، إذ إن وضعها مكفول بموجب القانون الدولي"، بحسب ما صرّح به ألباريس يوم الجمعة 31 مايو/أيار.
وأكد وزير الخارجية الإسباني هذه التصريحات، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره المصري سامح شكري، يوم الاثنين الماضي، بالقول: "إننا نرفض أي تعطيل لعمل القنصلية الإسبانية في القدس، وذلك وفقاً لمعاهدة فيينا، التي تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدول".
أسست قبل قيام إسرائيل
يعود تاريخ معظم قنصليات الدول الأوروبية في القدس إلى الفترة العثمانية، إذ كانت المدينة مقراً لعدد من السفارات والبعثات الدبلوماسية.
وتأسست قنصلية إسبانيا في القدس عام 1854، في وقت متأخر مقارنة بالقنصليات الأوروبية الأخرى، كجزء من جهود إسبانيا لتوسيع وجودها الدبلوماسي في الشرق الأوسط. وكان اختيارها للقدس ذا دلالة خاصة، نظراً لأهميتها الدينية والتاريخية للمسيحيين، وكذلك لعلاقات إسبانيا التاريخية مع الأماكن المقدسة.
وبعد إعلان قيام إسرائيل، قبلت بوجود القنصلية واعترفت بوضعها التاريخي. وقد توقف عمل القنصلية لما يقرب القرن، ثم أعادت مدريد فتحها في عام 1986.
ولعبت القنصلية الإسبانية دوراً محورياً في حماية ودعم المصالح الإسبانية في الأراضي المقدسة. وفي البداية، كان تركيزها على حماية الحجاج المسيحيين الإسبان وتقديم المساعدات لهم. كما ساهمت في ترميم وصيانة المواقع الدينية والأثرية، ما عزز من مكانتها في الحفاظ على التراث الثقافي والديني في المنطقة.
في البداية، كان للقنصلية دور مهم في تقديم الدعم للجالية الإسبانية والفرنسيسكان الإسبان الذين كانوا يديرون العديد من المؤسسات الدينية والتعليمية في مدينة القدس، وعبر السنوات، تطورت القنصلية لتشمل خدمات قنصلية ودبلوماسية أوسع، وأصبحت نقطة اتصال مهمة بين إسبانيا وسكان القدس.
إضافة إلى خدماتها التقليدية، توسعت على مر العقود مهام هذه القنصلية، لتشمل مجالات أوسع من العلاقات الثقافية والسياسية. فقد عملت على تعزيز التبادل الثقافي بين إسبانيا وفلسطين من خلال تنظيم الفاعليات الثقافية والفنية، ودعم المشاريع التعليمية المشتركة. وهذا الدور أكسبها مكانة خاصة بين البعثات الدبلوماسية الأخرى في المدينة.
وتقع القنصلية التي أسست قبل دولة إسرائيل بقرن تقريباً، في حي الشيخ جراح، وتقدم خدماتها للسكان المحليين في القدس والمنطقة المحيطة بها، بما في ذلك الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة.
وفي عام 2018، اعترفت مدريد بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لفلسطين، وبعدها بعامين نقلت إسبانيا مقر قنصليتها من القدس الشرقية إلى حي الشيخ جراح، وهي منطقة فلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، ما أثار غضب إسرائيل حينها.
وعلى الرغم من اعتراف إسبانيا بفلسطين دولةً، فإنها نفت أن تكون لديها خطط لفتح سفارة في الضفة الغربية المحتلة، أي عكس ما أعلنته دول مثل كولومبيا. لذا فإن التمثيل الدبلوماسي الإسباني الأعلى في الأراضي الفلسطينية، سيظل هو القنصلية، التي يعتبرها الفلسطينيون بحكم الواقع بمنزلة سفارة.