بورتريه بوعلام رحال لحظة اعتقاله. (Others)
تابعنا

في عام 1957، دخلت فرقة مظليي الجيش الفرنسي، المعروفة بدمويتها على خط قمع "معركة الجزائر" التي كانت جبهة التحرير الجزائرية تقودها في العاصمة، حيث ضاعف ضباطها التعذيب والتنكيل والاغتصاب على الفدائيين المعتقلين، وتعاظمت شبكة جواسيسهم بحثاً عن الرؤوس الكبيرة في التنظيم.

حينها اختار قادة خلايا الثورة بالعاصمة الالتفاف على الخناق المضروب على تحركاتهم، ذلك بالدفع بوجوه غير معروفة لدى البوليس الفرنسي من أجل تنفيذ العمليات النوعية. ومن بينها كانت تفجيرات الملعب البلدي بالأبيار، ذات يوم أحد 10فبراير/شباط من السنة نفسها.

وتولى تنفيذ هذه العملية كل من فرحات حسين وبوعلام رحال، إضافة إلى الفدائيتين باية حسين وجوهر أكرور. حيث هرّب الفتاتان القنبلتان تحت ملابسهما داخل الملعب، فيما تولى الصبيان زرعهما بين مدرجات المتفرجين وتمويههما إلى حين الانفجار.

اعتقال بوعلام رحال

أودى الانفجار بحياة 13 مستعمراً، إضافة إلى جرح 50 منهم. فيما وقتها كان الفدائيون قد انسلوا سالمين للاختباء في القصبة. ومثل نجاح هذه العملية صدمة بالنسبة للفرنسيين، وإهانة لجيشهم والشرطتهم المتباهين بقدراتهم الاستخباراتية. ما دعا الاستعمار الفرنسي إلى استنفار كل قواته للبحث عن هوية الفدائيين.

وحسب أرشيفات جريدة لوموند الفرنسية، عثر المحققون الفرنسيون على قصاصة ورق لمصبنة على أشلاء المعطف الذي موه تحته بوعلام رحال القنبلة، وكانت تلك القصاصة هي الخيط الذي قادهم إليه. وبعد عشرة أيام من الحادث اعتقل رحال، الذي لم يكن يبلغ من العمر وقتها سوى 19 سنة.

تحت التعذيب الكبير الذي تعرض له رحال داخل مخافر الشرطة، كما تبرز تلك الصورة التي التقطت له عقبها، اعترف مكرهاً على أفراد خليته التي كان يقودها الفدائي سعيد تواتي.

وتمت محاكمة رحال بتهم الإرهاب والقتل العمد، وكلها تهم تؤدي ذلك الوقت إلى الإعدام، غير أن عمره الذي يجعله قاصراً في نظر القانون جعل من ذلك ممتنعاً. وهذا ما لم تقبله السلطات الفرنسية المصرة على الانتقام، فعمدت إلى تزوير شهادة ميلاده، وأعدمته على المقصلة في 20 يونيو/حزيران 1957.

الشهيد رحال "المقنين الزين"

بحسب الرياضي والوزير الجزائري السابق عبد الرؤوف برناوي، فإن بوعلام رحال "كان لاعباً مميزاً في صفوف فريق مولودية العاصمة لكرة القدم". وكان يلقَّبُ بين محيطه بـ"المقنين"، أي طائر الحسون، لنحافة جسمه وسرعته.

وتحفظ الذاكرة الشعبية الجزائرية ذكرى الشهيد بوعلام رحال في قصيدة رائعة تحمل لقبه، "المقنين الزين"، والتي دأبت حناجر موسيقى "الشعبي" العاصمي التغنّي بها استذكاراً للمأساة التي كابدها الراحل في سجنه، كذلك تفكراً في جرائم الاستعمار الفرنسي التي لم تندمل ندباتها إلى الآن.

وتعود قصيدة "المقنين الزين" إلى الشاعر والمقاوم الجزائري الشيخ محمد الباجي، الذي تزامن اعتقاله في سجن "سركاجي" سيئ الذكر، مع اعتقال الراحل بوعلام رحال. ويحكي الشيخ محمد الباجي عن قصة قصيدته بأنه التقى برحال في السجن، فأثر فيه وضع ذلك الشاب اليافع الذي ينتظر إعدامه، ومن هنا أتته كلمات القصيدة.

ويقول باجي: "لقد جرى استقدامي إلى عنبر المحكومين بالإعدام من أجل الأذان وتلاوة القرآن، وفي مرة كنت أؤذن فناداني السجان سائلاً ما هذه الأغنية؟ فأجبته أنني أنادي للصلاة، فرد: انشد انشد يا طائراً في القفص، انشد للموت أو للغضب (أبيات لفيكتور هوغو). فثرت فيه بأن الذي يدافع عن حقه تنعتونه بالطائر المنشد للموت، ومن هنا أتتني فكرة القصيدة".

TRT عربي