تمثال الحرية المطل على خليج نيويورك، هدية فرنسا للولايات المتحدة في الذكرى المئوية لنيل الاستقلالها  (Others)
تابعنا

في الـ28 من أكتوبر/تشرين الأول 1886، وبعد اكتمال حملات التبرع التي نظّمها الشعبان الأمريكي والفرنسي، وانتهاء أعمال تصميم التمثال وشحنه من فرنسا إلى نيويورك، انتصب تمثال الحرية فوق أراضي جزيرة الحرية المُطلّة على خليج نيويورك، والتي تبعد مسافة 600 متر عن مدينة جيرسي ونحو 2.5 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من مانهاتن.

ومنذ ذلك الحين، يستقبل التمثال المُطلّ على الخليج كلّ زائري البلاد سواء كانوا سائحين أو مهاجرين. كما ويُعدّ "تمثال الحرية" أحد أشهر المعالم السياحية في أمريكا والعالم، حيث يزوره أكثر من 3 ملايين سائح كل عام.

وعلى الرغم من أنّ التمثال صُمّم ليمثّل قيم الحرية والديمقراطية التي من شأنها أن تنير العالم بأسره، إلا أن الأمريكيين من أصل إفريقي يستخدمونه كرمز للعبودية وازدواجية المعايير في الوقت الذي ما زالوا يتعرضون لشتى أنواع التمييز العنصري.

رمزية التمثال

جُسّد التمثال على هيئة إلهة الحرية الرومانية "ليبرتاس"، باعتبارها رمزاً للفكر الليبرالي الحر والديمقراطية.

كما وُضع على رأسها تاج مكوّن من 7 أسهم ترمز إلى البحار السبعة أو القارات السبع. وهناك أيضاً قيود وسلاسل مكسورة ملقاة عند قدميها وهي تمشي إلى الأمام، إحياءً لذكرى الإلغاء الوطني الأخير للعبودية.

أصل الحكاية

قُبيل انطلاق حفل افتتاح قناة السويس، عرض النحّات الفرنسي فريدريك بارتولدي على الخديوي إسماعيل فكرة تمثال على شكل امرأة محجّبة تحمل مشعلاً في إشارة إلى "مصر التي حملت النور إلى آسيا"، ليوضع على مدخل قناة السويس التي افتُتحت عام 1869، لكن الخديوي اعتذر عن عدم قبول الاقتراح نظراً للتكاليف الباهظة التي يتطلبها المشروع.

بعد رفض الخديوي الاقتراح، عيّنت الجمهورية الفرنسية بارتولدي من أجل تصميم تمثال الحرية الذي ستهديه إلى الولايات المتحدة في ذكرى احتفالها بالذكرى المئوية لاستقلالها.

وبعد الاتفاق على تولي الفرنسيين تصميم التمثال وتكليف الأمريكيين بتصميم قاعدته، انطلقت حملات تبرع بالبلدين لتمويل المشروع، حيث جمعت فرنسا مليوناً و250 ألف فرنك فرنسي لتمويل التصميم والشحن، مقابل إطلاق حملة في الولايات المتحدة للغرض نفسه من خلال تنظيم المعارض الفنية والمسرحيات، قادتها عدة شخصيات سياسية وأدبية وصحفية.

وفي 17 من يونيو/حزيران 1885، وصلت قطع التمثال إلى مدينة نيويورك، وانتظرت في المخازن لغاية انتهاء أعمال بناء القاعدة. وفي يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 1886، وبحفل حضره الرئيس الأمريكي آنذاك، غروفر كليفلاند، افتُتح "تمثال الحرية".

التصميم

صُمم التمثال على يد فريدريك بارتولدي الذي استوحى فكرته من شكل "فلاحة مصرية محجّبة"، وذلك بعد زيارته مصر بين عامي 1855 و1856، وفقاً للكاتب باري مروين، الذي ألّف عدة كتب حول تمثال الحرية.

يرتكز التمثال على قاعدة أسمنتية-جرانيتية يبلغ عرضها 47 متراً، وبينما يبلغ طول التمثال من القدم إلى أعلى المشعل 46 متراً، فإنّ طوله الإجمالي يصل لنحو 93 متراً.

ويتكوّن تمثال الحرية من ألواح نحاسية بسمك 2.5 ملم، مثبّتة إلى الهيكل الحديدي، بوزن إجمالي يصل لنحو 125 طن. ويحيط به حائط جدار على شكل نجمة بعشرة رؤوس، بُني عام 1812 كجزء من حصن "فورت وود" لحماية مدينة نيويورك خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).

تمثال الحرية رمز للجدل

حمل "تمثال الحرية" الذي صُمم قبل 137 عاماً، شعار "الحرية تضيء العالم" (Liberty Enlightening the World)، وذلك لأجل الاحتفاء بالجهود الأمريكية التي ألغت العبودية وأعادت للعبيد الأفارقة جزءاً من حقوقهم الإنسانية.

وعلى الرغم من المعنى الإيجابي للتمثال، إلا أنّ الكثيرين يرون أنّ الحريات التي يتكلم عنها التمثال هي حريات مفصّلة على مقاس السكان البيض، ولا علاقة لها بالمهاجرين الأجانب ولا الأمريكيين الأفارقة الذين يصرّون على استخدام التمثال كرمز للعبودية وازدواجية المعايير.

فبينما يستقبل التمثال المسافرين البيض القادمين من أوروبا، وينير لهم الطريق، فإنه يغمض عينيه عن الانتهاكات التي يتعرض لها الأمريكان من أصل إفريقي في شتى المجالات والأصعدة، ويغلق أذنيه رافضاً سماع صراخهم المطالب بالحرية والمساواة.

TRT عربي