استقالة من المناصب وهروب من واقع معقد.. كيف تهدد الكآبة الجماعية الغرب؟ (DPA)
تابعنا

بعد أشهر قصيرة من الحديث عن موجة الاستقالات الكبرى أو ما يسمى بـ"استقالة أمة"، التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية، عقب تفشي وباء كورونا، يبدو أن رقعة هذه الظاهرة بدأت تتسع لتشمل هذه المرة بلدان القارة العجوز أيضاً، ولكن بمعنى أوسع.

ويقول في هذا الصدد مراقبون ومحللون، إن العالم الغربي بمختلف مكوناته تقريباً، من مواطنين، وأحزاب ومؤسسات حكم، اختار كثير منهم، مواجهة الأحداث الأخيرة بـ"الاستقالة" على محاولة الاحتواء.

فلا أمل، حسب رأيهم، يلوح في أفق الكثيرين، بأي انفراجة قريبة قد تستحق منهم المحاولة.

وتبدو هذه الصورة في منتهى القتامة والتشاؤم، التي شاء البعض أن يصفها بـ"الكآبة الجماعية"، والتي بدأت تلتهم المجتمعات الغربية، وتشكل خطراً كبيراً عليها.

زلزال "الاستقالة" يهز الغرب؟

إن أول ما يتبادر إلى ذهن الجميع عند الحديث عن "الاستقالة"، هو ترك الشخص لوظيفته أو لعمله.

لكن المعنى في هذه المرة وبالعودة إلى سياق ما يحصل في بعض المجتمعات الغربية، يبدو أوسع من ذلك بكثير.

وفي هذا الإطار، يقول تقرير سابق نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية بعنوان "الغرب أصبح حضارة استقالة"، أن الانسحاب والاستقالة والانتحار، قد أصبحت النهايات العنيفة في الغرب، لمحاولة الكثيرين التأقلم وتحدي الأزمات والظروف.

وانتقد التقرير الترويج لظاهرة "مناهضة العمل" وظاهرة "اللاإنجابية" والترويج لـ"الموت البطيء".. وغيرها من الآفات التي باتت تلقى رواجاً كبيراً وبشكل مقلق في المجتمعات الغربية، وتنم عن حالة كبيرة من اليأس والعجز.

وبالرغم من أن هذه الظواهر لا تعد بالظواهر الجديدة، إلا أنها قد لاقت انتشاراً واسعاً ورواجاً كبيراً منذ بدء انتشار الفيروس التاجي، الذي زعزع بدوره استقرار العالم وغيّر حياة الكثيرين. ومن بعده اندلاع الحرب بأوكرانيا، التي تدفع اليوم بأغلب الحكومات الغربية إلى حافة الانهيار، وتضيق الخناق على سكانها شيئاً فشيئاً.

فإن كان العاملون في الغرب، بداية انتشار الجائحة قد صدموا بقرار تسريحهم فجأة، نتيجة الهزات العنيفة التي تمر بها مؤسساتهم، وتحوير ظروف العمل التي أملتها التدابير الوقائية، فالكثير منهم اليوم، وبعد سنتين على الجائحة وخمسة أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية، قد قرر الانسحاب بمفرده والاستقالة استباقاً.

وفي هذا السياق يقول الكثيرون، إنه "مهما عملت، الديون لن تنتهي أبداً"، وذلك بالنظر إلى ارتفاع الأسعار ومن ثم ارتفاع نسب التضخم، مقابل تدني الأجور.

وعلى صعيد متصل، تقول بعض الشركات الفرنسية، إن "المديرين التنفيذيين الشباب أصبحوا مصابين بمرض "غامض"، يتركون بسببه وظائفهم ويقولون إنهم يريدون "العيش" فقط. إنه وباء الاستقالات الذي ينذر بتفكك الحضارة الغربية".

وحسب ما جاء أيضاً في مسح أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز، فإن حوالي موظف من بين كل ستة موظفين فرنسيين يفكرون اليوم في ترك وظائفهم.

ولا يعتبر التشجيع على الموت البطيء والانتحار واللاإنجابية، حسب خبراء ومحللين، إلا شكلاً من أشكال الهروب أيضاً واالكآبة الجماعية التي تخيم على الغرب. فلا معنى بالنسبة للكثير منهم في إنجاب الأطفال وجلبهم إلى عالم "بائس" و"متوحش"، أو الاستمرار في المحاولة في واقع معقد وفوضوي.

المسؤولون ينسحبون أيضاً!

ولا يقتصر الأمر في زلزال "الاستقالة الكبرى" على الموظفين العاديين فقط، وإنما يتعداهم ليشمل المسؤولين أيضاً، على اختلاف مواقعهم ومراكزهم.

ويقول تقرير لوفيغارو، إن الاستقالة في طريقها إلى أن تصبح تتويجاً حتمياً لأي مهنة، حتى أنها أصبحت أيضا "الملاذ الأخير" الذي تجد فيه الحرية الفردية للمسؤولين "المرهقين"، والذين عجزوا عن مجابهة الأزمات المتلاحقة، مقابل الانتظارات الكبيرة لشعوبهم.

فمن استقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي عقب انهيار حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها، إلى عجز المستشار الألماني أولاف شولتس عن التوصل إلى حل أو اتخاذ قرار واضح تجاه أزمة بلاده، إلى تخبط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سياساته وصياغة تحالفاته، لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً، بالنسبة للناقدين.

وبالرغم من أن الجميع يكاد يتفق على أن هذه الأزمات المتلاحقة قد تسحق فئات اجتماعية وتدفع إلى انهيار حكومات ومكونات سياسية، إلا أن مناخ الاستسلام و"الكآبة" الجماعية الدي يخيم على أجواء الغرب، سيشكل تهديداً أكبر من كل ما ذُكر سابقاً، منذراً بتفكك "الحضارة الغربية"، كما يقول محللون.

TRT عربي - وكالات