سحب جيش الاحتلال يالإسرائيلي، الأحد، خمسة ألوية من قطاع غزة، لينتقل العدوان الإسرائيلي الغاشم إلى عمليات جزئية أكثر استهدافاً ضد المقاومة الفلسطينية، في حين سيجري تسريح جنود الاحتياط للعودة إلى الحياة المدنية من أجل المساعدة في إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي في الوقت الذي يبدو فيه أن الحرب ستستمر لفترة طويلة من العام الجديد، حسب ما نقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
ووفقاً للأناضول، فإن سحب هذه الألوية يأتي بعد وقت قليل من سحب جيش الاحتلال الإسرائيلي لواء غولاني في 21 ديسمبر/كانون الأول، بعد الخسائر الفادحة التي تلقاها في قطاع غزة. يذكر أنه وفقاً للأرقام العسكرية، فقد قٌتِل ما لا يقل عن 506 جنود إسرائيليين منذ اندلاع العدوان على غزة يوم 7 أكتوبر.
وبينما يرى البعض أن عملية سحب الألوية جاءت إما بسبب تغيير الخطط العسكرية، وإما محاولة لإنعاش الاقتصاد المتهالك، ترى مجلة نيوزويك الأمريكية عملية الانسحاب على أنها قد تكون استعداداً لحرب إقليمية أوسع نطاقاً في الأسابيع والأشهر المقبلة، والتي تعززت احتمالات اشتعالها بعد اغتيال إسرائيل لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في بيروت مساء الثلاثاء.
هل دخل العدوان مرحلة جديدة؟
منذ أن شنت إسرائيل عدوانها الغاشم على غزة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال المسؤولون الإسرائيليون إنهم سيشنون عدوانهم على ثلاث مراحل رئيسية. الأولى كان القصف المكثف فيها لفتح طرق وصول القوات البرية وتشجيع المدنيين على الإخلاء، والثانية هي الغزو الذي بدأ في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
وعلى الرغم من استمرار المقاومة الفلسطينية في التصدي للاجتياح الدبابات والقوات في قطاع غزة عبر استهداف الجنود والآليات، فإن الاحتلال ينتقل إلى المرحلة الثالثة التي ستستغرق ستة أشهر على الأقل، حسبما قال مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن هويته خلال حديثه مع رويترز.
وقالت رويترز إن هذا التحول يبدو أنه يتوافق مع الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، أكبر حليف لإسرائيل، لمراجعة التكتيكات وبذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين.
كما سبق لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن كشفت عن احتدام الصراع داخل مجلس الحرب الإسرائيلي حول استمرار القتال في قطاع غزة. وقالت القناة الـ13 الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، يعتقدان من ناحية أن المرحلة الحالية، التي تعتبر أكثر صعوبة، يجب أن تستمر للأسابيع القليلة المقبلة، ومن ناحية أخرى يرى وزير الدفاع السابق وعضو حكومة الطوارئ بيني غانتس، ورئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، أن جيش الاحتلال يجب عليه أن ينتقل إلى المرحلة التالية من العمليات العسكرية في القطاع.
مساعٍ لإنقاذ الاقتصاد
جنّدت إسرائيل في بداية عدوانها 300 ألف جندي احتياط –نحو 10% إلى 15% من قوتها العاملة– لما يبدو أطول حرب لها على الإطلاق. وقالت مصادر حكومية إن ما بين 200 ألف و250 ألف جندي احتياط ما زالوا مجندين وغائبين عن الوظائف أو الدراسة.
وفي حديثه عن سحب القوات، قال الجيش الإسرائيلي لمجلة نيوزويك يوم الاثنين: "من المتوقع أن تخفف هذه الخطوة بشكل كبير الأعباء الاقتصادية، وتمكنهم من تجميع القوة للأنشطة القادمة في العام المقبل، إذ سيستمر القتال وستظل هناك حاجة إلى خدماتهم".
ووسط تزايد عدم اليقين بشأن التكاليف الاقتصادية ومدة استمرار العدوان، توقع بنك إسرائيل أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بنسبة 2% في كل من عامي 2023 و2024، وبنسبة 5% في عام 2025، فيما قال محافظ بنك إسرائيل إن تكاليف ميزانية الحرب -النفقات بالإضافة إلى خسارة الدخل- من المتوقع أن تصل إلى أكثر من 58 مليار دولار.
قلق من توسع الحرب
قد يشير سحب القوات أيضاً إلى مسار عسكري مختلف يتجاوز حماس وغزة، مما قد يؤدي إلى تعزيز الحدود الشمالية لإسرائيل في حالة تصاعد الحرب في الأسابيع والأشهر المقبلة لتشمل "حزب الله" اللبناني.
وقال اللفتنانت جنرال هرتسي هاليفي، الذي وصف سحب الألوية بأنه "إعادة تشكيل" للقوات، للجنود يوم الثلاثاء: "منذ اللحظات الأولى لهذه الحرب قلنا إنها ستستغرق وقتاً طويلاً". وأضاف: "هل سنتمكن في نهاية المطاف من القول إنه لم يعد يوجد أعداء حول دولة إسرائيل؟ أعتقد أن هذا طموح مبالغ فيه. لكننا سنحقق وضعاً أمنيّاً مختلفاً- آمناً مستقراً قدر الإمكان".
وتزداد المخاوف في تل أبيب من توسع الحرب وانتقالها إلى الجبهة الشمالية، بعد اغتيال إسرائيل لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري. حيث قال "حزب الله"، إن عملية اغتيال العاروري "لن تمر دون رد".
وأضاف حزب الله في بيان : "عملية الاغتيال هذه هي اعتداء خطير على لبنان ولن تمر من دون رد".
واعتبر أن "جريمة اغتيال العاروري ورفاقه في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت اعتداء خطير على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته، وما فيه من رسائل سياسية وأمنية بالغة الرمزية والدلالات".
وتابع البيان: "(اغتيال العاروري) تطور خطير في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة".
تخبط بشأن غزة
وعن مستقبل الحكم في غزة بعد نهاية العدوان، كشفت قناة "كان" التابعة لهيئة البثّ الإسرائيلي الرسمية مساء الاثنين، ما قالت إنه خطة الجيش الإسرائيلي لما بعد الحرب في غزة، التي "تتضمن تقسيم القطاع إلى مناطق تحكمها العشائر، وتتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية".
وفي أكثر من مناسبة منذ بداية الحرب، أكّد نتنياهو رفضه إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، مؤكداً أن إسرائيل ستتولى الملف الأمني في القطاع، رغم دعم واشنطن حكم السلطة الفلسطينية هناك.
من جانبها ترفض حركة حماس كل التصريحات والخطط الإسرائيلية والأمريكية لقطاع غزة، وتؤكد أن القرار هو للفلسطينيين وحدهم.
إذ أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في كلمة مسجلة الثلاثاء أن قطاع غزة "لن يشهد حالة فوضى أو فراغ إلى أن يتم التوافق على حكومة وحدة وطنية لإدارة القطاع والضفة".
وتابع: "الأجهزة الشرطية والأمنية تعمل حاليا والمؤسسات الحكومية تقوم بجهدها بالإمكانات المتاحة في ظل الحرب والعدوان".
وأضاف: "أكدنا أننا منفتحون على جميع المكونات الوطنية لإعادة بناء المرجعية الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، عبر الخيار الديمقراطي إلى جانب الاتفاق على حكومة وطنية للضفة والقطاع".