تابعنا
بدأت صناعة السيارات الطائرة تدخل مرحلة جديدة، وهناك تفاؤل كبير أن تنجح بتوفير بديل صديق للبيئة يسهم في تقليل التلوث، وأزمات السير التي باتت تخنق المدن الكبيرة حول العالم.

من بين الأشياء التي قام بها الإنسان، عندما تحوَّل في نمط عيشه من حياة القرى إلى حياة المدينة بحدود العام 3500 ق.ح، كانت تركيز أسباب الموت حول حياته. لقد غدت المدينة واحدة من أكثر الأسباب التي تودي بحياة الإنسان ذلك أن تكديس الناس بالقرب من بعضهم البعض وبأعداد كبيرة زاد نسبة التلوث خصوصاً مع صعوبة التخلص من الفضلات البشرية وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة ملحوظة في الأمراض والعدوى ومن ثم وكنتيجة حتمية إلى ارتفاع نسب الموت.

بعد هذه السنوات الطويلة لم تتخلص المدينة من لعنتها الأصيلة في تهديد حياة الإنسان، فإذا كانت شبكات الصرف الصحي قد أعفت الإنسان من الموت بسبب فضلاته، فإن تكنولوجيا المواصلات قد جعلته عرضة للموت بسبب فضلات محركات الوقود الأحفوري الذي تتسبب أبخرتها الصادرة من عوادم السيارات والقطارات والطائرات –وما شابه- بتلوث شديد للجو يودي بحياة سبعة ملايين من البشر سنوياً حسب آخر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية.

إن مشكلة التلوث الناتج من تصاعد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجوي تسهم في خلق واحدة من أخطر المشكلات التي يواجها البشر في حاضرهم ومستقبلهم القريب. فبالإضافة إلى مشكلة الأسلحة النووية، والاضطرابات التكنولوجية (خصوصاً تلك الناجمة عن الانفلات التقني في مجالي السوشيال ميديا والتكنولوجيا الحيوية) فإن هناك مشكلة الاحتباس الحراري الذي باتت ترفع درجة حرارة الأرض بمعدلات مثيرة للرعب.

لا تبدو معالجة الاحتباس الحراري بالأمر الهين خصوصاً مع تلكؤ الولايات المتحدة عن التزاماتها المبرمة في اتفاقية باريس للمناخ وهو الامر الذي انعكس سلباً على هذا التعهد الدولي بتخفيض الانبعاثات السامة في الجو، وهو التلكؤ الذي وجد صداه في انكفاء أبرز المسببين في انتاج الغازات السامية وهي بالإضافة إلى الولايات المتحدة كل من الصين وروسيا والدول الصناعية الكبرى عن الالتزام بتعهداتهم الدولية أيضا بالشكل الذي يضمن مستقبلاً نظيفاُ للبشرية.

تعمل السيارات الطائرة بالطاقة الكهربائية بشكل كامل ولذلك فهي مصنفة من ضمن المركبات الصديقة للبيئة.

إقبال بن قايد حسين

ولكن وبالرغم من الصعوبة التي تكتنف معالجة الاحتباس الحراري، فإن هناك محاولات جادة من بعض الجهات التي تتمتع ببصيرة ثاقبة ونظرة طويلة الأمد في التعاطي معه تدريجياً. طبعا، لا يخلو جهدهم من الجانب الاقتصادي، فالحلول المقترحة من هذه الجهات تضمن أيضا لأصحابها منافع مالية ضخمة.

من هذه الحلول الأجدر على الملاحظة هي التحول نحو الطاقة البديلة، أو الطاقة المتجددة. ومن ضمن القطاعات التي باتت تأخذ مساحة كبيرة من اهتمام رواد الأعمال هي السيارات الطائرة أو ما بات يعرف بـ Flaying Taxi، وهو الاسم الشعبي لمصطلح Vertical Takeoff and Landing Vehicles والمعروفة اختصاراً بـ VTOLs.

تعمل هذه السيارات الطائرة بالطاقة الكهربائية بشكل كامل ولذلك فهي مصنفة من ضمن المركبات الصديقة للبيئة. ويعمل الخبراء على تطويرها بالشكل الذي يضمن استخدامها بشكل تجاري من أجل تحقيق هدفين: أولاً تخفيف أزمات السير الخانقة؛ وثانيا، تخفيف معدلات انبعاث الغازات السامة، وهما مشكلتان تعاني منهما تقريباً جميع المدن في العالم بشكل باتت يهدد حياة الملايين من البشر.

ربما نكون نحن العرب بعيدين نوعاً ما عن تقمص هذه التكنولوجيا في مدننا. ولكن مدينة دبي، وهي من إحدى أهم المدن في العالم تقدماً في ريادة الإعمال التكنولوجية قد وقّعت على اتفاقية مع شركة أوبر Uber -وهي إحدى أهم الشركات التي تعمل على تطوير السيارات الطائرة- لتسير هذه المركبات في المدينة في غضون الخطة الخمسية المقبلة. وحسب الاتفاقية فإن الشركة سوف تعرض نموذجها المبدئي من السيارة الطائرة في معرضة Expo2020 في دبي.

شركة Lilium الألمانية الرائدة في تطوير السيارات الطائرة قالت إنها بصدد تسيير أول أسطول من سياراتها الطائرة للخدمات التجارية بحلول عام 2025.

إقبال بن قايد حسين

بعيداً عن الحديث عن الفجوة التي باتت تضرب العالم العربي بين مناطق تسعى إلى تشغيل السيارات الطائرة كدبي، ومناطق أخرى بالكاد يجد أبناؤها قوت يومهم أو ماء صالحاً يشربونه مثل غالبية المناطق في اليمن؛ فإن مشروع السيارات الطائرة يعد واحداً من أبرز المشاريع التي من شأنها أن تحدث أثراً إيجابياً على صحة البيئة.

فشركة Lilium الألمانية الرائدة في تطوير السيارات الطائرة قالت إنها بصدد تسيير أول أسطول من سياراتها الطائرة للخدمات التجارية بحلول عام 2025. هذا أمر يثير فعلاً الدهشة. من منا كان يتصور أنه بعد ما يقرب من ستة سنوات من الآن سيكون بمقدور الكثيرين منا التجول في المدينة والذهاب إلى العمل على سبيل المثال باستخدام سيارة طائرة؟ الأمر المثير هنا أن المسافة التي كنت تقطعها بواقع ساعة باستخدام السيارة، ستكون بإمكانك قطعها بواقع سبعة دقائق تقريباً فقط باستخدام السيارة الطائرة. ليس هذا وحسب، بل إن التكلفة ستكون متساوية، بمعنى أن استخدام السيارة الطائرة سيكون مجدياً من الناحية الاقتصادية أيضا.

لا يوجد ضمانات حقيقية على الوعد التي قطعته شركة Lilium على نفسها ولكن تبدو تجربتها الأخيرة قبل عدة أيام واعدة. ففي مقطع مصور بثته الشركة على موقع يوتيوب يظهر فريقها من التقنيين والخبراء وكلهم من الشباب يجري اختباره الأول على النموذج الأولي من سيارتها الطائرة. لقد حلقت الطائرة لبضع ثوان كانت كفيلة بأن تبعث موجة من الفرح والغبطة بين الحاضرين. صحيح أن الطائرة لم تتحرك بأي اتجاه، ولم تحمل على متنها أي راكب، ولكن مجرد نجاه النموذج في التحليق كان كفيلاً أن يؤشر لبداية مرحلة جديدة من عام الطيران التجاري ستختبرها الإنسانية قريباً.

TRT عربي