رغم بساطته الظاهرة فإن تفسير الروائح واكتشافها ما زال لغزاً معقداً وغامضاً. (Pilar Olivares/Reuters)
تابعنا

ما الذي تخبرنا به رائحة الجسم؟ ربما أشياء أكثر مما نتخيل، مثل طبيعة النظام الغذائي المتبع والمشاعر والمرض ومدى قوة نظام المناعة، بل ربما تكشف لك من قد تتزوج في المستقبل، وفقاً لتقرير على صحيفة "وول ستريت جورنال بعنوان ما الذي تقوله عنك رائحتك؟

رغم أن الروائح التي تحيط بأجسامنا، تتضمن تقريباً كل المعلومات التي يهمنا أن نعرفها عن أنفسنا، فإن تفسير الروائح واكتشافها لا يزال لغزاً معقداً وغامضاً.

تتشكل رائحة الجسم من ثلاث طبقات تخرج من الجلد، المستوى الأول هو المستوى السطحي، ومنه يمكن التقاط الروائح الكريهة أو النظيفة بعد الاستحمام مثلاً، والمستوى المتوسط للجلد المسؤول عن تخزين بعض المعلومات الخاصة مثل طبيعة النظام الغذائي والبيئة المحيطة، وأسفل تلك الطبقة، يمكن العثور على الرائحة الأصلية للشخص، وهي دوماً فريدة تشبه بصمة اليد ولا يمكن تكرارها.

ما يحدد هذه الرائحة الأصلية، هو ما يعرف بجينات "مركب التلاؤم الرئيسي للأنسجة - MHC"، وتتشكل من 50 جيناً هي ذاتها التي تُكوّن جهاز المناعة في الجسم.

لذلك، يلفت التقرير إلى أن أحد الأسباب الغامضة التي تجذبنا إلى رفيق معين تعود إلى تلك الجينات، حيث ننجذب نحو أنظمة مناعة تختلف عنا وتكملنا في نفس الوقت.

ويمكن تمييز رائحة الجسم الأصلية والتعرف على صاحبها منذ لحظة الولادة، إذ أكدت العديد من الدراسات الحديثة أن الأمهات والأطفال يميزون بعضهم بواسطة حاسة الشم، ففي إحدى الدراسات قُدِّمت قطعتا قماش إلى أطفال حديثي الولادة، إحداها تحتوي على لبن الأم ورائحتها، فانجذب الأطفال تلقائياً نحو القماشة الممتلئة بلبن الأم ولم يلتفتوا نحو القماشة الأخرى.

كيف تحدث عملية الشم؟

لا تزال عملية الشم محاطة بالكثير من الغموض حول كيفية عملها بدقة، إذ لم يتمكن العلماء من فهمها أصلاً إلا في وقت متأخر نسبياً، عام 1991، ويبدو أنها بالغة التعقيد رغم حدوثها في أقل من الثانية ودون أن ننتبه إليها.

ينتقل جزيء الرائحة عبر الأنف إلى الخلايا العصبية الشمّية، وتُميزها مستقبلات الروائح المخزنة داخل الخلايا العصبية بداخلنا، لا يزال لغزاً كيفية تمييز تلك المستقبلات لجزيئات الروائح، لكن يبدو أن شكل الجزيء يحدد نوع المستقبِل الذي سيرتبط به، مثل المفتاح والقفل الخاص به.

وبعد التقاء مستقبلات الروائح بجزيئاتها وارتباطهما معاً، يرسل المستقبِل إشارة يشفرها ويمررها مركز حاسة الشم في الدماغ، فتحدث عملية الشم وتُميز الروائح والانطباعات المصاحبة لها.

رائحة المرض

قد تدل رائحة الجسم الأصلية على نوع المرض وتساعد في تشخيصه بدقة، وأيضاً تمنح فكرة جيدة عن طبيعة عمل الجهاز المناعي وقوته، ففي إحدى الدراسات حُقِن المشاركون بمادة سامة تثير استجابة مناعية قوية، وبعد أربع ساعات جُمعت القمصان التي كانوا يرتدونها، وعند مقارنتها من منطقة الإبط بقمصان عادية، لوحظ أن عرقهم أكثر كثافة ورائحته متغيرة.

وفي الأزمنة السابقة، كان المعالجون يميزّون بالخبرة والممارسة رائحة الأمراض، فمثلاً يعرفون أن مريض التيفوس تفوح من جسده رائحة الخبز البني الطازج، ومريض السل تفوح من جسده رائحة البيرة القديمة، أما مريض الطاعون فرائحته تشبه رائحة التفاح الناضج.

رائحة المشاعر

جمع الباحثون خلال إحدى الدراسات العرق من مشاركين ذكور، أثناء مشاهدتهم فيلماً مثيراً للاضطراب والانزعاج أو مخيفاً.

بعد ذلك، عُرضت عينات العرق تلك على مجموعة من النساء، ولوحظ بوضوح أن النساء اللاتي تعرضن لرائحة الخوف بدا ذلك على حركة أجسادهن وعيونهن قبل أن يشرحن شعورهن، وأيضاً النساء اللاتي تعرضن لرائحة الانزعاج والاشمئزاز، بدا عليهن ذلك دون أن يعرفن طبيعة الرائحة.

وفي نفس الدراسة، أُثبت أن الإنسان بوسعه تمييز رائحة السعادة أيضاً، فحينما عُرضت عينات عرق جُمعت بعدما أفرزها المشاركون في لحظات سعيدة، على آخرين، ارتسمت على وجوههم ابتسامة عريضة بمجرد شم الرائحة.

TRT عربي - وكالات