في صفقة دبلوماسية معقدة وحساسة، استغرق إعدادها أشهراً، أُفرج عن الأمريكيين الخمسة -الذين احتُجز بعضهم لما يقرب من عقد من الزمن- في سجون إيران، وذلك مقابل إطلاق سراح خمسة إيرانيين محتجزين لدى الولايات المتحدة الأمريكية والإفراج عن ستة مليارات دولار من أموال النفط الإيراني المجمّدة.
ولعبت كل من قطر وعمان دور الوسيط في الصفقة، بدءاً بالتحويل الإلكتروني للأموال الإيرانية إلى حسابات مصرفية في قطر وسويسرا، وصولاً إلى نقل الأمريكيين من فنادق في طهران على متن طائرة قطرية أقلعت إلى الدوحة، قبل أن يعودوا إلى واشنطن. ولم يُسمح للسجناء بالصعود إلى الطائرة إلا بعد اكتمال التحويل النقدي.
وبينما قدم الرئيس الأمريكي شكراً خاصاً لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وسلطان عمان هيثم بن طارق على مساعدتهما في تسهيل إبرام هذا الاتفاق على مدى أشهر عديدة من الدبلوماسية الصعبة، توجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أيضاً بالشكر لكل من قطر وعمان على دورهما ومساهمتهما في إنجاز صفقة تبادل السجناء بين طهران وواشنطن.
صفقة نادرة
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الاثنين، في بيان قبل وقت قصير من نزول المحتجزين الأمريكيين على سلالم طائرة قطرية في الدوحة ليحتضنهم دبلوماسيون أمريكيون: "اليوم، عاد خمسة أمريكيين أبرياء كانوا مسجونين في إيران إلى وطنهم أخيراً".
وبشكل منفصل، قالت قناة برس تي في الإيرانية المملوكة للدولة، إنه أُطلق سراح الإيرانيين الخمسة الذين تحتجزهم الولايات المتحدة المتهمين بارتكاب جرائم خرق العقوبات، في إشارة واضحة إلى منحهم العفو، وإن اثنين فقط من الإيرانيين الخمسة المفرج عنهم اختاروا العودة إلى إيران.
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد وصوله إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة: "كان هذا عملاً إنسانياً بحتاً". وأضاف: "يمكن بالتأكيد أن تكون خطوة يمكن على أساسها اتخاذ إجراءات إنسانية أخرى في المستقبل".
ونقلت الغارديان البريطانية أقوال فاطمة أمان، وهي زميلة بارزة في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، جاء فيها: "إنه عمل إيجابي والعديد من الدول المتعارضة مع بعضها بعضاً، أبرمت هذا النوع من الصفقات. لكن هذا لا يعني نهاية العداء بين إيران والولايات المتحدة". وأضافت: "هناك قضايا رئيسية أخرى، مثل المعضلة النووية الإيرانية، التي لن تختفي بهذه السهولة".
اختراق قطري
توسطت قطر في محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن المحتجزين، بينما ساعدت سويسرا، التي تمثل المصالح الأمريكية في طهران، لأن الولايات المتحدة وإيران لا تقيمان علاقات دبلوماسية، في تحويل ستة مليارات دولار من كوريا الجنوبية إلى حسابات قطرية.
وتمثل الصفقة نجاحاً دبلوماسياً لقطر كوسيط بين دولتين لا تثقان ببعضهما بعضاً. كما لعبت عُمان دوراً حاسماً في المفاوضات، مستغلةً سمعتها كوسيط محايد وموثوق في الصراعات الإقليمية.
وفي تصريح لوكالة الأنباء القطرية، أعلن وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، الاثنين، أنه كجزء من تنفيذ الاتفاق، حُوّلت الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا إلى الدوحة، معلناً أن "دولة قطر ستبدأ في تفعيل القناة المصرفية الإنسانية".
وتقول الولايات المتحدة إن قطر ستضمن أن الأموال غير المجمدة ستُنفق فقط على السلع –في المقام الأول المواد الغذائية والسلع الزراعية والأدوية– التي لا تخضع للعقوبات.
من جهته، قال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إنه مع دخول الاتفاق الأمريكي الإيراني حول تبادل السجناء حيز التنفيذ نتوجه بالشكر لطرفي الاتفاق آملين أن يمهد لمزيد من التفاهمات. وأضاف: "نتوجه بالشكر لشركائنا الذين ساهموا في نجاحه ولا سيما سلطنة عمان الشقيقة"، مشدداً على أن دولة قطر مستمرة في المساهمة في كل ما من شأنه تعزيز أمن المنطقة والعالم.
هوية المفرج عنهم
ومن بين المواطنين الأمريكيين مزدوجي الجنسية المفرج عنهم سياماك نمازي (51 عاماً) وعماد شرقي (59 عاماً)، وكلاهما رجل أعمال، ومراد طاهباز (67 عاماً)، وهو ناشط بيئي يحمل الجنسية البريطانية أيضاً.
بينما لم يُكشف عن هوية المواطنين الأمريكيين الرابع والخامس بناء على طلبهما نظراً لرغبتهما في الخصوصية، وفقاً لرويترز.
بالمقابل، شارك المسؤولون الإيرانيون أسماء الإيرانيين الخمسة الذين أفرجت عنهم الولايات المتحدة، وهم مهرداد معين أنصاري، وقمبيز عطار كاشاني، ورضا سرهنكبور-كفراني، وأمين حسن زاده، وكافيه أفراسيابي.
عقوبات جديدة
وفي محاولة للظهور بمظهر صارم تجاه إيران وربما التخفيف من حدة انتقادات الجمهوريين التي أعقبت الصفة الأخيرة، أعلن بايدن فرض عقوبات أمريكية جديدة على الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد ووزارة الاستخبارات الإيرانية بتهمة "التورط في اعتقالات غير مشروعة". وجاء في البيان: "سنواصل فرض تكاليف على إيران بسبب أفعالها الاستفزازية في المنطقة".
بالمقابل، قال مايكل ماكول، وهو جمهوري بارز ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إن تحويل مبلغ ستة المليارات دولار سيؤدي على الأرجح إلى المزيد من اعتقالات المواطنين الأمريكيين من إيران، وفقاً لما نقلته رويترز.
وبينما قال ماكول: "ليس هناك شك في أن هذا الاتفاق سيحرر الأموال لأنشطة إيران الخبيثة"، رد مساعدو بايدن بالقول إن الأموال تخصّ إيران وتُحوّل من حسابات كوريا الجنوبية المقيدة إلى حسابات قطرية مقيدة، إذ لا يمكن إنفاقها إلا على الغذاء والدواء والمواد الإنسانية الأخرى تحت إشراف الولايات المتحدة.