تابعنا
شكل انفجار مرفأ بيروت الذي حل مثل نكبة على المدينة في 4 أغسطس/آب الجاري، ضربة قاضية في عمق المرافق والمؤسسات الصحية العاملة في مدينة بيروت.

قبيل كارثة انفجار المرفأ كان القطاع الصحي في لبنان قد وصل إلى حافة الانهيار بفعل الأزمات الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، إذ شلت المؤسسات الصحية اللبنانية على اختلافها وتعدد أماكن انتشارها، وأعاقت سير عملها كبقية القطاعات اللبنانية الأخرى.

هذه المرافق الصحية وتحديداً التي تقع في العاصمة اللبنانية بيروت، كانت تصارع للبقاء في خدمة اللبنانيين خلال جائحة كورونا. ذلك رغم الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي والنقص الحاد في المحروقات، ما انعكس عجزاً للمستشفيات عن تحمل تكاليف صيانة مرافقها والحصول على الإمدادات والموارد اللازمة كمواد التخدير.

إلا أن ذلك بالدرجة الأولى انعكس تخفيضاً لرواتب الموظفين وتسريحاً لعدد منهم، لتصبح المستشفيات الخاصة التي تشكل نحو 85% من المؤسسات الصحية اللبنانية مهددة بالإغلاق.

نصف مستشفيات بيروت خارج الخدمة

وفي المشهد العام للقطاع الصحي في مدينة بيروت يكشف مدير الطوارئ للمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بشرق المتوسط، ريتشارد برينان، أنه "بعد تقييم 55 عيادة ومركزاً صحياً في بيروت، تبين أن هناك أكثر من 50% بقليل أصبحت خارج الخدمة".

ويضيف خلال مؤتمر عقد في القاهرة عبر الإنترنت: "ثلاثة من المستشفيات الكبرى على الأقل في بيروت تعطلت بسبب الانفجار، وثلاثة مستشفيات أخرى تعمل بطاقة أقل من المعتاد. هذا يعني أننا فقدنا حوالي 500 سرير".

وتحذر منظمة الصحة العالمية من "تدهور وضع الخدمات الطبية والصحية في مدينة بيروت"، وطالبت "بجمع تبرعات بقيمة 76 مليون دولار لمدينة بيروت المنكوبة".

في حين تكشف ممثلة منظمة الصحة العالمية - مكتب لبنان، الدكتورة إيمان شنقيطي، أن "المستشفيات في بيروت بما فيها الحكومية والخاصة تعاني من نقص المعدات الطبية"، مشيرة إلى أن "انفجار المرفأ أثر على القدرات الشفائية للمستشفيات، لذا تم تنظيم أكثر من زيارة ميدانية لرصد الاحتياجات الخاصة بالمستشفيات".

وفي هذا الإطار، يقول المستشار الإعلامي لوزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، رضا الموسوي: إن "هناك أربعة مستشفيات كبيرة دُمرت بشكل كبير، وهي مستشفى الكرنتينا، والوردية، والجعيتاوي، ومستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس المعروف بمستشفى الروم".

اقرأ أيضاً:

ويضيف خلال حديثه لـTRT عربي: "بسبب تعطل الخدمات في هذه المستشفيات حالياً، تم وضع مستشفيين ميدانيين بشكل مؤقت، الأول في ساحة مستشفى الروم، والثاني في موقف مستشفى جعيتاوي"، مشيراً إلى أن "وظيفة هذين المستشفيين تكمن في تأمين الخدمات الصحية لسكان مدينة بيروت".

ويؤكد الموسوي أن "المستشفيات التي تقع في بيروت تضررت بشكل متفاوت بحسب قربها من الانفجار، إلا أن 75% من مستشفيات العاصمة قد لحقها ضرر"، مشيراً إلى "مستشفى الجامعة الأمريكية قد تضرر زجاجه في الطابق الأرضي فقط، أما الطوابق العليا فلم يحدث فيها أضرار، ما يعني أنها لا تزال تعمل ضمن الخدمة".

وحول مشهدية القطاع الصحي في مرحلة ما بعد الانفجار، يرى المستشار الإعلامي أنه "الآن لا نستطيع الحديث عن كارثة في الأفق، إلا أنه إذا أهملنا تداعيات الانفجار على تلك المستشفيات حينها حتماً سنصل إلى الكارثة".

ويشدد على أن "هذا الانفجار قد آذى واستنزف المستشفيات في العاصمة بيروت بشكل تام، والمؤكد أن المساعدات التي قُدمت لنا خففت من حدة الكارثة، إلا أن الذي جاء لا يعادل الذي ذهب وخسرناه، نحن بحاجة إلى مزيد من المساعدات ليعود الجسم الطبي اللبناني كما كان"، لافتاً إلى أن "السفارة السويسرية عرضت على وزارة الصحة أن تعيد بناء مستشفيين، وهما الكرنتينا والروم".

أقدم مستشفى في بيروت مدمر بالكامل

على المقلب الآخر، عاصر مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس منذ تأسيسه عام 1878 حروباً وخضات سياسية وأمنية ضروساً، بدءاً من الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والثانية (1939–1945)، مروراً بثورة "تموز/يوليو" (1952) والحرب الأهلية (1975–1990) والاجتياح الإسرائيلي (1982–2000)، وصولاً إلى "حرب تموز (يوليو)" (2006).

اقرأ أيضاً:

تحت وطأة هذه الظروف جمعاء لم يتوقف يوماً مستشفى الروم، أقدم مستشفى في مدينة بيروت، عن تقديم خدماته الطبية للجرحى والضحايا الذين سالت دماؤهم بفعل الترددات السياسية والأمنية التي خيمت فوق سماء لبنان لسنوات طويلة.

إلا أن كارثة انفجار مرفأ بيروت قلبت أقسام المستشفى رأساً على عقب، ليعم دمار شامل في أروقتها وتلطخ دماء الضحايا كل مكان.

وتجدر الإشارة إلى أن مستشفى الروم خسر نحو 17 ضحية بين ممرضين ومرضى من جراء الانفجار الذي هز مدينة بيروت. في حين اضطرت إدارة المستشفى إلى إجلاء جميع المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج داخله بمن فيهم 19 مصاباً بفيروس كورونا، وذلك على لسان مدير المستشفى عيد عازار.

الدكتور ألكساندر نعمة، المدير الطبي في مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس، كان بعيداً عن موقع المستشفى لحظة وقوع الانفجار، إلا أن واجبه المهني تجاه زملائه وواجبه الإنساني تجاه مرضاه دفعه والأطباء الآخرين إلى العودة إلى المستشفى لإسعاف المصابين وإنقاذ الضحايا قدر المستطاع.

يستذكر الدكتور نعمة في حديثه لـTRT عربي الصعوبات التي عانوها خلال عملية إجلاء الضحايا والمصابين، قائلاً: إن "ظروف إخلاء المستشفى كانت صعبة جداً، لأن هول الانفجار كان قوياً لدرجة أنه كان أقوى من أي خريطة حماية كانت مكتوبة على الجدران لمواجهة انفجار صغير أو قذيفة يتعرض لها المستشفى".

ويضيف: "بسبب عدم وجود خطة حماية نتيجة إقفال المستشفى بشكل تام وانقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى، اضطررنا حينها إلى المشي على ضوء الهواتف وتقسّمنا الى مجموعات، كل مجموعة قامت بتسلم طابق من الطوابق التسعة. كل مريض كان واجباً إجلاؤه ولا يقوى على المشي كان يستلقي على سرير، وتتناوب الفرق على النقل إلى الخارج".

ويؤكد أن "الطوابق التي كانت تقع فوق الأرض هي غرف للمرضى والعنايات الفائقة وغرف للأطفال، وقاعات استقبال، بالتالي كل هذه المرافق دُمرت بالكامل. الأمر الذي أدى إلى وفاة أربع ممرضات من طاقم المستشفى، و11 مريضاً، وزائرين اثنين. في حين أدى الانفجار إلى إصابة ما يزيد على 120 فرداً من طاقم الموظفين في المستشفى ما بين أطباء وممرضين وعاملين".

ويرى الدكتور نعمة أنه "لحسن الحظ هناك خمسة طوابق للمستشفى مجهزة تحت الأرض ولم يطلها أي ضرر، وهي أقسام رئيسية في المستشفى كغرف العمليات والتصوير والأشعة والصيدلية. وتعود فكرة وجود هذه المرافق تحت الأرض إلى أن لبنان عاش حروباً دامية كثيرة"، مشيراً إلى أن "جميع هذه المرافق بحالة مقبولة تقريباً، وفي الأسابيع المقبلة سيقوم المستشفى باستقبال المرضى في قسم الأشعة وفي المختبر".

وحول تداعيات الانفجار على القطاع الصحي، يعتبر أنه "إذا لم يتم تقديم المساعدات للمستشفيات التي تضررت، بما فيها مستشفى الروم، بالتوازي مع تكثيف التوعية من مخاطر تفشي وباء الكورونا بشكل أكبر بخاصة خلال هذه الكارثة البشرية، فإنه من الممكن أن نصل إلى سيناريو صحي كارثي كمدينة نيويورك وإيطاليا".

ويلفت نعمة إلى أنه "لن يكون هناك أجهزة تنفس كافية بعد الذي حل بالمستشفيات الأربع، حيث خسر القطاع الصحي 100 جهاز تنفس من أصل 600 جهاز معتمدة في المرافق الصحية على الأراضي اللبنانية كافة. هذا الرقم ينذر بخطورة صحية مقبلة إن لم يتم تقديم المساعدات بشكل عاجل".

رحلة إنقاذ ثلاثة رضع حديثي الولادة

"الممرضة البطلة".. هكذا لُقبت، وهكذا اشتهرت بصورتها وهي تحمل بين أحضانها ثلاثة أطفال حديثي الولادة، وهي تحاول إنقاذ حياتهم من وسط الركام والدمار الذي حل في أروقة المستشفى، لتضج بصورتها مواقع التواصل الاجتماعي اللبنانية والعربية والعالمية.

باميلا زينون.. تروي في حديثها لـTRT عربي القصة كاملة لما حدث معها لحظة انفجار مرفأ بيروت، وكيف نجحت في إنقاذ حياة ثلاثة رضع.

وتقول: "كان يوماً طبيعياً وقد شارفت على انتهاء دوامي في المستشفى، وكنا نتكلم أنا ووالدتي على الهاتف، وفجأة شعرت بأن الأرض تتحرك وتكسر الطابق كله على رؤوسنا، ولم يبقَ شيء مكانه. لقد سقط فوقي كثير من الأشياء كالخزائن والزجاج وقطع من السقف".

وتتابع: "نهضت وتفقدت نفسي ومن ثم ركضت نحو الأطفال، لم أستطع الدخول بشكل سريع ومباشر لأن الممر كان مدمراً. ورأيت حينها الممرضات اللاتي كن معي ملطخات بالدماء ولا يستطعن الكلام. أمسكتهن من أيديهن وأخرجتهن ووضعتهن بعيداً عن الزجاج المتساقط، ودخلت إلى غرفة الأطفال ولم أرهم في البداية لأن أسرّتهم لم تبق في مكانها. بدأت أزيل الحديد ووجدت ثلاثة أطفال، حملتهم بسرعة وخرجت بهم إلى الخارج بعد معاناة طويلة لأن جميع المخارج كانت مقفلة".

وتستذكر لحظات وصولها إلى باحات المستشفى الخارجية لترى "مناظر صادمة هناك والدماء على الأرض والممرضات يحملن مرضاهن، وكان الأطباء يحاولون تهدئة الجرحى، والأرض مليئة بالدماء لدرجة أنني لم أستطع المشي، وكان كل همي الأطفال خوفاً عليهم من السقوط من يدي".

"هذه هي المرة الأولى التي يتوقف فيها مستشفى الروم عن استقبال المرضى منذ تأسيسه"، وفقاً لزينون التي وصفت "المستشفى بالهيكل حالياً"، مشيرةً إلى "محاولات إعادته الى الحياة من جديد، بعد خسارة 75% من معدات المستشفى".

وترى أن "هذا الأمر مخيف لأن مستقبلنا أصبح غير مضمون خاصة بعدما حدث، ولا ننسى أن مهنتنا قبل هذا الانفجار أيضاً كانت خطرة، لأن عليها ضغطاً كبيراً بسبب الوضع الاقتصادي وجائحة كورونا. وجاء هذا الانفجار ضربة قاضية للقطاع الصحي".

وتضيف: "نحتاج الكثير من الوقت كي نخرج ممًّا عشناه، ونحتاج الكثير من المساعدات، ونحتاج الكثير من المجهود، وبالتالي يجب أن نكون يداً واحدة كي نستطيع الخروج من هذه الأزمة، وإلا فسنتجه حتماً نحو الخراب أكثر ممَّا نعاني الآن، ونحن بالتأكيد لا نقوى على ضربة أخرى".

هي دعوة علنية لتضافر الجهود البشرية في تقديم المساعدات المالية والطبية اللازمة لإعادة إنعاش القطاع الطبي في مدينة بيروت، والذي بات في مرحلة الاحتضار بعد نكبة الرابع من أغسطس/آب، وإلا فإن أرقاماً صادمة للشعب اللبناني ستسجل في عداد الأموات من جراء ما ستحمله المرحلة المقبلة من انعكاسات لجائحة كورونا، التي تسجل أرقاماً قياسية مرتفعة يومياً بحسب تقديرات وزارة الصحة اللبنانية.

مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذوكس ـ منطقة الأشرفية ـ بيروت (TRT Arabi)
انفجار المرفأ أثر على القدرات الشفائية للمستشفيات، لذا تم تنظيم أكثر من زيارة ميدانية لرصد الاحتياجات الخاصة بالمستشفيات (مستشفى القديس جاورجيوس) (TRT Arabi)
تحت وطأة هذه الظروف جمعاء لم يتوقف يوماً مستشفى الروم، أقدم مستشفى في مدينة بيروت، عن تقديم خدماته الطبية للجرحى والضحايا (مستشفى القديس جاورجيوس) (TRT Arabi)
هي دعوة علنية لتضافر الجهود البشرية في تقديم المساعدات المالية والطبية اللازمة لإعادة إنعاش القطاع الطبي في مدينة بيروت (Reuters)
 (مستشفى القديس جاوررجيوس للروم الأرثوذوكس ـ الأشرفية ـ بيروت) (TRT Arabi)
قبيل كارثة انفجار المرفأ كان القطاع الصحي في لبنان قد وصل إلى حافة الانهيار بفعل الأزمات الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا (مستشفى القديس جاوررجيوس للروم الأرثوذوكس ـ الأشرفية ـ بيروت) (TRT Arabi)
TRT عربي