أول صورة التُقطت لثقب أسود في التاريخ  (AA)
تابعنا

قبل أكثر من مئة عام تنبأ عالم الفيزياء الألماني ألبرت آينشتاين (1879 – 1955) بحقيقة الثقوب السوداء، واحدة من أكبر الألغاز العلمية التي حيرّت البشرية لسنوات طويلة، وعبر نظرية النسبية العامة التي نشرها عام 1915 قدّم مفهوماً جديداً لشرح ظاهرة الجاذبيةخلافاً لتفسير نيوتن السابق لها، وتنبأ بوجود الثقوب السوداء.

في يوم 10 أبريل/نيسان 2019 كشفت مجموعة من علماء الفيزياء الفلكية عن أول صورة يتم التقاطها لثقب أسود في التاريخ، جميع الصور التي ظهرت سابقاً لم تكن سوى محاكاة أنتجتها مجموعة من الحواسيب المعقدة التي تمت برمجتها بناء على نظرية آينشتاين، وهذا هو الإثبات الأول على حقيقتها.

قام بهذا الإنجاز أكثر من 200 عالم من عدة بلدان، ضمن مشروع إيفنت هورايزون تليسكوب بعد سنوات طويلة من البحث والرصد، وبلغت تكلفته نحو 44 مليون يورو، إذ قام العلماء بابتكار شبكة تتكون من ثمانية تليسكوبات ضخمة توزعت عبر فرنسا وغرينلاند وأنتارتيكا وتشيلي والمكسيك والولايات المتحدة وهاواي وإسبانيا، لتكوين ما يشبه تليسكوب بحجم الكرة الأرضية في محاولة لالتقاط الصورة، وهي المحاولة التي نجحت وتم إعلانها في 6 مؤتمرات صحفية متزامنة حول العالم.

"إنه إنجاز مبهر، يفتح لنا نافذة كي نطلّ منها على الثقوب السوداء وأفق الحدث" أي فهم طبيعة البيئة المحيطة بالثقب الأسود كما وصفها مدير المشروع شيبارد دولمان.

ما هو الثقب الأسود؟

تطلّب الأمر نحو 50 عاماً لفهم ماهية الثقوب السوداء وفقاً لوكالة ناسا الفضائية، لكن أثناء البث الحي لانعقاد المؤتمر الصحفي في بروكسل، أوضح أحد العلماء أن الثقب الأسود هو جزء من معارفنا اليومية التي بوسع حتى الأطفال استيعابها، وعقّب بقوله "في الحقيقة، إن أفضل تعريف جاءني من طفل صغير، قال ببساطة، حسناً إنه مجرد ثقب لا يمكن أن يمتلئ أبداً".

تقع أضخم الثقوب السوداء في قلب المجرات السماوية، وهي كتل سوداء بالغة الضخامة تتمتّع بطاقة من الجاذبية الهائلة التي تلتهم كل أشكال المادة، الكواكب والنجوم والغبار وحتى الضوء، فيما يشبه دوامة كونية بلا نهاية، وهناك يمتزج الزمان بالمكان فيما يُعرف بالزمكان.

تتشكل الثقوب السوداء كنتيجة لانهيار نجوم هائلة الحجم بعد انتهاء دورة حياتها، وتختلف أحجام الثقوب السوداء، وأحياناً تندمج مع ثقوب أخرى.

التُقطت الصورة لثقب أسود يقع في مجرّة تُسمى M-87، وتبلغ مساحته ما يعادل ضعف حجم الأرض بثلاثة ملايين مرة، أي "أكبر من حجم نظامنا الشمسي كله"، ما دفع العلماء لوصفه بـ"الوحش المطلق"، ويبعد عن الأرض مسافة 55 مليون سنة ضوئية، أي أننا نشاهد صورة لهذا الثقب قبل 55 مليون سنة!

النظر في قلب الهاوية

ما تنبأ به آينشتاين أثناء عمله على وضع النظرية النسبية العامة التي شرحت الجاذبية في علاقتها بالقوى الطبيعية الأخرى، أن الضوء إذا مرّ بالقرب من كتلة ضخمة، قد ينحني، فيما عُرف لاحقاً بمفهوم "الفضاء المنحني"، وبناء على تلك الفرضية وضع العلماء خطة التقاط صورة للثقب الأسود من خلال رصد أحد النجوم الكبيرة الذي يستغرق نحو 16 عاماً لإكمال مداره.

توقع العلماء وفقاً لهذه الإحداثيات مروره بالقرب من الثقب العملاق نهاية عام 2018، وتم ابتكار شبكة من 8 تليسكوبات ضخمة انتظاراً لتلك اللحظة، حيث ظهر ظلّ الثقب الأسود بسبب انعكاس ضوء النجم الذي وصل إلى ما بعد الثقب، في المنطقة التي تُعرف بـ"أفق الحدث" قبل أن يتفتت ويُبتلع بداخله.

كان آينشتاين يتوقع أن شكل الثقب الأسود إذا التقطت له صورة "سوف يبدو شبيهاً بهلال أحمر"، وعلى هذا الأساس ابتكر العلماء صور المحاكاة، التي جاءت مطابقة تماماً لصورة الثقب الأسود الحقيقية، "إنه يشبه حلقة نارية" وفقاً للبروفيسور هينو فالك الذي اقترح فكرة المشروع.

تُعدّ البيئة المحيطة بالثقب الأسود، والتي تُعرف باسم "أفق الحدث"، أحد أعنف الأماكن في الكون، نقطة اللا عودة حيث يتلاشى كل شيء حتى الغبار والضوء، ويختفي إلى الأبد داخل الهوة المظلمة، أو يذهب إلى مكان آخر لا نعرفه.

هل اقتربنا من اكتشاف عوالم أخرى؟

يظلّ اللغز الأكبر هو إيجاد الحلقة المفقودة بين نظرية ميكانيكا الكم والنسبية العامة، وهو ما عمل عليه طوال سنوات عمره عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ (1942 - 2018).

"الثقوب السوداء ليست سجوناً أبدية كما كنا نعتقد، لو شعرت بأنك انحبست داخل ثقب أسود، لا تفقد الأمل، فهناك طريق للخروج" لكن طريق الخروج هذا قد لا يعيد الناس إلى المكان الذي جاءوا منه، كما أوضح هوكينغ في محاضرة عام 2015.

قبلها بعدة أعوام وتحديداً في عام 1974، قدّم هوكينغ مجموعة من الافتراضات الصادمة، والتي تُظهر أن الثقوب السوداء تقوم بخلق جزئيات غير ذرية وبعثها، تستمر حتى تستنفد طاقتها وتتبخّر كلياً، عُرفت هذه الجزئيات لاحقاً بإشعاع هوكينغ، ووفقاً لهذا الافتراض فإن الثقوب السوداء ليست سوداء بالكامل ولا تدوم إلى الأبد.

وهذا ما دفع هوكينغ إلى طرح نظرية الأكوان المتوازية، والتي تقول بأن الأجسام وكل ما يُبتلع داخل الثقب الأسود تظل المعلومات المتضمنة بداخله محفوظة في مكان ما، ولكن ليست محفوظة داخل هذا الكون المرصود، بل ربما في أكوان أخرى، "يجب أن يكون حجم الثقب ضخماً بما يكفي، وفي حالة دورانه، ربما نجد حينها معبراً يقودنا نحو كون آخر، لكن المؤكد أننا لن نتمكن من العودة إلى عالمنا مجدداً".

وأوضح هوكينغ، أن الثقوب السوداء إذا كانت تقوم بتدمير المعلومات الخاصة بالأجسام التي ابتلعتها قبل أن تلفظها في عالم آخر، فإن هذه العملية قد تمحو الماضي إلى الأبد، أي أن هذا ربما يكون ثمن العبور، وأضاف "الماضي هو ما يخبرنا من نكون حقاً، وبدونه فإننا نفقد هويتنا".

العالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين صاحب نظرية النسبية العامة  (Getty Images)
العالم ستيفن هوكينغ صاحب نظرية الأكوان المتوازية (AP)
TRT عربي