تابعنا
لم تعتذر الولايات المتحدة عن غزوها العراق عام 2003، الذي دُمرت خلاله دولة كاملة بادعاءات حول امتلاك الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين أسلحة نووية وصواريخ طويلة المدى، كما لم تعتذر واشنطن عن الدمار الذي أحدثته في أفغانستان طوال نحو 20 عاماً.

كان مفاجئاً أن يفوز فيلم "أوبنهايمر"، الذي يحكي قصة "أبو القنبلة الذرية"، بجوائز أوسكار عدّة، في حفل رفع فيه نجوم هوليوود شعار "قِفوا الإبادة" على ملابسهم الرسمية، تذكيراً بما يحدث في قطاع غزة من إبادة للمدنيين العزل من الفلسطينيين لنحو 6 أشهر على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

و"أوبنهايمر"، الذي عُرض صيف العام الماضي محققاً إيرادات كبيرة، يلقي الضوء على ما تسببت فيه أمريكا للعالم من دمار عبر قصة حياة الرجل الذي اخترع القنبلة الذرية وكانت سبباً في استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، في وقت تدعم فيه حاليّاً أمريكا أيضاً الحرب الإسرائيلية في غزة، إسهاماً في إبادة سكان القطاع، فيما تتسبب سياساتها من جهة أخرى في مزيد من عدم الاستقرار في أوكرانيا على مدار أكثر من عامين.

أوسكار "غزة"

فاز "أوبنهايمر" بسبع جوائز أوسكار، كما حصد الفيلم الوثائقي الأوكراني "20 يوماً في ماريوبول" جائزة أفضل فيلم وثائقي. وتدور أحداثه عن دخول القوات الروسية إلى مدينة ماريوبول، وقد شهد الحفل نفسه ارتداء نجوم هوليوود شارات "قفوا الإبادة"، ما جعل قطاع غزة حاضراً في واحد من أهم الأحداث الفنية عالميّاً، وكانت هذه الشارات فوق الدبابيس الصغيرة المصبوغة باللون الأحمر، شعار الحفل السادس والتسعين للأوسكار.

جاء ذلك إلى جانب مظاهرات شهدها يوم الحفل أمام مسرح دولبي تضامناً مع غزة ودعوة لوقف الحرب عليها، ما أربك النجوم في هوليوود، خصوصاً مؤيدي إسرائيل، فحتى مخرج فيلم "منطقة الاهتمام"، البريطاني اليهودي، جوناثان غلايزر، الذي فاز بالأوسكار عن فيلمه، أدان ما يحدث في غزة وقال في خطابه: "نحن نرفض السماح بإساءة استخدام يهوديتنا والمحرقة من أجل احتلال تسبّب في كثير من المعاناة لعديد من الأبرياء".

ضمير لا يستيقظ

رغم أن العالِم الفيزيائي أوبنهايمر راجع نفسه كثيراً بعد إلقاء القنبلة النووية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي يومي 6 و9 أغسطس/آب 1945، وتسببه في وفاة 200 ألف شخص على الأقل، فإن الفيلم، ودون أن يتعرض لهذا مباشرة، يشير إلى أمريكا التي لا تُراجع نفسها في الحروب التي خاضتها خلال السنوات الأخيرة.

لم تعتذر الولايات المتحدة عن غزوها العراق عام 2003، الذي دُمرت خلاله دولة كاملة بادعاءات حول امتلاك الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين أسلحة نووية وصواريخ طويلة المدى، كما لم تعتذر واشنطن عن الدمار الذي أحدثته في أفغانستان طوال نحو 20 عاماً قضتها هناك على إثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ومؤخراً تدعم أمريكا إسرائيل في حربها على سكان قطاع غزة، التي أودت حتى الآن بحياة نحو 32 ألفاً من الفلسطينيين العزل أمام آلة الحرب الإسرائيلية، وما يعبّر عن أن فوز "أوبنهايمر" جعل دور أمريكا في الحروب الأخيرة والنقاش حوله يعود إلى السطح، ما قاله كيليان مورفي، الفائز بجائزة أفضل ممثل عن الفيلم: "نحن نعيش في عالم روبرت أوبنهايمر، قبل أن يهدي جائزته لصناع السلام".

حتى أوبنهايمر حاكموه

فيلم أوبنهايمر للمخرج الشهير كريستوفر نولان، يحكي قصة صانع القنبلة النووية، أو باختصار الرجل الذي تسبب اختراعه في محو مدينتين يابانيتين كاملتين إبان الحرب العالمية الثانية، والنقطة الأساسية التي يدور حولها الفيلم هي الصراع الذي شعر به عالم الفيزياء جي روبرت أوبنهايمر، حين شارك في مشروع مانهاتن السري الذي بدأ عام 1942 وأنتج القنبلة النووية.

ويصور الصراع النفسي الذي عاشه أوبنهايمر (توفي عام 1967) بعد ما تسبب فيه للبشرية كلها، خصوصاً أن أمريكا نفسها التي أفادها أوبنهايمر باختراعه حاكمته على ميوله اليسارية، وظل مُبعداً حتى تكريم الرئيس الأمريكي جونسون له قبل وفاته بوقت قليل.

وقد اعترف عالم الفيزياء عام 1965 بندمه على الاختراع الذي قدمه لأمريكا، وقال: "الآن أصبحت أنا الموت... مدمر العوالم"، مقتبساً كلمات من كتاب البهاغافاد غيتا الهندوسي.

"لا وجود للأخلاق"

ويقول الناقد الفني إيهاب التركي إن فيلم "أوبنهايمر" يجعلنا نرى الربط بين ما يحدث حاليّاً من حرب في غزة، مع إطار السياسة الأمريكية التي قدمها الفيلم نفسه حتى وإنْ كانت الظروف مختلفة.

ويضيف التركي لـTRT عربي أن كلمة مورفي في الأوسكار حول العيش في عالم أوبنهايمر "تشير إلى الحوار بين أوبنهايمر وآينشتاين في نهاية الفيلم حينما أدرك أن الاختراع الذي قدمه لم يكن للردع أو القوة أو الدفاع أكثر ما كان أول خطوة في طريق فناء البشرية".

ويشير إلى أن الفكرة العامة التي يطرحها الفيلم هي "عدم وجود أخلاق"، فأمريكا بعد أن كانت تحارب في الخارج بالعراق وأفغانستان بدأت "تحارب بالوكالة" وتسهم في حروب أصدقائها مثل إسرائيل وأوكرانيا.

ويضيف التركي أن ما يدلل أكثر على فكرة عدم وجود أخلاق، حديث الرئيس الأمريكي وقتها على طلب أوبنهايمر بعدم استخدام القنبلة الذرية، معللاً ذلك بأنه "قرار سياسي وليس قرار أوبنهايمر نفسه".

ويعتبر الناقد الفني أن الفيلم حاول أن يقدم موقفاً ضد الحرب "لكن ليس بالشكل المباشر على طريقة كريستوفر نولان"، كما أن السياسة كانت في خلفية الفيلم بالحديث الدائم عن القتل والدمار والعلم، وتحول العالِم إلى مجرم.

وترتبط الفكرة التي طرحها التركي حول عدم وجود أخلاق، بأن غزة وأوكرانيا تعرضتا لدعوات لضربهما بالقنابل النووية، فقد دعا وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، إلى إلقاء قنبلة نووية على غزة "حتى لا يبقى القطاع على وجه الأرض"، كما تزايدت خلال الحرب الروسية في أوكرانيا التصريحات التي ترغب في استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لحسم الحرب، وهي أسلحة خطيرة تؤدي إلى تدمير شامل، حتى وإن كانت "تكتيكية محدودة القدرة التدميرية".

تناقض الدعم الأمريكي

ويطرح فيلم "أوبنهايمر" أيضاً التناقض الأمريكي، فهو يناقش إلى حد كبير ندم "أوبنهايمر" على ما حدث وأنه قدّم للبشرية اختراعاً مات بسببه آلاف اليابانيين، ولكن ما زالت الدول التي تمتلك هذا الاختراع تهدد به.

كما في الوقت الذي تلقي الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات للفلسطينيين في قطاع غزة لحمايتهم من المجاعة التي تسببت في بعض الوفيات، تستخدم واشنطن الفيتو لكي توقف قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة من خلال مجلس الأمن الدولي.

وبينما يعلن مسؤولون أمريكيون أسفَهم على القتلى في غزة ويطالبون بحماية المدنيين، يساعدون بسياساتهم وقراراتهم الإسرائيليين بالأموال والسلاح، ومنذ بداية الحرب كانت أمريكا تزيد الدعم لإسرائيل بحجة "القضاء على حركة حماس"، وفي أوكرانيا يعتبر مدُّ كييف بالسلاح طريقة لتعميق الأزمة بينها وبين موسكو واستمرار الحرب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً